٦٦ شاعرة إسبانية معاصرة في أول أنطولوجيا عربية من نوعها

نماذج جديرة بالقراءة والتمعن بتجربتهن الإنسانية والأدبية

محمد الحمامصي/ميدل ايست اونلاين:يواصل الكاتب والشاعر والمترجم العراقي د.عبد الهادي سعدون ترجماته للإبداع الأسباني شعرا وقصة ورواية، فبعد الأنطولوجيا الشاملة للشعر الإسباني في قرن كامل (القرن العشرين) التي أعدها وترجمها لتكون أول أنطولوجيا باللغة العربية للشعر الإسباني، وحملت عنوان "هكذا هي الوردة.. أنطولوجيا الشعر الإسباني في القرن العشرين.. قرن من الشعر الإسباني الحديث 1900 ــ 2000"، قدم أخيرا أنطولوجيا خاصة بالشعر النسائي الإسباني صدرت عن كتاب الفيصل بعنوان "رقةُ ماءٍ يتبددُ بين الأصابع"، وضمت 66 شاعرة إسبانية معاصرة من أجيال مختلفة، مؤكدا أن هذه الأنطولوجيا غير معتادة في عالمنا العربي، وتعد أول أنطولوجيا تصدر باللغة العربية لنماذج شعرية لشاعرات إسبانيات مولودات في القرن العشرين حتى آخر الأصوات المتميزة من آخر أجيال الشعر النسائي الإسباني لما يسمى بشعرية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. من بينهن: كونشا ثاردويا، خوسفينا دي لاتوري، غلوريا فويرتس، كونشا لاغوس، خوليا أوثيدا، آلبيرا داوديت، كلارا خانيس، بُوريثا كانيلو، آراثلي ساغويو، خوانا كاسترو، ثيثليا دومنغيث لويس، روسا روموخارو، كارمن بايارس، أولبيدو غارثيا بالديس، ثيثليا كيليث، غوادالوبي غراندي، لونا ميغيل، إلينا ميدل، صوفيا كاستانيون، بيرونيكا آراندا، آليثيا آثا، لويسا كاسترو.. وغيرهن.

ويضيف أن لهذه الأصوات النسوية دور مهم ومتميز داخل الأجيال الشعرية الإسبانية منذ حركات التحديث بداية القرن الماضي حتى اليوم. ونحن بإدراج آخر الأصوات الشابة، إنما تقصدنا أن نمنح القارئ العربي (والأديب على وجه الخصوص) الفرصة ليطلع على ماهية شعريتهن وما يقمن بكتابته ومدى تقاربه أو تباعده من ذائقتنا وكتاباتنا بصورة عامة، والنسوية منها تحديداً. عليه هي أصوات مهمة اليوم وبعد أكثر من عقد، وقد أثبتن جدارتهن من خلال النشر والتواجد والحصول على التقريض والنقد المناسبين، دون أن ننسى أن أغلبهن قد حصلن على أهم جوائز الشعر الوطنية والدولية. وبمجرد البحث عن سيرة كل واحدة منهن سنعثر على تاريخ مطول من الإنجازات دون مبالغة، حتى من بين تلك الأسماء الشابة التي انتخبناها وترجمنا لها.

يقول سعدون "الأسماء التي أخترناها من شاعرات بداية القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادي والعشرين، هي حتماً أسماء جديدة لم يسمع أو يقرأ لها القارئ العربي إلا القليل منها الذي لا يتعدى بالتأكيد أصابع اليد الواحدة. لكنها أسماء شعرية كونت نفسها بشكل صلب ومتماسك، وعلى معرفة واعية بشعريتها وهدفها. هنا تداخل بين أصوات معمرة شكلت عصب السبق الشعري النسوي في زمن صعب بدأ بانهيار الإمبراطورية الإسبانية عام 1898 مروراً بنزاعات وتحولات سياسية واجتماعية وتنتهي بحرب أهلية طاحنة عام 1936، لم ينتهوا منها حتى وصول الحقبة المعاصرة الممثلة بالشرعية والدستور لبلد عريق بتاريخه ومنجزاته مثل إسبانيا. يضاف لهذه الكوكبة الرائدة، تلك الأصوات الشابة الراسخة التي ضممناها للأنطولوجيا المقدمة هنا، وأهميتها تكمن فيما نشرته وما نالته من إطراء نقدي منحها حجمها داخل الوسط الثقافي، وكذلك لقربها من التجربة العالمية في تقلباتها وسرعة تطورها ضمن منظومة العالم وتعدديته الثقافية ووسائل انتشارها ومنظوماتها التي نكاد نجزم على سرعة تجددها وتغيرها في العام الواحد. كذلك ندرجهن هنا ليقف القارئ العربي اليوم ومعه أجيال الشعراء على ما تكتبه الشاعرات في إسبانيا، ومدى اختلافهن وتلاقيهن معه في الرؤية والذائقة والتعبير الشعري للصوت الذكوري، وإن كنا نؤكد هنا بأن لا غرض من منتخباتنا هنا لتنافس أو تقابل أو وضع كفة مقابل كفة شعرية، فالشعر في عمومه لا يتكئ على جنس أو هوية، بقدر اتكاءه على الأصالة والتجديد والبقاء.

ويرى أن الشعر الإسباني ليس بغريب على ذائقة القارئ العربي، فقد تعرف عليه وبطبعات وترجمات متعددة منذ سنين طوال، لا سيما تلك الأصوات المتميزة منه مثل: أنطونيو ماتشادو، خوان رامون خمينث، غارثيا لوركا او رفائيل البرتي. كما أنه قد اطلع على أنطولوجيات شعرية معاصرة لأسماء أخرى بدأت ومنذ وقت طويل تثبت أقدامها وجدارتها الشعرية ضمن جيلها أو في الشعرية المكتوبة باللغة الإسبانية عموماً. مع ذلك فما زلنا متعطشين لمعرفة المزيد، خاصة قراءة الأسماء الشعرية المتأخرة في النسق الشعري الإسباني المعاصر، وهي تصلنا وتنشر عندنا بشكل متأخر ومقتضب أو مشوه أغلب الأحيان. والصوت النسوي بينه يكاد يكون مندثراً أو لا يعطى تلك الأهمية التي تستحقها قيمتها الشعرية بحق، ولأسباب عديدة، لعل ابسطها هيمنة العنصر الذكوري على خارطة الشعر الإسباني، وقلة الأصوات النسوية وندرتها في الأجيال الشعرية المتكونة من عدد هائل من الأسماء الذكورية. كل هذا وغيره يجعلنا لا نستطيع التمثل أو الإشارة لأسماء نسوية متميزة بعينها في الوسط الشعري الإسباني. وهذا على اية حال لا يشمل الترجمات العربية، بل يكاد يكون متمثلاً ايضاً في النشر والتقدير النقدي الإسباني نفسه، والذي بدأ بالتغير والتحول من التحجيم على الإشارة كما نلاحظه اليوم في العديد من الكتب والأنطولوجيات المنشورة في كبرى دور النشر لصوت نسائي بعينه او لمجموعة منهن ضمن الجيل الأدبي أو الظاهرة الثقافية نفسها.

ويشير سعدون إلى التحول الحقيقي في الشعرية الإسبانية المعاصرة بدءاً من القرن العشرين باعتقادنا جاء به ما سمي بجيل الـ 98 وجيل الـ 27، لتعيش إسبانيا بعدها في مستنقع الركود والصراعات الاجتماعية والسياسية بعد انتصار الفاشية الفرانكوية في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936. ستعيش بعدها إسباني ما يسمى الركود والرقابة الثقافية الصارمة في داخل البلد، والمنفى الخارجي لقطاع كبير من أدباءه إلى خارج الديار، وتهجرهم في بلدان مختلفة على الأغلب في بلدان أميركا اللاتينية. ليمتد بعده بسنين ط\ويلة وصولاً لجيل الثمانينات (جيل الديمقراطية بعد موت فرانكو) وهو الجيل الذي شرع ضمن عدته الثقافية إلى التنصل مما يحد من شعرية الشاعر، أي كل ما يمكن أن يدخل ضمن ما يسمى بالمسؤولية ضمن معانيها الاجتماعية المتصلة بالتزام الأديب ومسؤولية الوطنية. فهذه الأجيال الجديدة وجدت أن على الشاعر مسؤولية وحيدة لا غير هي النص نفسه وكل محاولاتهم بالبحث عن تميزهم ضمن الحركات الشعرية العالمية، التواصل معها، ترجمتها للإسبانية، الخوض في غمار المسائل الوجودية والتحرر الإنساني. من هنا حصلت الانعطافة الحقيقية للخروج بالشعر الإسباني من قوقعته المحلية وانعتاقه في البحث عن تصورات جمالية معاصرة، ومواكبة العالم في ثورته الثقافية والفكرية، دون التنصل عن الهدف الرئيسي للفرد الإسباني آنذاك، وهي الحرية القصوى في الحياة العامة كما عليه في الكتابة الإبداعية.

ويتابع "من هنا شاع بين الشعراء الجدد تسمية الحساسية الشعرية الجديدة، وذلك بالاتجاه بالشعر نحو هدفه الأسمى، أي استنطاق ما بعد الكلمة والانحياز للجمالية الكتابية أياً كان مصدر نبعها. لذا نلاحظ على أجيال ما سمي بنهاية القرن العشرين والربع الأول من الحادي والعشرين، اللجوء لكل الوسائل الفنية والكتابية المتاحة لبناء قصيدتهم، ولم ينقطعوا بالتواصل مع زمنهم بكل عيوبه ومنجزاته التقنية والآلية. عليه تعددت اتجاهاتهم وتصوراتهم، تقاطعت وتشعبت، وتشكلت منهم أكثر من مجموعة واتجاه، ولكنهم بقوا بصورة وبأخرى منحازين لمنطق الجمال في بذر الكلمة واستيعاب تعدديتها الخلاقة".

ويؤكد سعدون إن الشعر الإسباني المعاصر قد تمثل بقدر وآخر، التجربة الإسبانية العريقة، ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى مـوجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغي كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي. وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ بداية القرن العشرين حتى بداية الألفية الثالثة، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكي حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية. كل ذلك الذي ذكرناه من تميز ومواصفات في الشعر الإسباني المعاصر، لم تكن المرأة والصوت النسوي ببعيد عنه، بل من ضمنه، وممثلاً له ومعاصراً حقيقياً لفترته وتطلعاته وتغيراته الكبيرة.

ويلفت إلى أنه في ظل الزخم الهائل من المنشورات والأسماء الأدبية الإسبانية، فإن صوت المرأة الإسبانية مازال حتى اليوم يعاني من الإقصاء وعدم الترويج الحقيقي له. إذا كانت النماذج النسوية الأولى منذ القرون الوسطى حتى نهاية القرن التاسع عشر، كن يكتبن تحت ضغوطات مجتمعية وكنسية معينة، فاليوم يقعن تحت نفس الضغوطات وإن اتخذت مسميات ومواقف مختلفة. الأسماء النسوية مرت بفترات ابتعاد وإقصاء، فترات نشر بأسماء ذكورية والتعكز على أسماء أزواج أو الدخول في مقاسات أدبية معينة حتى تجد لها مكانها، فاليوم وإن اختفت تلك الظواهر وأصبح الاسم الأنثوي بالإمكان مجابهة الجانب الذكوري في الثقافة والاجتهاد الأدبي والتنوع المتاح، إلا أن الحقائق ماتزال تؤكد على العديد من العقبات غير المرئية أو المجهولة عمداً من قبل النقد أو المجموع الثقافي، تساهم بشكل وبآخر في التعتيم أو عدم منح الأهمية المنشودة للأسماء والظاهر الشعرية النسوية في إسبانيا.

ويرى المرأة الشاعرة الإسبانية لا تختلف عن الشاعر الإسباني في كل تنقلاته وتحولاته وتجريبية فنه ومقارباته مع الذات ومع الآخر. وهنا في هذه الأنطولوجيا التي نقدمها للقارئ والممثلة بـ 66 صوتاً شعرياً من الأصوات النسوية في الشعر الإسباني، لهي نماذج جديرة بالقراءة والتمعن بتجربتهن الإنسانية والأدبية، وبالتالي التوافق أو الاختلاف معهن ضمن الرقعة الحية للأدب الإنساني الخالد. نماذج شعرية تقترب من المائتي قصيدة وقصيدة بكل تجلياتها واختلافاتها الذهنية والشعرية، وبكل مدارسها واجيالها وظروف تكوينها وسني كتابتها ومغزاها الظاهر والمبطن. إن (رقة ماء يتبدد بين الأصابع) ليست أنطولوجيا متكاملة كحال كل الأنطولوجيات الأخرى، لكننا حاولنا فيها أن ننصف كل الأسماء المهمة المتميزة، وإن بقي أسم دون ان ندرجه فقد يكون لسهو غير مقصود أو لذائقة شعرية أو لرأي نتمنى من قارئنا العربي ان يتفهمه وأن يسعى معي للتمعن وتذوق هذه الأصوات النسوية المنتخبة، التي وأنا بطور البحث عنها وترجمتها، قد تعلمت منها وعبرها على منبع الشرط الإنساني وهدفه: الرقة والشعرية وإثبات الذات عبر الكلمة الموحدة.

نماذج من الأنطولوجيا
** كونشا منديث

ـ أرغب

أرغب بابتسامات عديدة كعملة للمبادلة

ومشجب واسع كصيغ للتعبير.

أما عن طريق الكلمة أو عبر الهيئة

أبحث عن علامة مشجعة لكي احتمي بها.

كما عبر العلامة، ابحث في الكذب

عن اقنعة شتى، تلبيس خادع

وأن أستطيع، دون وازع، المضي إلى حيث الناس

بمناورة مدركة ومداعبات لتظليل العلة.

أرغب ولا أستطيع! أن أكون مثل الآخرين

أولئك الذين يملؤون العالم ويسمون بالبشر:

بقبلة على الشفتين بشكل دائم، مخبئين الأفعال

وفي الختام، غسل اليدين بكل هدوء.

** آنخيلا فيغيرا

ـ امرأة

كل من رقة وخفة

ناداني الشعراء؛ زهرة، عطر!

زهرة: لا اتفتح. اتضوع دون أن اتحرك.

ما ان منحوني البذرة حتى منحتهم فاكهتي.

المياه تجري بداخلي، لكنني لست بمياه.

أشجار الساحل؛ بحلاوة اظللهم وآويهم

لكنني لست بشجرة.

طير يحلق. كلا. عش بالتأكيد.

ساقية كريمة، درب حميمي

تقطير صنف أزلي.

** ارنستينا شامبورسين

ـ مغيب

عندما يحل المغيب،

هل تخبرني، ماذا يتبقى لنا؟

عصير الذكرى

والابتسامة الجديدة لشيء لم يمض بعد

ويسلمنا إياه هذا اليوم.

عندما يحل المغيب،

ما تزال الزهور بطيئة

في انفتاحها وانغلاقها

دون ان تسقط على الأرض.

عندما يحل المغيب،

لا ينفع ما يبقى منه

غير هذا الاندفاع الساحر

للحقيقة كاملة.

** كارمن كوندي

ـ غياب الحبيب

عدتُ في طريق بلا أعشاب.

وأمضي حتى النهر لأبحث عن ظلي.

أي عزلة مختومة بقمر بارد.

أي عزلة ماء بلا حوريات حمر.

أي عزلة لشجر صنوبر مج مغترب.

مضيت لأستعيد عيناي

المهجورتان عند الضفة.

** بيرونيكا آراندا

ـ مباغتة

المستقبل في الندبات يتسلحُ بالإبر،

تفتُحُه المُعتِم

يجابه هيجان البِركة.

ولا تقبض على أي شيء.

في أماكن الرغبة المتنافرة

سلة من الإطرنج فحسب

وخيوط صوف تتمزق في الإسطبلات.

** دانييلا مارتين هيدالغو

ـ النسيان

تتساقط الأجساد

والمسافات تظل على بعدها الشاسع

بينما يتعطل العطش في الجدران.

ويُستهلَك الضوء في الفراغات

والأبواب المختومة.

بشراسة

تصل

الحجارة

والعصور

ومن بعدها الصمت.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع