رسالة البصرة - بمناسبة ثمانينية السارد العراقي الأمهر محمد خضير ...

         

     بمناسبة ثمانينية السارد العراقي الأمهر محمد خضير ...

     

    

بصرة:احتفى اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة في مقرّه صباح يوم السبت، الساعة العاشرة، 25 حزيران 2022، بالقاص والروائي والناقد العراقي الأشهر محمد خضير بمناسبة إشعال شمعته الثمانين، وذلك من خلال إقامة احتفالية تضمّنت كلمات وقراءات وبحوثاً قيلت احتفاءً بهذه المناسبة.

قصّ شريط هذه الاحتفالية، رئيس الجلسة، الناقد د. سلمان كاصد بكلمة ترحيبية بالحاضرين والحاضرات، بعدها عرّج صوب المنتَج السردي الثرّ للكبير محمد خضير متتبعاً سيرته الابداعية منذ إصدار قصته المحيّرة الأرجوحة مروراً بأهم مؤلفاته مثل "المملكة السوداء" و "في 45 درجة مئوي" و "حدائق الوجوه" وغيرها. كذلك قرأ بعض الكلمات والبرقيات والكلمات التي جاءت إليه من خارج العراق تشيد بالمحتفى به.
افتتحت الاحتفالية بإشادة شِعرية قدّمتْها الأستاذة جنان نيابة عن منتدى أديبات البصرة سلّطت فيها الضوء على الجوانب الابداعية الثرّة التي تميّزَ بها الكبير محمد خضير. وكان ثاني المتحدثين هو الشاعر الكبير كاظم الحجاج الذي ذكر بأن ثمة علاقة خاصة بينه وبين محمد خضير أشبه ما تكون بعلاقة التوأم قائلاً "أنا ومحمد خضير من مواليد 42 وحتى أحذيتنا قياس 42!". بعدها عالج خصيصة مهمة امتاز بها توأمه ألا وهي مسألة "الريادة". إذ أكّد بأنه قاريء صامت وجاد وتتوقع منه شيئاً سينفجر. إنها ريادة عن وعي وهي أخلد الريادات. وكل هذا راجع الى أنه قارىء نهم يفكّر فيما يقرأ ويفكّر لاحقاً فيما يكتب. وذكر بأن ريادة القصة أصعب من ريادة الشعر لأن لها اشتراطات على المشتغِل بها استيفاؤها. واختتم كلمته المقتضبة بأن محمد هو صديق وزميل وأب من آباء الثقافة.
ثم تحدّث الناقد جميل الشبيبي عن المنجَز العام للمحتفى به قارئاً مقتطفات من كتابه "بناء مدينة الرؤيا في القصة العراقية". إذ ذكر بأن القصص التي يكتبها محمد خضير هي قصص رؤيا، بمعنى أنها تتحدث عن مدن رؤيا لها خيال لكنها بلا تاريخ وصفها بأنها أمكنة مكثِّفة للأزمنة. مدن الرؤيا هذه بحسب الشبيبي سَرَدَ أحداثها سارد أسماه بالسارد الرائي الذي يبدأ سرده من الواقع وينتهي الى المثال. كذلك استخدامه للسارد القرين أو الشبيه عوضاً عن السارد العليم، وكل هؤلاء الساردين تتغير لغتهم حسب وظيفة كل واحد منهم لكنهم جميعاً متضامنون على إنشاءِ مدنِ رؤيا من أجل تجسيد الواقع.
واستهلَّ الروائي والناقد جابر خليفة جابر كلامه بأن المنطق يفرض دراسة الظواهر الأدبية على حساب التجارب الشخصية، لكن هذا لا ينطبق على القاص محمد خضير كون دراسة تجاربه الفردية تعدّ خطوة مهمة لاستكناه ما يرمي إليه هذا الصانع الأمهر. ثم تطرّقَ الى الدور الذي لعبه القاص في رعاية الأدباء والمثقفين من خلال إسهامه الفاعل في المشغل السردي الذي تخرّجَ من عباءته أدباء هم الآن في الساحة الأدبية البصرية والعراقية، كذلك المشغل القصصي النسوي. لكن أهم ما تطرّق إليه جابر هو الدروس التي لابد من استلهامها من الكبير محمد خضير ألا وهي: مسألة التأني حتى إنضاج النص على نار هادئة، التميّز وصناعة الاختلاف، تحدّثه عن الماضي بجلباب الحاضر أو المستقبل وتقنية التقنّع بالماضي هذه أطلق عليها جابر بـ "الواقعية المفترَضَة". وكأنه يريد أن يقول بأن إخفاء الشي هو خير وسيلة لإظهاره. كذلك ذكرَ بأن القاص مغاير ومتميز حتى مع نفسه فمحمد خضير في "بصرياثا" ليس محمد خضير في "رؤيا خريف".
الناقد والشاعر د. ضياء الثامري ركّز على موضوعة المرجعيات في أعمال محمد خضير، وخاض غمار قصة "الشفيع" التي هي من بواكير قصصه التي كتبها إبان الستينيات تتحدث عن زيارة الأربعين وقصة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. لكنه أوضح بأن ثيمة الاستشهاد لم تقدّم بشكل تقريري وإنما أضاف لها بعداً رمزياً وكنائياً. بعدها تعرّضَ بإيجاز إلى هذه القصة بدءاً بالعنوان ومروراً بالمتن ومعالجة الرؤى الواقعية والنفسية التي كان في معتركها الكاتب لحظة كتابته تلك القصة.
أما قراءة الناقد عبدالغفار العطوي فقد ركّزت على ثيمة المغايرة والاختلاف لدى محمد خضير، واستعرضت الثورة الألسنية التي اجتاحت العالم في القرن العشرين على يد السويسري دي سوسير وطلابه ومريديه. وذكر بأنه عند دراسة أي عمل إما أن نقوم بدراسة الكلام حسب مفهوم سوسير أو التركيز على الخطاب مثلما ذهب إليه بارت أو الكتابة كما هو الحال مع دريدا. وخلص الى نتيجة مفادها بأن محمد خضير عندما يكتب يضع نفسه موضع المتلقي لعكس هموم ذلك المتلقي وما يدور في خلجات نفسه.
بينما أضاف الناقد خالد خضير مهيمناً آخر لدى محمد خضير ألا وهو ولعه، إضافة الى القص، [ولعه] بالفن التشكيلي والفوتوغراف، وهكذا تراه يوظف اللون خير توظيف في قصصه، وبهذا فهو يرسم سردياته بالكلمات والأرقام.
الروائي باسم القطراني جاءت مداخلته بعنوان "من وحي الثمانين" وقد صاغها بأسلوب رفيع استلهم فيها جوانب كثيرة من مجموعة محمد خضير "المملكة السوداء" وأسقطها على الواقع المعاش فعكس من خلالها معاناة مواطني هذه المملكة الذين يقفون طوابير طويلة يجترّون آلامهم وبؤسهم، فشعب المملكة السوداء هو أنا وأنت وكل مَن هو محكوم عليه أن يستمرىء ما تُمليه عليه قوانين هذه المملكة.
ومسكُ ختامِ هذه الاحتفالية كان مع الكبير محمد خضير الذي ساق في بداية حديثة قصة كاتب العرائض والريفي الذي أخذ يبكي عندما بدأ كاتب العرائض بقراءة قصته التي أملاها عليه قبل قليل هذا الريفي نفسه! فسأله كاتب العرائض، لِمَ تبكي، أجابه الريفي: كل هذا جرى لي وأنا صابر عليه؟!! وفي هذه الأثناء استدار القاص محمد خضير بكل تواضع الى د. سلمان كاصد وسأله: "كل هذا جرى لي؟! أأستحق كل هذا؟! أنا محظوظ جداً". ثم أضاف، "الثمانين تفضح المعادلة بين التقدّم التقني والتقدّم العمري. أبي عاش 61 عاماً وعشتُ بعده عمراً، مَدّدْتُه بخدعة الأدب". ثم تمثّل ببيتِ شعرٍ لزهير بن أبي سلمى: "سئمتُ تكاليفَ الحياةِ ومَن يَعِش / ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ يَسأمِ".
وبعد، لا أقول سوى: أبعدَ الله عنك السأم والملل أستاذنا الجليل، ولْتبقَ الساردَ الأمهر، وعَلَماً وعلامة فارقة في دنيا السرد العراقي والعربي، وكل الدعاء لك بالصحة والعافية والإبداع.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع