العرب/عواد علي:تمكنت ترجمة فريال غزول وجون فيرليندن لديوان “مجنون ليلى وأشعار مختارة” للشاعر البحريني قاسم حداد، من مراعاة السياق الثقافي والتاريخي الذي كُتبت من خلاله القصائد حينها، مع إظهار تميز أسلوب الشاعر.
وأوضحت غزول في مقدمتها مدى صعوبة ترجمة أي نص عربي إلى اللغة الإنكليزية، خاصة حين يتعلق الأمر بنصوص لشاعر يوظّف اللغة بكل حرية، ويعيد كتابة قصة معروفة من وجهة نظره الفريدة من نوعها، وبرؤية ما بعد حداثية، “إنها مهمة سيزيفية”.
وأكدت أن هذا التعاون بين باحثة عربية في الأدب المقارن وشاعر أميركي منغمس في الثقافة والأدب العربي، هو الاتجاه المستقبلي لترجمة كلاسيكيات الأدب.
ليست هذه الجائزة عن جهدها المتميز في الترجمة هي الأولى في حياة فريال غزّول، بل سبق أن فازت بجائزتين من الجامعة ذاتها، الأولى عن ترجمة “رباعية الفرح” للشاعر المصري محمد عفيفي مطر عام 1997، والثانية عن ترجمة ديوان قاسم حداد نفسه عام 2013. ومنذ حصولها على الجائزة الأولى، ترجمت غزّول، بالتعاون مع فيرليندن، رواية “راما والتنين” لإدوار الخراط، الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية عام 1999، التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة.
الترجمة نبض الحياة
تعبّر فريال غزّول عن رأيها بأهمية ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى قائلة إننا نعيش في ثقافة عالمية والترجمة أمر لا غنى عنه لرسم الخرائط الثقافية في عالمنا. لذا فإن وجود الأدب العربي في هذا المشهد العالمي يسهم في تقدير الثقافة النابضة بالحياة في منطقتنا. إن وسائل الإعلام الدولية كثيرا ما تعرض الجوانب السلبية عن منطقة الشرق الأوسط، لكن هناك إسهامات رائعة من قبل العرب المعاصرين التي تتعرض إلى التجاهل أو التهميش. وتلعب ترجمتها دورا في التفاهم الدولي، وتضيف إلى كنوز الأدب العالمي.
تنتمي فريال غزّول، المولودة في الموصل عام 1939، إلى أسرة موصلية معروفة، وهي ابنة التاجر جبوري غزّول، وتلقت تعليمها في العراق ولبنان وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
وحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا عام 1978 في الأدب المقارن عن أطروحتها المخصصة لدراسة شعرية (بويطيقا) ألف ليلة وليلة بإشراف إدوارد سعيد. وقد ناقشها كل من الناقدين ميشيل ريفاتير وتزيفتان تودوروف، ولم تطبع إلا سنة 1980 في القاهرة بالإنكليزية، وعدّها الناقد جابر عصفور إضافة بنيوية أخرى في قراءة التراث العربي القديم.
حاولت غزّول في أطروحتها هذه تقديم قراءة في شعرية ألف ليلة وليلة هدفها إنارة الظاهرة المراوغة التي تسمى بالأدب لفهم ما أسماه ياكوبسون بـ“أدبية الأدب”، أي الخاصية التي تجعل من حديث ما أدبا، وذلك من خلال تجريد الخط الأساسي للقصة الإطارية (قصة شهريار وشهرزاد)، وتقسيمها إلى أربعة أقسام، مسجّلة أن سمتها الأساسية هي الثنائية، فكلا الأخوين؛ شهريار وشاه زمان، مثلا، ملك يحكم مملكته في سعادة بالغة، ويمر بتجربة مريرة. ولذا يمكن القول إنهما بمثابة الصوت والصدى.
وكذلك تتمثل هذه الثنائية في علاقة شهرزاد بأختها دنيازاد. ثم تذكر المؤلفة أشكالا مختلفة للثنائية، وتربط بينها وبين بعض الظواهر اللغوية، فالتزاوج بين الشخصيات يشبه الترادف. أما على مستوى أحداث القصة فإنه يصبح تكرارا. وتتناول المؤلفة في الفصل الثالث ما تسميه بالشفرات الثلاث للقصة الإطارية، وتتناول في الفصول اللاحقة ديناميات السرد القصصي الدائم.
كتبت فريال غزول كتابا آخر عن ألف ليلة وليلة باللغة الإنكليزية عنوانه “ألف ليلة وليلة: تحليل بنيوي” (1980) صدر عن الجامعة الأميركية في القاهرة، ولها أيضا مجموعة كتب وبحوث كثيرة بالعربية والإنكليزية والفرنسية، إضافة إلى دراسات في نظريات النقد، وعن ابن خلدون، وإخوان الصفا، وشكسبير، وأونجاريتي، وفلوبير، ولطيفة الزيات، وسلوى بكر، ومقالات نقدية عن عدد من الروايات العربية.
لم يقتصر نشاط غزول في الترجمة على ما ذكرناه آنفا، بل ترجمت أيضا إلى الإنكليزية قصائد لنازك الملائكة، فدوى طوقان، جبرا جبرا، سامي مهدي، أدونيس، محمود درويش، أمل دنقل، مريد البرغوثي، إبراهيم نصرالله، عبدالمنعم رمضان، أنطون شماس، ومقالات لإبراهيم الكوني، سعدي يوسف، أحلام مستغانمي، وعبده وازن. كما ترجمت إلى العربية كتاب “النظرية النقدية” لمجموعة نقاد منهم: إدوارد سعيد، لوي ألتوسير، بول ريكور، تشارلز ساندرز بيرس، ومايكل ريفاتير، وقصصا قصيرة للكاتبة الهندية أنيتا ديساي. وترجمت عن الفرنسية مجموعة دراسات عن فلوبير، شهرزاد ما بعد الحداثة، والرواية العراقية القصيرة.
تُعد فريال غزّول من أوائل الكتّاب الذين عرّفوا بجهود إدوارد سعيد النقدية للقرّاء العرب حين نشرت مقالة عن كتابه “العالم والنص والناقد” في مجلة فصول المصرية عام 1983، قبل ترجمته بسبعة عشر عاما، وبعد ترجمة كمال أبوديب لكتابه “الاستشراق” بعامين. ثم كتبت عنه عام 2003 مقالة بعنوان “إدوارد سعيد نموذجا” بدأتها بقولها: عرفت إدوارد سعيد أستاذا منذ أوائل السبعينات عندما التحقت في قسم الدراسات العليا في جامعة كولومبيا في نيويورك. كان محاضرا مبهرا يجمع بين المعرفة الموسوعية والعمق الفكري والرؤية الإنسانية.
وقد شكل سعيد في مجال النقد والتنظير ظاهرة نادرة، حيث التحم عنده اتجاهان في النقد الأدبي “أحدهما يبرز البعد الجمالي والإستيطيقي في الأدب والفن، والآخر يلح على البعد الاجتماعي والإنساني في الإبداع، ولم يكن هذا التلاحم بين هذين الخطين توفيقا أو تلفيقا، مجاورة أو ممازجة، وإنما نبع من رؤية فلسفية لا تقوم بفصل قسري بين ما هو جميل في النص وما هو جميل في الحياة”.
وختمتها قائلة “ليبقى إدوارد سعيد ذخرا ونبراسا في هذا الليل العربي الطويل ولنتعلم منه ألاّ نُلبس الحق بالباطل وأن ننتظر الفجر، لا بالصبر فحسب، بل بالعمل المتواصل، المدروس والهادف، كما كان إدوارد سعيد يؤمن إيمانا لا يرقى الشك إليه. نقول لتربته مستعينين بصورة مجازية من تراثنا الشعري: جادك الطل والغيث!”.
في تحليلها لرواية عالية ممدوح “المحبوبات” تقول فريال غزّول “إن الرسالة الروائيـة في رواية المحبوبات رسـالة ذات بـعد وجـودي عـن إمكـان تجاوز المحـن فـي عــالم بشـع ومـوجع، عـن إمكـان استعـادة البشر لإنسـانيتهم. وتصرّ على إمكـان الصمود والمقاومة أمام قوى ساحقة وموت معنوي”.
وفي دراستها للرواية الصوفيّة في الأدب المغاربي تقول عن رواية “بعيدا عن المدينة” لآسيا جبار “نص يعيد تأثيث صفحات التاريخ الإسلامي بأن يجعل من الهامشي في كتب المؤرخين مركزا فاعلا ومحركا لما حوله، وذلك بالاستناد إلى رؤية أو منظور مغاير، بذلك يتم تفعيل الاجتهاد الذي تمّ تعطيله منذ القرون الأولى، فآسيا جبار تجاهد مجاهدة الصوفي لتستكمل ما خفي من خلال استقراء وتأويل الآثار المكتوبة مع شحذ قدراتها الحدسيّة لتجسيد فجر الإسلام”.
من مشاريع غزّول المقبلة في الترجمة، ترجمة أشعار مختارة لأبي نؤاس، وهو مشروع تأمل أن يحظى بتقدير من عشاق الشعر في العالم أيضا، وليس من القرّاء العرب فحسب، فهو رغم كونه شاعرا كلاسيكيا عاش قبل ما يزيد على ألف سنة، يمتاز برؤية سابقة لأوانها، مما سيكون بمثابة تحدّ ومتعة في الـوقت نفسه لتقـديم أشعاره باللغة الإنكليزية.
820 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع