عروض الشهادات تجذب طلاب العراق إلى الخارج

            

العربي الجديد- بغداد /زيد سالم:سُجّل في الأعوام الأخيرة توجّه لافت بين خرّيجي الجامعات العراقية الحاصلين على إجازات، إلى إكمال دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعات دول أخرى، أبرزها إيران ولبنان ومصر والأردن واليونان وروسيا والهند. ولعلّ الدافع الرئيس لذلك هو السعي إلى الحصول على وظيفة حكومية في البلاد أو رفع قيمة الرواتب التي يتقاضونها حالياً.

وما سهّل ذلك هو سهولة القبول في تلك الدول وكذلك تكاليف الدراسة فيها. وقد زاد هذا التوجه مع زيادة العروض التي تقدمها تلك الدول لطلاب العراق، من خلال خفض الأسعار وتذليل كثيرٍ من العقبات، منها السفر والاعتماد على المحاضرات الإلكترونية عن بُعد أو الدراسة أونلاين. وهؤلاء الشباب العراقيون الذين يتوجّهون إلى تلك البلدان لاستكمال دراستهم، يحصلون في وقتٍ قياسي على شهادتهم العليا لينضموا إلى قائمة العاطلين من العمل في العراق والباحثين عن فرص للتدريس في جامعات أهلية أو عقود مع جامعات حكومية، في حين تواصل السلطات العراقية اعترافها بشهادات الجامعات الحديثة في تلك البلدان، حتى مع تحوّلها إلى ما يشبه ماكينة ربحية من دون غايات تعليمية.

وتتنافس جامعات عديدة في لبنان والهند وإيران وروسيا على خفض الأسعار للطلاب العراقيين. وقد وصل الأمر بجامعات حديثة في مدن قم وطهران ومشهد الإيرانية إلى منح شهادة الماجستير لقاء مبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي فقط وخمسة آلاف لشهادة الدكتوراه، فيما لا تمانع بعض الجامعات الإيرانية من عدم حضور الطلاب إلى الحرم الجامعي، لكنّها تلزمهم بالحضور الإلكتروني. بالتالي، فإنّ الطالب العراقي لا يسافر إلى إيران سوى مرة واحدة، وهي في يوم مناقشة رسالة الماجستير. أمّا بقية تفاصيل الدراسة والأمور المالية واللوجستية، فتتمّ عبر مكاتب تعقيب في العراق. وتنتشر هذه المكاتب التي تفتح الأبواب أمام العراقيين لنيل الشهادات العليا، خصوصاً في حيّ المنصور وسط بغداد، وتقدّم العروض المختلفة، وقد تعمد كذلك إلى خفض التكاليف في بعض الأحيان. يشير كريم وهو واحد من هؤلاء الطلاب، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "ثمّة مكاتب لا تلتزم بتسعيرة محددة، فالأمر مرتبط بعدد الطلاب الذين يستطيع المكتب استقطابهم".

أيمن شاب عراقي تخرّج قبل أربعة أعوام من كلية الإعلام في جامعة بغداد، يخبر "العربي الجديد" أنّ "عدم الحصول على تعيين في إحدى دوائر الدولة وغياب فرص العمل في المؤسسات الإعلامية التي تعاني مشكلات مادية، دفعني إلى الدراسة في الخارج بعدما تكفّل والدي سداد التكاليف". يضيف أنّه اختار الهند، "لكنّني تركتها بعد ستة أشهر من سفري بسبب صعوبة العيش فيها وعدم الانسجام مع أهلها، بالإضافة إلى أنّ الدراسة كانت باللغة الإنجليزية. وبالتالي، اخترت اللجوء إلى إيران". ويتابع أن "الدراسة تجري منذ عام كامل عبر تطبيقات زوم وغوغل مييت، فيتواصل الأساتذة مع الطلاب كل أسبوع ويوزّعون عليهم ملفات لمطالعتها من دون إجراء اختبارات"، لافتاً إلى أنّ "الطلاب بمعظمهم موظفون في الدولة العراقية ويسعون إلى تحسين ظروف عملهم أو الانتقال من منصب إلى آخر عبر الحصول على شهادة عليا".

من جهتها، تخبر أميرة من بغداد أنّها قُبلت أخيراً في إحدى جامعات مدينة قُم الإيرانية لدراسة الماجستير في القانون الجنائي. وتشرح لـ"العربي الجديد" أنّ الأمر تمّ "من خلال أحد المكاتب التي تعمل على توفير المنح والمقاعد الدراسية في الخارج. وقد تمكّنت من الحصول على مقعد في كلية تأسّست قبل خمس سنوات، لقاء ثلاثة آلاف دولار فقط. وقد حصلت هذه الكلية على اعتراف وزارة التعليم العراقية، بالتالي فإنّ معادلة شهاداتها في العراق بات أمراً طبيعياً". تضيف "دفعت ألف دولار عندما حصلت على تأكيد قبولي الأولي، وسوف أدفع ألفاً آخر عند الانتهاء من المعاملات، فيما الألف الثالث عقب الامتحانات النهائية للسنة التحضيرية".

في سياق متصل، يرى عضو البرلمان العراقي المستقل باسم خشان أنّ "هذه فرص للحصول على ألقاب عملية، تكاد تكون بالمجان"، لافتاً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "العراق في حاجة إلى الانفتاح على دول الجوار والعالم وتبادل الثقافات والخبرات التعليمية، إنّما ليس بالطريقة التجارية التي تجري الآن". يضيف خشان أنّ "إيران تمرّ بأزمة مالية كبيرة، وقد أسست في الفترة الأخيرة جامعات تعمل على منح شهادات عليا معترف بها في العراق لقاء مبالغ تكاد تكون أقلّ من ربع ما تطلبه الجامعات العراقية لمنح الشهادة نفسها. وبالتالي، فإنّ العملية باتت ربحية ويقودها سماسرة، بعضهم أفراد مقربون من أحزاب سياسية نافذة تسعى إلى الاستفادة بالدرجة الأولى وجعل إيران وغيرها من الدول تستفيد أيضاً. فتتكدس الشهادات في العراق مع عدم وجود فرص عمل لائقة لحامليها".

أمّا أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ملف الدراسات العليا في خارج العراق في حاجة إلى إعادة نظر من قبل لجنة تتمتع بصلاحيات كبيرة ولا تخضع سياسياً ولا تتعاطف مع كتل برلمانية لها نفوذ، لأنّ هذا الملف أساء كثيراً إلى الشهادات العليا الحقيقية وأفقدها جدواها. فلم تعد للشهادة العليا قيمة معنوية، بعدما صار من الممكن الحصول عليها بسهولة". يضيف أنّ "سهولة الدراسة في الخارج بلغت مرحلة بالغة الخطورة، لا سيّما بعدما رفعت بعض الجامعات في الخارج شرط الإقامة للطالب، وصار من الممكن الاعتراف بالشهادة حتى لو كان الطالب في بلده الأصلي".

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع