وسام كريم – رووداو – بغداد:منذ عام 2003 والعراق يعاني من تهريب مقدراته المالية خارج البلاد، وكأنها اصبحت عرفاً سائداً تمارسه القوى السياسية بعد ان سيطرت وفرضت نفوذها السياسي على العملية السياسية، من خلال اذرعها التي تستعين بها في مسك مقدرات البلاد بشتى الوسائل والطرق، ووفق تقديرات ان الاموال العراقية المهربة الى الخارج تتراوح بين 150 الى 350 مليار دولار، وهي حجم اموال ليست بالقليلة، ومن دون ادنى شك أنها تحتاج الى جهد مضاعف من الحكومة والمؤسسات المعنية لاستعادة هذه الأموال.
ووفق برلمانيين، فان العراق بحاجة الى تشريع قوانين من اجل استعادة هذه الاموال، فضلا عن تفعيل قانون من اين لك هذا الذي سيكون له اثراً في استرداد الاموال المهربة، ويرى اخرون ان تفعيل اتفاقيات بين العراق ودول وصلت لها تلك الاموال، ومن الممكن ان تكون منفذا اخر لاستعادتها، فالوضع الاقتصادث يفرض على الحكومة ان تكون جادة في ملف استرداد تلك الاموال المهربة.
"مزاد العملة كارثة الكوارث"
من خلال مزاد العملة يبيع البنك المركزي العراقي يوميا بحدود 250 مليون دولار في مزاد العملة وهذه تعد "كارثة الكوارث"، بحسب عضو مجلس النواب العراقي فاضل الفتلاوي، الذي اشار الى انه "لا يطعن بهذه الاجراءات الحالية المتبعة من السلطات العراقية"، متسائلا: "من عام 2003 وحتى الان ما هو حجم الاموال التي تم تهريبها من العملة الصعبة الى خارج العراق؟".
وقال الفتلاوي لشبكة رووداو الاعلامية ان "الاموال التي هربت الى خارج العراق تقدر بحدود الـ 60% منها هي غسيل اموال وهذا امر معروف لدى الجميع، وتقدر الاموال المهربة بمليارات الدولارات والتي تم غسيلها بطرق ملتوية حتى لا يتم معرفة مصدر تلك الاموال، ناهيك عن الاموال المهربة بزمن النظام السابق ولم تعرف حتى الان اين ذهبت ولا مقدار تلك الاموال".
الفتلاوي أكد أنه "يجب ان تكون هناك إرادة حقيقة لاستعادة الاموال المهربة خارج العراق والتحقيق بهذه الاموال مهما كان مصدرها ومهما كانت الشخوص التي قامت بتهريب هذه الاموال"، مشيراً الى ان "العراق اليوم يعاني من سوء الخدمات، وان مزاد العملة له سبب مباشر في تفاقم الاوضاع الاقتصادية، الذي من خلاله يتم هدر الاموال في الاستيراد من الخارج".
وأردف انه "لابد لمجلس النواب من ان يشرع القوانين التي تساعد الحكومة باسترداد الاموال، ويجب ان تكون هناك ورش عمل للمختصيين والخبراء المهنيين بايجاد قانون قوي يضمن إسترجاع هذه الاموال"، مضيفا انه من "الضروري تفعيل قانون من اين لك هذا، وان تكون هناك حرمة للمال العراقي وصيانة للمال العام، فلا يمكن ان تكون اموال العراق بهذه الحالة، الاموال مبعثرة هنا وهناك، والعراق بلد لديه امكانات كثيرة وهائلة جدا، وكثير من الملفات تمر بتهريب الاموال، فيجب ان يكون هناك قرارات صارمة من مجلس النواب تطبق من الحكومة".
وكان رئيس الجمهورية برهم صالح قد أعلن في وقت سابق أن العراق خسر ومنذ عام 2003 وإلى اليوم أموالا طائلة مهربة إلى الخارج، جراء الفساد.
وقال صالح في كلمة وجهها إلى الشعب العراقي لمناسبة تقديم رئاسة الجمهورية مشروع قانون هو الأول من نوعه بعد سقوط النظام السابق إلى البرلمان العراقي لغرض تشريعه ويهدف إلى استرداد أموال العراق المنهوبة إن "مشروع القانون يتضمن خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد، ويتضمن دعم المؤسسات المالية والرقابية وتفعيل أدواتها"، وتابع أن "150 مليار دولار هربت من صفقات الفساد إلى الخارج منذ 2003".
ويعد العراق من البلدان الغنية جداً بما يملكه من موارد اولية وموارد بشرية، وهو الامر الذي اثار استغراب الفتلاوي "بوجود هذه الامكانات والعراق يتجه نحو الاستيراد"، مبيناً ان "المصانع موجودة مع كوادرها واجهزتها لكنها مغلقة، لا يمكن بأي شكلٍ من الاشكال استمرار هذه الاحوال، والعراق بلد الطاقة ونستوردها من بلدان العالم، وهذه المشاكل مستمرة، مع عدم وجود ارادة حقيقية تسبب بهدر اموال العراق وتهريبها الى الخارج".
ويرى عضو مجلس النواب انه "من الضروري إيجاد سلسلة إجراءات وقوانين حتى يتم غلق جميع الابواب امام المستفيدين من تهريب الاموال، فهناك مصارف ومراكز وهي المسيطرة على مزاد العملية وتقوم بتهريب الاموال، فلابد من توفر خطوات لسد الثغرات الموجودة في الاقتصاد العراقي"، منوهاً الى ان "على الحكومة ومجلس النواب دعم القطاعين الصناعي والزراعي في ظل توفر الامكانات الكبيرة، وهذا سيحقق منجزين كبيرين وهو القضاء على البطالة من خلال توفير فرص العمل للشباب العراقي المتذمر، وزيادة إيرادات الدولية لرفد خزينها المالي".
وانتهى الفتلاوي الى ان "قانون من اين لك هذا هو المفتاح الحقيقي لحماية المال العام"، موجهاً دعوة للمختصين للعمل في تقديم القوانين التي يمكن ان تشرع لحماية المال العام واسترداد الاموال المنهوبة والمسروقة.
"اموال منهوبة تحولت الى فلل واستثمارات"
وفي ذات السياق يشير عضو مجلس النواب العراقي كاظم الصيادي الى ان "الاموال العراقية المهربة الى الخارج تقدر بحدود 150 الى 350 مليار دولار"، مستدركاً انه "من الصعوبة بمكان اعادتها مرة اخرى، الا من خلال المتابعة مع الدول التي وصلت اليها تلك الاموال، لانه تم انشاء مشاريع استثمارية ومشاريع كبيرة جدا داخل بعض الدول عن طريق المسؤولين العراقين مزدوجي الجنسية".
واضاف لشبكة رووداو الإعلامية، أن "القضية الاخرى لو كانت فعلاً هناك إجراءات إستقصائية من الدولة العراقية على الكثير من العقارات التي تم شراؤها خارج العراق، كان من الممكن ان تسترد الكثير من الاموال"، موضحاً ان "هذه الاموال تحولت الى مشاريع فللٍ وشققٍ وبساتين ومصانع ومعامل واسهم في الشركات العالمية الكبرى"، معرباً عن اعتقاده ان "خروج ودخول هذه الاموال كان بالتعاون مع بعض الجهات المتنفذة داخل الدولة العراقية".
"كانت تخرج هذه الاموال من العراق لشراء مواد غذائية او مواد سلعية استهلاكية للدولة العراقية وتعود بمستندات مزورة، فعلى سبيل المثال تخرج الاموال بـ 200 مليون دولار لشراء سلعة، لكنها تعود بـ 75 مليون دولار بمستند مزور تكون فيه الاسعار غير حقيقية، والاموال المتبقية تهرب الى الخارج"، حسب عضو مجلس النواب كاظم الصيادي.
وفي تشرين الأول الماضي، أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تأسيس حلف دولي مالي، تحت مسمى "مجموعة الاتصال الاقتصادي"، يأخذ على عاقته مساعدة العراق استشارياً، في تجاوز أزمته الاقتصادية.
وتتشكل مجموعة الاقتصاد الدولي من مجموعة الدول الصناعية السبع وبعضوية صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ووزارة المالية العراقية والبنك المركزي العراقي واللجنة المالية.
ومن ضمن مهام صندوق "مجموعة الاتصال الاقتصادي" مساعدة العراق على استرداد الأموال المهربة.
"التخادم السياسي افشل إعادة الاموال"
على هذا النحو يرى الاكاديمي إحسان الشمري ان "استعادة الاموال تتم اولاً من خلال دائرة الاسترداد في هيئة النزاهة، وعلى ما يبدو ان هذه الدائرة غير فاعلة في عملية الاسترداد، نتيجة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، او حتى الاموال التي هي اموال عراقية في البنوك العالمية وباسماء ازلام النظام السابق او تابعة للدولة العراقية".
ويؤكد الشمري لشبكة رووداو الاعلامية ان "اغلب الحكومات فشلت ومن ضمنها هيئة النزاهة في استرداد الاموال، لذا ان استعادتها يتطلب ايضا الانطلاق لعقد اتفاقيات ثنائية بين العراق من جهة والدول التي تتواجد فيها هذه الاموال من جهة اخرى"، مردفاً أنه "اذا فشلت هذه الاتفاقيات الثنائية، فيمكن للعراق تفعيل دور الامم المتحدة خصوصاً انه موقع على اتفاقيات مكافحة الفساد في عام 2007، لكنها عطلت من قبل الحكومات السابقة وذلك نتيجة تورط اغلبها في قضايا الفساد وفي عمليات التهريب".
ويضيف أنه "من الممكن تجميد الاصول المالية للمشتبه بهم في قضايا فساد وبالتالي وضعهم في تحقيقات قضائية ومن ثم معرفة من اين هذه الاموال لكي يتاح للحكومة العراقية استعادتها".
ويقول الشمري ان "اكثر من 150 مليار دولار مثلما اشار الى ذلك رئيس الجمهورية برهم صالح، وهي اموال مهربة من قبل هذه الطبقة السياسية والحكومات والمسؤولين وهذا المبلغ ليس بالقليل وخصوصا اذا ماعلمنا ان العراق يعيش ازمة اقتصادية ومالية يتطلب الحصول عل كل هذه الاموال".
الشمري يعتقد ايضا ان "الاموال المهربة تفوق الرقم الذي ذكره رئيس الجمهورية، خصوصا وان جزءاً كبيراً من عمليات التحويل كانت عبارة عن اصول عقارية استثمارية واسهم في شركات خارجية، لذا فأن الموضوع لا يرتبط فقط في عملية تهريب الاموال بقدر ما يرتبط الموضوع بالفساد الذي استمر لما يقارب 18 سنة".
وختم الشمري حديثه ان "تشريع قانون مهم جدا، لاسيما القانون الذي دفع به رئيس الجمهورية في قضية استرداد الاموال، لكن التخادم بين الفاسدين يمنع اي ملاحقة لجهةٍ سياسية او تشريع قانون يمكن من خلالها استرداد هذه الاموال، فضلا عن ان اموال النظام السابق قد تقاسمتها القوى والاحزاب السياسية التي جاءت بعد عام 2003".
ولا يُعرف رقم حقيقي لحجم الأموال، إذ تتضارب الأرقام الحكومية والشعبية حول حقيقة تلك الأموال التي استنزفت ثروات البلاد.
وبينما قدرتها لجنة النزاهة البرلمانية بنحو 340 مليار دولار، قال آخرون في مواقع حكومية إنها تتجاوز 500 مليار دولار.
وتتوزع تلك الأموال ما بين عهدين ضمن حقب زمنية مختلفة، حيث يقع منها ما قبل 2003، خلال نظام صدام حسين، وهي مرصودة بأسماء شخصيات وعناوين مسؤولة في الدولة، فيما يمثل الجانب الأكبر منها ما بعد ذلك التاريخ والتي تقدر بنحو 360 مليار دولار.
كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قد تعهد في وقت سابق قبل تسنمه منصب رئاسة الوزراء بالسعي لاسترداد تلك الأموال، فيما رأت مصادر حكومية صعوبة ذلك في الفترة القريبة.
وهدفت بغداد من خلال تعديل قانون استرداد الأموال المهربة، في نهاية الشهر الماضي، إلى السعي بشكل آخر لعودة الأموال الهائلة خارج البلاد.
ويقضي التعديل الأخير للقانون، بحسب إسماعيل الحديدي، مستشار رئيس الجمهورية، بأن يتم تكليف شركات عالمية متخصصة في استرداد الأموال مقابل "أجر"، والتأكيد على ضرورة الحصول على دعم دولي لتعزيز تلك الجهود.
647 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع