حرب الأعلام تضع كركوك على صفيح ساخن.. مدينة النفط لمن؟

             

بغداد - الخليج أونلاين (خاص):برفع علم إقليم كردستان إلى جانب العلم العراقي، فوق الدوائر الحكومية في كركوك (شمالي البلاد)، يكون العراق قد دخل مرحلة صراعات جديدة، تلي مرحلة تنظيم الدولة، في حال انتهى من القضاء عليه كلياً في المعركة الدائرة بآخر أهم معاقل التنظيم، في الموصل (شمال).

مرحلة الصراعات المنتظرة، على ما يبدو، بحسب مراقبين، يكون طرفها الأبرز هم الأكراد، وعنوانها الأعلام، وغايتها السيطرة على مساحة من الأرض تصنف على أنها مناطق متنازع عليها.

و"المناطق المتنازع عليها" مصطلح أُقرَّ من أول مجلس حكم انتقالي في البلاد بعد غزو البلاد في 2003، وهو مصطلح دخيل لم يكن معروفاً قبل ذلك التاريخ، وجرى تضمينه في الدستور الذي كُتب عام 2005 تحت بند عُرف باسم "المناطق المتنازع عليها"، حمل الرقم 140.

ويستند القانون إلى أن الأنظمة المتعاقبة على حكم العراق، منذ العهد الملكي مطلع القرن الماضي، ولغاية نظام الرئيس الراحل صدام حسين، شنّت حملات تغيير ديموغرافي، على أسس قومية وطائفية، واستحدثت محافظات ودمجت أخرى واقتطعت من أخرى ومنحتها للثانية، ويجب الآن- بحسب حكومات وبرلمان ما بعد غزو البلاد- إعادة الأمور إلى ما كانت عليه.

ووفقاً للقانون فإن أهالي المناطق المشمولة به، عليهم المشاركة في استفتاء شعبي يوضح مدى رغبتهم في البقاء على وضعهم الحالي أو الانتقال إلى وضع جديد، إلا أن أي استفتاء لم يُنفذ، حتى الآن، لأسباب مختلفة، أبرزها أن قوى سياسية مستفيدةٌ من هذا التأجيل؛ لاستمرار حملات تهجير وطرد سكان تلك المناطق وإحلال آخرين مكانهم.

ومن أبرز المناطق التي شملها القانون 140، محافظة كركوك التي تضم نحو مليوني نسمة، وبخليط متنوع من العرب والأكراد والتركمان والآشوريين، فضلاً عن ديانات إسلامية ومسيحية وصابئية وإيزيدية وكاكائية وغيرها، وهي تمتلك احتياطات نفطية هائلة، وتعدها كردستان جزءاً من الإقليم، وتصفها بقدس الأكراد، في حين ترفض بغداد ذلك، وهي تتعرض لعمليات تغيير ديموغرافي مستمرة منذ سنوات.

لكن مجلس محافظة كركوك، وبتصويت 23 عضواً، أقر، الثلاثاء (28 مارس/آذار)، برفع علم كردستان على المباني الحكومية في المحافظة، برغم مقاطعة النواب العرب والتركمان التصويت، بعد مطالبة محافظ المدينة بالتصويت على قرار رفع العلم الكردستاني إلى جانب العلم العراقي فوق مباني المحافظة، وذلك في 22 مارس/آذار، مشدداً بالقول: "نحن مصرون على رفع علم إقليم كردستان في كركوك، وليس من حق دول الجوار التدخل في شؤون المحافظة الداخلية"، في إشارة إلى تركيا.

وكان الناطق باسم الخارجية التركية، حسين مفتي أوغلو، وصف هذه الخطوة بأنها "تمثل خطراً على السلام والاستقرار في العراق، وتضر بكركوك الغنية اقتصادياً، وبهويتها المتنوعة ثقافياً واجتماعياً".

والخطوة أيضاً وصفتها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" بأنها تهدد التعايش السلمي في كركوك، في حين أكد المتحدث باسم رئاسة الوزراء، سعد الحديثي، أن قرار رفع علم إقليم كردستان على الدوائر الحكومية في مدينة كركوك مخالف للدستور.

لكن السياسيين الأكراد يخالفون في تصريحاتهم الحديثي، فعضو كتلة التغيير الكردستانية، النائب مسعود حيدر رستم، يرى أن رفع العلم الكردستاني في كركوك تأخر كثيراً.

وقال رستم لـ "الخليج أونلاين" إنه كان من الواجب تطبيق المادة الدستورية "140" منذ وقت طويل، ومعالجة المناطق المتنازع عليها.

وأضاف عضو مجلس النواب العراقي، أن "مجلس محافظة كركوك هو من أقر برفع العلم، وفقاً للقانون".

وأشار إلى ما أثير حول كون التصويت جرى بالأغلبية، دون الأخذ بالحسبان المكون الآخر، بعد انسحاب كتلتي العرب والتركمان؛ لعدم موافقتهم على القرار، موضحاً أن "هناك ما يشبه هذا التصويت، وقد جرى في مجلس النواب العراقي عند التصويت على قانون الحشد الشعبي بالأغلبية الذي قاطعه مكونان ومُرر القانون".

ويؤكد أن "رفع العلم، وقضايا المناطق المتنازع عليها، تأخر حسمها. كان يفترض فعل ذلك من 2003 (غزو العراق وسقوط نظام صدام حسين)".

وتابع رستم: "لا ينبغي تضخيم الموضوع. يجب التركيز على حماية المكونات في كركوك وحفظ الأمن فيها".

ولفت الانتباه إلى وجود "تنسيق عالي المستوى بين قوات البيشمركة (الكردية) وقوات الحشد الشعبي (شيعية)، وتنسيق بين البيشمركة والقوات العراقية، وعملوا على استتباب الأمن في كركوك".

وحول وجود مناطق في كركوك، خاصة منطقة الحويجة، ما زالت تحت سيطرة تنظيم الدولة، قد يستغل التنظيم عدم الاتفاق بين الأطراف الحاكمة في كركوك، بسبب ما بدأ يثار من خلافات بعد قرار رفع العلم، فيعمد إلى شن هجمات مسلحة داخل المدينة، قال رستم: "باعتقادي إذا ما ترك السياسيون المزايدات السياسية، فسيتم تحرير الحويجة في مدة قياسية. أنا أعتقد أن العراق بحاجة إلى تفاهمات".

ويرى مراقبون أن كركوك مدينة الصراع القادم، ومن بين الذين يعتقدون بهذا الرأي مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية بالعراق وإيران ودول الخليج، إذ يشير إلى أن كركوك المرحلة المقبلة للصراع بعد القضاء على تنظيم الدولة في الموصل.

يقول مايكل نايتس، في مقالة له نشرها "معهد واشنطن" في فبراير/شباط 2015، إن كركوك اكتسبت رمزية سياسية على مدى السنوات الخمسين الماضية، بالقدر الذي تمثّل فيه الموصل مركزاً سياسياً واقتصادياً لكثير من سنّة العراق. وتتنافس الأحزاب السياسية الكردية على النفوذ في كركوك، وتهرع للدفاع عن المدينة كلما تعرضت لهجوم.

ويرى الخبير الأمريكي أن نفط كركوك أهم النقاط التي تشجع الأطراف في النزاع عليها، منبهاً أن هذه الأهمية قد تحول الخلاف إلى صراع على الأرض مع قوى مليشيات "الحشد الشعبي" الموجودة في كركوك وعلى أطرافها.

وبيَّن: "تشير هذه المخاطر الناشئة إلى التعقيدات المحتملة التي يمكن أن تشكل تحدياً لحكم العراق في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، وخاصة في مدينة الموصل التي يؤمل أن تكون محررة عندئذ"، لافتاً الانتباه إلى أنه "لا تكمن الأهمية النهائية لهجوم داعش في العراق في سيطرة التنظيم قصيرة المدى على المدن العراقية، بل في ظهور المليشيات العرقية الطائفية وقوات لامركزية انبثقت إثر فقدان سيطرة الحكومة على المناطق التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية".

وبرغم ميزاتها العديدة فإن أهم ميزة لكركوك أنها ذات اقتصاد كبير؛ بإنتاجها النفط، إذ تضم نحو 40% من نفط العراق في ستة حقول نفطية، أكبرها في مدينة كركوك نفسها، كما تحتوي على الغاز الطبيعي بنسبة 70% مما تنتجه البلاد من هذه المادة، هذا فضلاً عن كونها تمتاز بأرض زراعية خصبة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

973 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع