نداء استغاثة.. العراق وإيران يخنقان الغزلان بأسلاك شائكة

الحرة/دلشاد حسين:كان نهار حار من نهارات الصيف، عندما التقط نعمت ملو، المصور الفوتوغرافي – الناشط البيئي، صورة لغزال صغير يتوارى خلف سياج من الأسلاك الشائكة على سفح جبل في منطقة كرميان، شمالي العراق.

حدّق الحيوان الصغير في الكاميرا، ربما بحثا عن عالم برّي آخذ في التلاشي.

لم يكن المشهد عاديا بالنسبة لملو، الذي شاهد بعينيه كيف تقلّصت المساحات البرية، لا بفعل الجفاف أو الصيد الجائر فحسب، بل أيضا، جراء اتفاق أمني بين بغداد وطهران أجهز على آخر المسارات المفتوحة لغزلان “الدرقي” في كردستان – العراق.

هذه القصة ليست عن علاقة السياسة بالحدود، بل عن تقطيع أوصال الحياة البرية بسكاكين السياسة والحدود.

كانت الغزلان معتادة على المضي من تلال العراق إلى وديان إيران من دون جواز سفر طبعا، قبل أن يعترض طريقها سياج حديدي مدجج بقوات الحدود.

اعتادت قطعان غزلان “الدرقي” على التنقل بحرية في موطنها التاريخي وسط الوديان والأراضي المتموجة وعلى سفوح الجبال، ضمن التضاريس الوعرة التي تشكل الحدود بين كردستان – العراق وإيران.

واستطاعت تلك الغزلان، مع غيرها من الحيوانات البرية، الحفاظ على وجودها على مدى السنوات الماضية رغم الجفاف والتصحر، والتغييرات على أيدي البشر بدءا من الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، وصولا إلى تغير المناخ والصيد الجائر.

لكن الغزلان باتت الآن عاجزة عن التنقل بحرية، بعد أن مد الجانبان العراقي والإيران جدارا من الأسلاك الشائكة على طول الحدود، بموجب اتفاق أمني، أُبرم عام 2023، للحد من أنشطة الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة لطهران.

ووسط التغييرات التي تشهدها المناطق الحدودية بين البلدين، لم يعد توفير المياه للحيوانات البرية النادرة، وحمايتها من الصيد الجائر، هو فقط ما يشغل بال المصور الفوتوغرافي، الناشط في مجال حماية البيئة، نعمت مَلو، الذي يترأس مجموعة “كيودوستان”، أي محبي البر، في إدارة كرميان جنوبي محافظة السليمانية في كردستان-العراق.

تعمل المجموعة منذ أعوام على إطلاق مبادرات لحماية الحياة البرية من الانقراض، ومن ضمن مبادراتها التقاط صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو للحيوانات البرية لنشرها ونشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة الطبيعية للمنطقة وعدم الصيد فيها، إضافة إلى توفير المياه للحيوانات في الصيف، مع موجة الجفاف التي يشهدها العراق منذ قرابة سبع سنوات.

ومنذ أكثر من عامين، باشرت المجموعة العمل على إنقاذ غزلان الدرقي من الأسلاك الشائكة، من خلال تنظيم حملات تطالب بمعالجة هذه المشكلة وحماية الغزلان.

يراقب مَلو وأفراد المجموعة عن كثب الأوضاع على الجانب العراقي من الحدود، ويشاهدون بألم كيف فصلت الأسلاك الشائكة الغزلان عن أقرانها في الجانب الآخر، وفق ما ملو.

ويضيف لـ”الحرة” أن “الأسلاك الشائكة تسببت بحصر الغزلان وتقييد حركتها، وقد أسفرت خلال العامين الماضيين عن إصابة العديد منها بجروح في أنحاء مختلفة من أجسامها، كما أن صغارها لا يمكنها إطلاقا التحرك والانتقال”.

ينتشر الغزال الدرقي، وهو أحد أنواع الغزلان الموجودة في كردستان العراق وإيران، أيضا في مناطق واسعة من آسيا الوسطى والغربية، وفي باكستان، وأفغانستان، وتركيا والقوقاز.

ووفق موسوعة Animalia، يُشتق اسم الغزال الدرقي من الانتفاخ الموجود على عنقه، وهو شبيه بالورم الدرقي، لكنه ليس ورما، بل أسطوانة غضروفية كبيرة بارزة عند الذكور، خصوصا خلال موسم التزاوج، إذ تسمح له بإصدار نفخات عميقة عالية الصوت لجذب الإناث.

ويعتبر مَلو هذا النوع من الغزلان نادراً ومهدداً بالانقراض عالميا.

وأطلقت مجموعة مَلو خلال العامين الماضيين حملات عديدة لإنقاذ هذه الغزلان، وقدّموا تقارير رسمية إلى مديرية شرطة حماية الغابات في الإقليم، لكنهم لم يحصلوا على نتائج ملموسة، لأن حل المشكلة، وفقا لما أخبرتهم به الجهات المعنية المحلية، يتطلب تحركا من الحكومة العراقية، كونها الطرف الذي أبرم الاتفاق الأمني مع إيران ويشرف على تنفيذه.

يطالب ملو وفريقه بإحداث فجوات بطول 10-15 متراً ضمن السياج الحدودي، في المناطق التي تستخدمها الغزلان للتنقل، لكن لم يحصلوا حتى الآن على أي استجابة من الجهات الحكومية العراقية.

ورغم قيام شرطة حماية الغابات بدوريات لمنع الصيد الجائر، فإن أغلب نشاطهم يتركز، وفق ما أفاد به ضباط في المديرية العامة في كرميان، في الوديان والجبال الداخلية، وليس على الشريط الحدودي الذي يقع ضمن مسؤولية حرس الحدود العراقي منذ نهاية عام 2023.

تواصل موقع “الحرة” مع قيادة قوات الحدود العراقية، لم يحصل على تعليقات وعدت بتقديمها.

وبحسب متابعة “الحرة”، فإن مشكلة غزلان الدرقي مع الأسلاك الشائكة لا تتمثل فقط في منعها من التنقل، بل تؤدي إلى حصرها في مناطق ضيقة، ما يجعلها هدفاً سهلاً للصيد الجائر، ويقلل من أعدادها بشكل يومي، بينما ليست هناك حلول في الأفق.

ورغم التحديات التي تواجه الحيوانات البرية في العراق، فإن البلاد لا تزال تفتقر إلى محميات طبيعية فعالة، ما يجعل هذه الحيوانات عرضة للتغير المناخي والصيد، دون ملاذ يحميها.

وبحسب الصندوق الدولي لرعاية الحيوان (IFAW)، فإن ما تعانيه غزلان الدرقي هو “تجزئة الموائل”، وهي واحدة من أخطر 10 مشاكل تؤثر على الحياة البرية. يحدث ذلك عندما تُقسم مناطق بيئية واسعة إلى أجزاء صغيرة، إما بفعل التنمية، أو الزراعة أو الأنشطة البشرية الأخرى.

ويؤكد الصندوق، في تقرير نُشر في مارس، أن هذا التفتيت يمنع الحيوانات من التنقل بأمان، ويؤثر على أنماط تغذيتها وتكاثرها، ويؤدي إلى العزلة الوراثية، ما يقلل أعدادها ويهدد التنوع البيولوجي.

ويضيف الصندوق أن العقود الخمسة الماضية شهدت انخفاض أعداد الحيوانات البرية بمعدل يزيد عن الثلثين، بسبب فقدان المواطن والموارد الطبيعية نتيجة للأنشطة البشرية والتغير المناخي.

ويطالب الصندوق بتغييرات منسقة عالميا لحماية التنوع البيولوجي وتعافي أعداد الحيوانات.

أما الخبير البيئي العراقي، حيدر رشاد، فيحذر من أن غزلان الدرقي قد تنقرض خلال الأعوام العشرين القادمة إن استمرت في مواجهة الصيد الجائر والأسلاك الشائكة.

“في الجانب الإيراني من الحدود هناك محميات طبيعية توفر الحماية والتكاثر المراقب، بينما في العراق لا توجد محميات، والأسلاك الشائكة باتت تقيد تحرك الغزلان وتمنعها من الوصول للجانب الآخر،” يضيف رشاد في حديث مع موقع “الحرة”.

ويخلص إلى القول أن “الحل الأفضل لإنقاذ هذه الحيوانات من الانقراض هو إنشاء محميات خاصة بها في مناطق وجودها، توفر لها الحماية من الصيد، والرعاية البيطرية. هذا الإجراء يمكن أن يساعد في تكثيرها ويجعل من الأسلاك والصيد تهديدات أقل تأثيراً على مستقبلها”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع