
العربية.نت ووكالات;تعيش المرأة أكثر من الرجل في مختلف أنحاء العالم، وتسري هذه القاعدة عبر التاريخ وفي معظم المجتمعات البشرية. ورغم أن التقدم في علوم الطب ومستويات المعيشة قد ساهم في تضييق الهوة العمرية بين الجنسين في بعض أجزاء العالم، يرجح باحثون أن هذه القاعدة لن تزول قريبا، وأرجعوا السبب في ذلك إلى أنها ترتبط بشكل راسخ بعملية التطور والارتقاء وتتجلى بوضوح في كثير من الفصائل الحيوانية.
وأجرى فريق بحثي يقوده علماء من معهد ماكس بلانك لعلوم الأنثروبولوجيا التطورية في مدينة لايبتسيج الألمانية دراسة موسعة شارك فيها خبراء من مختلف أنحاء العالم، وتناولت الفروق العمرية بين الذكور والإناث لدى حيوانات وطيور بل وزواحف أيضا، وسلطت هذه الدراسة أضواء جديدة على واحد من أقدم ألغاز علم الأحياء، وهو لماذا تتباين عملية الشيخوخة وطول العمر بين الجنسين. وتبين من الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية Science Advances أنه في معظم فصائل الثدييات، تعيش الإناث أكثر من الذكور، واستشهدوا بأمثلة مثل قرود البابون والغوريلات حيث تعيش الإناث في العادة أكثر من أزواجها.
ووجدوا أن أحد الافتراضات لتفسير هذه الظاهرة من منطلق علم الوراثة فرضية "الجنس غير المتجانس" Heterogametic Sex Hypothesis التي تركز على اختلافات كروموسومات الجنس لدى النوعين. وأوضحوا أنه في حالة الثدييات، يكون لدى الإناث اثنين من كروموسومات "إكس" في حين أن الذكور لديهم كروموسوم "إكس" وآخر "واي"، وتفترض الدراسات أن امتلاك كروموسومين إكس لدى الإناث ربما يعطيهن حصانة أكبر ضد الطفرات الجينية الضارة، مما يسهم بدوره في إطالة أعمارهن.
وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن هذه القاعدة لا تسري بشكل مطلق على سائر أنواع الكائنات الحية، حيث إن ذكور كثير من أنواع الطيور والزواحف والحشرات تعيش أكثر من إناثها. واعتمد الباحثون على بيانات تخص أكثر من 1176 فصيلة من الطيور والثدييات في حدائق الحيوان حول العالم، واكتشفوا من تحليل هذه البيانات نتائج تؤكد صحة فرضية "الجنس غير المتجانس"، حيث وجدوا أنه في معظم فصائل الثدييات (72%) تزيد أعمار الإناث عن الذكور بنسبة 12% في المتوسط، وعلى العكس، وجدوا أن الذكور تعيش أكثر من الإناث لدى معظم فصائل الطيور (68%)، وأن أعمار ذكور الطيور تزيد عن الإناث بنسبة 5% في المتوسط.
وتقول رئيسة فريق الدراسة يوهانا شتارك إن "بعض الفصائل خرجت عن النمط المتوقع لفروق الأعمار بين الذكور والإناث"، وأوضحت في تصريحات نقلها الموقع الإلكتروني "سايتيك ديلي" أنه "بالنسبة لكثير من فصائل الطيور الجوارح، تكون الإناث أكبر حجما وأطول عمرا من الذكور، وبالتالي فإن مسألة كروموسومات الجنس بين النوعين هي ربما جزء فقط من القصة وليس الرواية كاملة".
ويرى باحثون أن استراتيجيات التكاثر لدى الأنواع ربما تسهم أيضا بدور في مسألة اختلاف الأعمار بين الذكور والإناث حيث إنه وفق قاعدة الاختيار الجنسي، يكون لدى الذكور خصائص معينة لاجتذاب الأنثى مثل الوان الريش الزاهية وضخامة الجسم وبعض الأسلحة الطبيعية مثل المخالب أو القرون مثلا، وهو ما يزيد من قدرتها على اجتذاب الأنثى ولكنه يقلل بدوره من أعمار تلك الذكور.
وتدعم الدراسة الجديدة صحة هذه الفرضية حيث تبين أن في فصائل الحيوانات التي يتزاوج فيها الذكر مع أكثر من أنثى، وتشهد تنافسية بين الذكور على التزاوج، عادة ما تموت الذكور قبل الإناث. في حين أنه لدى معظم فصائل الطيور، لا يتزاوج الذكر سوى من أنثى واحدة وبالتالي لا توجد ضغوط أو تنافسية كبيرة بين الذكور على التزاوج، وهو ما ينعكس بدوره في طول عمر ذكور الطيور.
وتوصل الباحثون أيضا إلى أن رعاية الصغار ربما تكون أيضا من أسباب طول العمر، حيث وجدوا دلائل على أن النوع الذي يستثمر وقتا وجهدا أطول في العناية بالصغار، وهو الأنثى في معظم أنواع الثدييات، يعيش أطول من النوع الآخر. ولعل هذه السمة تعتبر من المزايا التي منحتها الطبيعة للإناث في فصائل الثدييات التي تعيش طويلا مثل الرئيسيات، حيث تعيش الإناث فترة طويلة بما يكفي حتى يصبح الصغار قادرين على الاعتماد على أنفسهم وبالغين من الناحية الجنسية.
ومن بين الفرضيات التي عمد الفريق البحثي إلى اختبار مدى صحتها فكرة أن ضغوط الحياة البرية مثل الافتراس والأمراض وظروف الطقس القاسية هي التي تتسبب في قصر عمر الذكور مقارنة بالإناث، حيث اتجه الباحثون إلى مقارنة أعمار فصائل الحيوانات التي تعيش الحياة البرية بأقرانها التي تعيش بحدائق الحيوان، ولكنهم وجدوا أن نفس الفجوة العمرية بين الذكور والإناث تظل موجودة مع ظروف المعيشة تحت الحماية في حدائق الحيوان.
ولكنهم لاحظوا أن هذه الفجوة تضيق لدى الحيوانات التي تعيش في الأسر، وهو ما يعكس نفس حالة الإنسان، حيث إن تحسن ظروف الحياة وتوافر الرعاية الصحية يساهمان في تقليل حجم الفجوة العمرية بين الجنسين، ولكن لا يقضي عليها بشكل كامل.
وخلص الباحثون إلى أن تحسن العوامل البيئية قد يساعد في تضييق الفجوة العمرية بين الذكور والإناث، ولكنه لن يقضي عليها بالمرة، وأن اختلاف الأعمار بين الجنسين هو جزء من تاريخ تطور الإنسان، والحيوان بصفة عامة، وأن هذا الاختلاف سوف يستمر على الأرجح في المستقبل بدون تغيير.

698 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع