الحرب السيبرانية من صراع الظل إلى المواجهة المفتوحة

علاء الدين حسين مكي خماس


الحرب السيبرانية من صراع الظل إلى المواجهة المفتوحة

1. مقدمة تعريفية: ما هي الحرب السيبرانية؟

آ. الحرب السيبرانية هي شكل جديد من أشكال الصراع، لا تُخاض فيه المعارك بالسلاح التقليدي، بل بالبرمجيات والهجمات الرقمية. إنها صراع يدور في الفضاء الإلكتروني (Cyberspace)، حيث تُستخدم أدوات رقمية لاختراق أو تعطيل أو التأثير على بنى تحتية حيوية، أنظمة حكومية، أو حتى مجتمعات بأكملها. ليست الحرب السيبرانية مجرد قرصنة عابرة أو سرقة بيانات. بل هي أداة سياسية وعسكرية بامتياز، تُستخدم لتحقيق أهداف استراتيجية: شلّ دولة، إضعاف خصم، تحطيم معنويات شعب، أو حتى فرض توازنات جديدة بدون إطلاق رصاصة واحدة.
ب . الفرق بين الحروب التقليدية والحروب الرقمية
في الحروب التقليدية، هناك جيوش، أسلحة، حدود، وخرائط. أما في الحروب الرقمية، فكل شيء غير مرئي:
- العدو قد لا يُعرف، أو لا يعترف به.
- لا توجد حدود جغرافية تُحترم.
- المعركة قد تبدأ وتنتهي دون أن يسمع بها أحد.
والأهم:
- في الحرب التقليدية، الدمار يُقاس بالضحايا والبنى المدمّرة.
- أما في الحرب السيبرانية، فالأثر قد يكون اقتصاديًا، نفسياً، أو سياسيًا، ويمتد لسنوات.
فهي حرب بلا مدفعية، لكنها لا تقل خطرًا أو تعقيدًا عن أي معركة تقليدية.
ج . تأثير الفضاء السيبراني على مفاهيم الردع والسيادة
الفضاء السيبراني غيّر جذريًا طبيعة الردع. في الماضي، كانت الدول تعتمد على التهديد بالرد نووي
أو العسكري لردع أعدائها. اليوم، لم يعد الردع مرئيًا وواضحًا.
- هل تستطيع الدولة أن ترد على خصم لا تعرفه؟
- كيف ترد على هجوم سيبراني إذا لم تتأكد من الجهة المنفذة؟
- هل ستغامر بالتصعيد بناءً على "شكوك رقمية"؟
السيادة نفسها لم تعد ترتبط فقط بالأرض والجو والبحر، بل أصبحت تشمل أيضًا المجال الرقمي.
ومن يفقد السيطرة على فضائه السيبراني، يُعد كمن خسر جزءًا من سيادته الوطنية.
لقد أصبح الدفاع السيبراني اليوم جزءًا لا يتجزأ من أمن الدولة القومي، وأحد أعمدة توازن الردع في القرن الحادي والعشرين.

2. أصول الحرب السيبرانية وتطورها
الحرب السيبرانية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تطور طويل رافق دخول العالم في عصر المعلومات والرقمنة. منذ أن بدأت شبكات الحواسيب بالتوسع والارتباط عبر الإنترنت، أصبحت ساحة جديدة للنزاع والتجسس والتخريب.
البدايات الأولى: ما بعد الحرب الباردة
خلال تسعينيات القرن الماضي، بدأ يظهر لأول مرة مصطلح "عمليات المعلومات" في الجيوش الكبرى، خصوصًا في الولايات المتحدة. بدأت الاستخبارات والمؤسسات العسكرية تدرك أن السيطرة على المعلومات الرقمية قد توازي أهمية السيطرة على الأرض. تم تطوير أدوات لجمع المعلومات، اختراق الأنظمة، والتأثير على الخصوم عبر وسائل غير تقليدية.
نقطة التحول الكبرى: Stuxnet
في عام 2010، اكتُشف فيروس "ستوكسنت" (Stuxnet)، الذي استهدف منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية في نطنز. يُعتقد أن هذا الهجوم كان من تنفيذ الولايات المتحدة وإسرائيل بالتعاون، وهو أول مثال موثق على سلاح سيبراني صُمم خصيصًا لتدمير بنية تحتية فيزيائية.
هذه العملية غيّرت قواعد اللعبة تمامًا. لم يعد الهجوم السيبراني مقتصرًا على سرقة البيانات أو إغلاق المواقع، بل أصبح سلاحًا قادرًا على التدمير الفعلي.
روسيا وأوكرانيا: صراع سيبراني مكشوف
منذ 2014، ومع احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، تصاعدت الحرب السيبرانية بين روسيا وأوكرانيا بشكل غير مسبوق. تعرضت شبكات الكهرباء والبنوك ووسائل الإعلام الأوكرانية لهجمات متكررة، أدت في بعض الأحيان إلى شلل تام.
في عام 2022 و2023، ومع توسع الحرب العسكرية، اشتعلت أيضًا الجبهة السيبرانية. استخدمت روسيا أدوات مثل فيروس "NotPetya"، فيما استعانت أوكرانيا بدعم غربي تقني كبير، وبمجموعات هاكرز متطوعين من أنحاء العالم.
الصين وأميركا: سباق صامت على الهيمنة الرقمية
الصين طورت بدورها قدرات متقدمة في التجسس السيبراني، استهدفت بها مؤسسات صناعية وأكاديمية وعسكرية أميركية. الولايات المتحدة اتهمت مرارًا مجموعات صينية بتنفيذ عمليات قرصنة واسعة، مثل سرقة ملفات ملايين الموظفين الفيدراليين الأميركيين من مكتب شؤون الموظفين (OPM) عام 2015.
في المقابل، طورت أميركا قدرات هجومية كبيرة عبر "القيادة السيبرانية" (U.S. Cyber Command)، ووضع البنتاغون الحرب السيبرانية ضمن بنود عقيدته الدفاعية الرسمية.
من الدفاع إلى الهجوم: تحوّل استراتيجي
في البداية، كانت معظم الدول تبني قدراتها السيبرانية لأغراض دفاعية: حماية البيانات، تأمين الشبكات، منع الاختراقات. لكن خلال العقدين الأخيرين، تحولت الاستراتيجية إلى الهجوم المسبق، أو ما يُعرف بـ"الردع النشط".
اليوم، معظم الجيوش الكبرى تملك "وحدات سيبرانية قتالية"، تنفذ عمليات هجومية استباقية، وتقوم بالتخريب الرقمي داخل شبكات العدو، قبل وقوع الحرب الفعلية.

3. اللاعبون الرئيسيون في الفضاء السيبراني
لم يعد الفضاء السيبراني حكرًا على الدول العظمى، بل أصبح ساحة مزدحمة باللاعبين من مختلف المستويات: دول قومية، قوى إقليمية، جماعات غير حكومية، وأحيانًا حتى أفراد. لكل طرف أهدافه، أدواته، وتكتيكاته في هذه الحرب غير التقليدية.
آ. الدول الكبرى:
- الولايات المتحدة الأمريكية
تُعد القوة السيبرانية الأكثر تطورًا في العالم، من خلال "القيادة السيبرانية الأميركية" (U.S. Cyber Command) التي تأسست عام 2009. تتبع استراتيجيات هجومية نشطة، وتملك أدوات متطورة للرصد والتدخل. لديها تحالفات استخبارية مع دول مثل بريطانيا وأستراليا (تحالف العيون الخمس).
- روسيا
تُركز على الهجمات المدمجة بالتضليل الإعلامي، وتستخدم الحرب السيبرانية كجزء من عقيدتها في الحرب الهجينة. اشتهرت باستخدام مجموعات مثل "APT28" و"Sandworm" لضرب بنوك وشبكات كهرباء في أوكرانيا، والتدخل في الانتخابات الغربية.
- الصين
تعتمد أسلوب "القرصنة الاستراتيجية"، وتركز على سرقة الأسرار الصناعية والتجارية. تمتلك وحدات خاصة ضمن "جيش التحرير الشعبي"، مثل "الوحدة 61398"، مسؤولة عن جمع بيانات من شركات ومؤسسات أكاديمية حول العالم.

ب. القوى الإقليمية الفعالة:
- إيران
طورت منذ 2011 قدرات هجومية فعالة، خاصة بعد الهجوم عليها بـ Stuxnet. من أبرز أدواتها: "Charming Kitten" و"APT33"، وقد استهدفت شركات طاقة، مطارات، ومستشفيات خليجية، إضافة إلى هجمات على البنية التحتية الإسرائيلية.
- إسرائيل
واحدة من أكثر الدول تقدمًا في المجال السيبراني، خصوصًا من خلال وحدات مثل "8200". تتبنى استراتيجية الهجوم الاستباقي، ونفذت عمليات معقدة مثل Stuxnet، واستهدفت بنى تحتية في إيران، سوريا، ولبنان.
- كوريا الشمالية
على الرغم من وضعها الاقتصادي، طورت قدرات سيبرانية عالية من خلال مجموعة "Lazarus". نفذت هجمات مالية، مثل قرصنة البنك المركزي البنغالي، وسرقة عملات رقمية لدعم الاقتصاد المعزول.
ج. الفاعلون غير الدولتيين:
- مجموعات القرصنة المنظمة
مثل مجموعة "REvil" و"DarkSide"، التي تنفذ هجمات طلب فدية (Ransomware) مقابل المال. بعضها يعمل باستقلال، والبعض الآخر يتعاون مع حكومات في صفقات غير رسمية.
- الهاكتفيزم (Hacktivism)
ناشطون رقميون ينفذون هجمات لتحقيق أهداف سياسية أو أخلاقية. مجموعة "Anonymous" مثال واضح، إذ تدخلت في أزمات دولية، مثل الحرب في أوكرانيا، لدعم الطرف الأوكراني رقميًا.
- الشركات الخاصة
مثل شركة "NSO Group" الإسرائيلية التي طورت برنامج "بيغاسوس" (Pegasus) للتجسس على الهواتف، والذي استُخدم ضد نشطاء وصحفيين في أنحاء العالم. هذه الشركات تلعب دورًا خطيرًا في نقل التكنولوجيا بين الدول والمؤسسات، أحيانًا خارج الأطر القانونية.

4. الأساليب والأدوات المستخدمة في الحرب السيبرانية
الحرب السيبرانية ليست مجرد اختراق كلمات مرور أو زرع فيروسات بسيطة. إنها مجال معقد ومتعدد الطبقات، يتضمن أدوات وأساليب دقيقة تستهدف البنى التحتية، والمعنويات، وحتى إدراك الواقع. فيما يلي أبرز ما يُستخدم في هذا النوع من الحروب:
آ. البرمجيات الخبيثة (Malware):
- الفيروسات (Viruses) والديدان (Worms) وبرمجيات المسح (Wipers) تُستخدم لتدمير البيانات أو شلّ الأنظمة، كما حدث في هجوم Shamoon على منشآت أرامكو عام 2012.
- Stuxnet هو المثال الأشهر: برنامج متطور زرع في منشأة نطنز النووية الإيرانية، وأعطب مئات أجهزة الطرد المركزي دون إطلاق رصاصة واحدة.
ب. هجمات الحرمان من الخدمة (DDoS):
- تُستخدم لإغراق الخوادم بكميات هائلة من البيانات حتى تنهار. استُخدمت هذه التقنية في هجمات روسية على إستونيا 2007 وجورجيا 2008، وتسببت بشلل شبه كامل للمؤسسات الرسمية.
ج. اختراق البنى التحتية الحيوية:
• تستهدف الكهرباء، المياه، الاتصالات، البنوك، ووسائل النقل. مثال على ذلك: هجوم 2015 على شبكة الكهرباء الأوكرانية، الذي أدخل آلاف المنازل في الظلام.
- في سياق التصعيد بين إيران وإسرائيل، جرت محاولات لاختراق أنظمة المياه والمرافئ من كلا الطرفين.

د. التضليل الرقمي والهندسة الاجتماعية:
- تشمل نشر أخبار كاذبة، استخدام حسابات وهمية، والتلاعب بالمعلومات. تستخدم لتشويه صورة الخصم أو التأثير على الرأي العام.
- تنتشر هذه الأساليب في الحملات الانتخابية، كما فعلت روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016، وكما تفعل إيران وإسرائيل إعلاميًا خلال التصعيدات.
هـ. الفيديوهات المفبركة (Deepfakes):
- تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُنتج فيديوهات مزيفة شديدة الإقناع، يمكن استخدامها لتشويه سمعة قادة سياسيين أو إثارة الفوضى.
- رُصدت محاولات إيرانية وإسرائيلية لتوظيف هذه التقنية في أطر دعائية.
و. الذكاء الاصطناعي (AI) والهجمات المؤتمتة:
- تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الثغرات الأمنية بشكل أسرع، وتنفيذ هجمات دون تدخل بشري.
- الذكاء الاصطناعي يُستخدم أيضًا في الدفاعات، مثل أنظمة كشف التسلل (IDS) الذكية التي تتعلم وتتكيف.
ز.الطائرات المسيّرة (الدرونات) المربوطة بالحرب السيبرانية:
- يمكن دمج الدرونات مع أدوات الحرب الرقمية، لتصبح منصات هجوم ذكية توجهها بيانات مباشرة من وحدات الاختراق.
- في هجمات 2024–2025 بين إيران وإسرائيل، جرى استخدام درونات هجومية مرافقة لهجمات سيبرانية تستهدف الدفاعات الإلكترونية في آنٍ واحد.

5. إسرائيل وإيران: دراسة حالة
تُعد المواجهة السيبرانية بين إيران وإسرائيل واحدة من أكثر النزاعات الإلكترونية تعقيدًا في العالم، حيث بات هذا المجال يشكل ساحة صراع موازية للعمليات العسكرية التقليدية، وأحيانًا يتقدم عليها. وقد تطورت هذه المواجهة من أعمال تجسس إلكتروني إلى هجمات تخريبية موجهة ضد البنى التحتية الحيوية. فيما يلي أبرز ملامح هذه الحرب المستمرة:
أولًا: القدرات السيبرانية الإسرائيلية
- إسرائيل تُعتبر من أبرز القوى السيبرانية عالميًا، وتحتل موقعًا متقدمًا في تصنيف الدول المبتكرة في أمن المعلومات والهجوم الرقمي.
- تقود وحدة الاستخبارات العسكرية 8200 معظم العمليات، وتُعرف بكونها "المدرسة العليا" لخبراء التكنولوجيا الإسرائيلية.
- تعتمد إسرائيل على شركات ناشئة متقدمة في الأمن السيبراني، وتقوم بتصدير التكنولوجيا السيبرانية إلى دول كثيرة.
- هجوماتها لا تقتصر على الردع، بل تشمل الإجهاض المسبق للتهديدات، وهو ما يُعرف بـ"الهجوم الوقائي السيبراني".
ثانيًا: القدرات السيبرانية الإيرانية
- طورت إيران قدراتها الرقمية كرد فعل على العقوبات وهجمات Stuxnet، فأنشأت وحدات سيبرانية داخل الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات.
- تعتمد إيران على ميليشيات رقمية تعمل تحت أسماء وهمية مثل APT33 وCharming Kitten، وتقوم بتنفيذ هجمات عابرة للحدود.
- ركزت إيران على عمليات التجسس وسرقة البيانات، لكنها انتقلت لاحقًا إلى هجمات تخريبية ذات طابع استراتيجي.
- استفادت إيران من دعم تقني صيني وروسي غير مباشر، ومن تدريب عناصر في دول مثل كوريا الشمالية.
ثالثًا: محطات رئيسية في الصراع
- Stuxnet (2010) ضربة مركبة أميركية–إسرائيلية استهدفت منشأة نطنز النووية، واعتُبرت نقطة تحول في تاريخ الحرب السيبرانية.
- 2019–2021شنّت إسرائيل هجمات على منظومات المرافئ الإيرانية، وخدمات السكك الحديدية، وأنظمة الوقود، ما تسبب بفوضى في الحياة المدنية.
- الهجمات الإيرانية المضادة: استهدفت مؤسسات مالية وصحية وتعليمية في إسرائيل، منها جامعة بار إيلان ومستشفى رمبام، إضافة إلى مواقع إعلامية كـ"جيروزاليم بوست".
رابعًا: التصعيد في 2024–2025
- خلال المواجهة العسكرية المفتوحة الأخيرة، ترافقت الهجمات السيبرانية مع هجمات بالطائرات المسيّرة.
- الهجمات الإسرائيلية سبقت الضربات الجوية، واستهدفت أنظمة القيادة والسيطرة الإيرانية، ما أربك الرد الإيراني.
- بالمقابل، نفذت وحدات إيرانية اختراقات لبرمجيات الملاحة والتحكم في الدرونات الهجومية، كما جرى تشويش على أقمار الاتصالات.
- ما يُلاحظ أن الصراع بات متزامنًا ومتعدد الأبعاد: حرب على الأرض، في الجو، وفي الفضاء السيبراني بنفس اللحظة.
خامسًا: دروس وعِبَر
- في الحروب المستقبلية، سيتوقف الكثير على من يسيطر على المعلومة، لا على من يملك السلاح الأكبر.
- الحرب السيبرانية أتاحت لإيران تجاوز بعض جوانب التفوق العسكري الإسرائيلي.
- إسرائيل تستفيد من البنية التكنولوجية والتعاون الدولي، لكن الهجمات الإيرانية تزداد تطورًا واستهدافًا.
- الطرفان يستخدمان هذا النوع من الحرب لتوجيه رسائل سياسية وعسكرية دون الوصول إلى عتبة الحرب الشاملة.

6. الحرب السيبرانية كنمط جديد من الردع
أعادت الحرب السيبرانية تعريف مفهوم الردع في العلاقات الدولية. فبينما كان الردع التقليدي يقوم على امتلاك أسلحة فتاكة وتلويح باستخدامها، بات الردع السيبراني يقوم على القدرة على إلحاق الضرر غير المعلن، باستخدام أدوات غير مرئية، وبدون تحمل المسؤولية المباشرة. وهو ما خلق واقعًا جديدًا في إدارة النزاعات.
أولًا: مفهوم الردع السيبراني
- الردع السيبراني لا يعتمد فقط على التهديد بالرد، بل على قدرة الخصم على إدراك أن أي هجوم سيقابل برد موجع، حتى لو لم يُعلن.
- الصعوبة هنا تكمن في غياب الحدود الجغرافية، وسهولة إخفاء الفاعل الحقيقي، ما يجعل الردع السيبراني غير تقليدي في طبيعته وتطبيقه.
ثانيًا: تحدي "الإنكار القابل للتصديق" (Plausible Deniability)
- من أخطر أدوات الحرب السيبرانية أن الفاعل يمكنه نفي مسؤوليته بسهولة.
- لا يُستخدم شعار "لم نكن نحن" فقط للدفاع، بل أحيانًا للهجوم، حيث تُنفذ عمليات باسم جماعات مجهولة أو من خلال وسطاء.
- هذا الأمر يجعل الردع التقليدي غير فعّال في كثير من الحالات، لأن الفاعل مجهول أو يصعب تحميله المسؤولية.
ثالثًا: الردع عبر الهجوم الاستباقي
- بعض الدول (مثل إسرائيل والولايات المتحدة) تبنّت سياسة "الهجوم قبل الدفاع"، لضمان الردع.
- يتم اختراق شبكات العدو بشكل دائم، وزرع برمجيات تجسس أو تعطل يمكن تفعيلها لاحقًا عند الحاجة، كرسالة ضمنية بأن الرد جاهز في أي لحظة.


رابعًا: هل تؤخر الحرب السيبرانية النزاعات أم تشعلها؟
- الجواب مزدوج: في بعض الأحيان، تمنح الهجمات الإلكترونية فرصة لإرسال رسائل استراتيجية دون اللجوء إلى التصعيد العسكري المباشر.
- وفي أحيان أخرى، تؤدي هذه الهجمات إلى تأجيج التوترات، لأنها تُفسَّر كاستفزازات عدائية تستوجب الرد.
خامسًا: الدول الصغيرة... التحدي الأكبر
- الدول الصغيرة أو النامية تجد نفسها في وضع صعب: فهي لا تملك قدرات هجومية كبرى، ولا تستطيع بناء منظومات دفاعية معقدة.
- هذا ما يجعلها عرضة للابتزاز الرقمي، أو ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى عبر أراضيها أو بنيتها الرقمية.
- في المقابل، بإمكان هذه الدول اعتماد سياسات تحييد إلكتروني، من خلال التعاون الدولي، وبناء تحالفات سيبرانية دفاعية.
سادسًا: ما الذي يصنع الر دع الحقيقي في الفضاء السيبراني؟
ان ما يصنع الردع الحقيقي ليس مجرد امتلاك أدوات تقنية، بل:
- بناء منظومات استخباراتية إلكترونية قادرة على اكتشاف التهديدات مبكرًا.
- تطوير قدرات هجومية مع إمكانية التحكم في التصعيد.
- الإعلان المدروس عن القدرات (لأغراض الردع) مع الحفاظ على الغموض التشغيلي.
- إرساء مصداقية سياسية وأمنية بأن أي عدوان سيقابل بردّ متناسب.

7. الختام والأسئلة
خلاصة المحاضرة
لقد أصبحت الحرب السيبرانية ساحة صراع جديدة، لا تقل خطورة عن ميادين الحرب التقليدية. ففي عالم متشابك رقميًا، لم يعد التفوق يُقاس فقط بعدد الطائرات والدبابات، بل أيضًا بعدد المخترقين، وقوة الجدران النارية، وقدرة الدول على حماية بياناتها وهويتها السيادية.
عرضنا في هذه المحاضرة تطور الحرب السيبرانية، أهم اللاعبين في هذا الفضاء، الأساليب والأدوات المستخدمة، واستخدمنا المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية نموذجًا عمليًا لتوضيح كيف أصبحت هذه الحرب واقعًا لا يمكن تجاهله في النزاعات الإقليمية والدولية.
رؤى مستقبلية
- السيادة الرقمية ستُصبح معيارًا لهيبة الدول مثل السيادة على الأرض والجو.
- التهديدات السيبرانية لن تبقى محصورة بين الجيوش، بل ستمتد إلى البنى التحتية المدنية، ووسائل الإعلام، والأنظمة الاقتصادية.
- يجب أن تبدأ الدول، خاصة النامية، في التفكير الاستراتيجي في كيفية بناء دفاعاتها الرقمية، تمامًا كما بنت جيوشها التقليدية في القرن العشرين.
- هناك حاجة ملحة لتطوير مواثيق وأعراف دولية تُنظم الحرب السيبرانية، وتحمي المدنيين والمؤسسات الحيوية من التدمير غير المرئي.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

627 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع