(سطور لذكريات الصيد كماعايشناها ومارسناها مع الطبيعة في العراق والنمسا أيام الخير)

    

(سطور لذكريات الصيد كماعايشناها ومارسناها مع الطبيعة في العراق والنمسا أيام الخير)
 
     

         

       

على شاطئ الخان الهادئ حيث تتدفق الموجات السابحة على ضفاف أجمل سواحل الشارقة، وتتسامى نظراتنا عند التحديق لشباب يمارسون صيد الاسماك بسناراتهم الحديثة وفي سماء الشاطيء تتراقص طيور النورس، وتتدفق معها أحاديث التاريخ العتيق والتراث الجميل...

ينساب الكلام انطلاقا من الوقت الحاضر ليتوغل دون قصد في الماضي حيث مرحلة الطفولة والشباب التي كنا قد عشناها في الزمن الجميل من القرن الماضي،  أحدى مراحلها كانت عشق الصيد تسلية وممارسة،


        

فالتاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب، انجازاتها، مكانتها، ثفافاتها، طريقة حياتها، حضاراتها، اسهاماتها، كلها روافد تنبأ بما صنعته، أحدى تلك الروافد ظاهرة الصيد سمها ما تشاء، رياضة، تسلية، شجاعة، احتراف، فالصيد تاريخ عريق في العراق ويحدثنا التاريخ بدلائله المعروفة التي اكتشفت في العصر الحديث، فالسومريون هم أقدم أمة معروفة سكنت في بلاد بين النهرين لزمن ميزوبوتامي جميل، والتي كانت تشمل الأراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات، وكلاهما تقع منابعهما من جبال زاغروس ومن المرتفعات الأرمنية وهي تركيا الحديثة، وكانت حينها  تشغل الجزء الجنوبي من بلاد بابل أي الجزء الجنوبي من العراق الحالية، أما مملكة "أكد" التي أعقبتها، فكانت تقع إلى الشمال الغربي، وكان أحد مصادرها الصيد (كان معبد لاجاش يستخدم مائة صيَّادا )، وكانوا يعتادون صيد الأرانب والخنزير البري والماعز والغنم البري، والمها والغزلان، اما صيد الأسود فكانت رياضة الملوك، وفي منطقة الأهوار في جنوب البلاد وهي بحدود6آلاف ميل مربع تشمل المستنقعات والبحيرات والمسطحات الطينية وضفاف القصب كلها مرتع لصيد الاسملك والطيور، ولهذا وجدت هنك ولا زالت ثقافة معقده قائمه على الصيد والمياه منذ عصور ما قبل التاريخ، وعند نهاياتها يتوحد دجلة والفرات ليصبا في الخليج العربي، مملكة آشور كانت أول دولة لمدينة آشور في شمال بلاد مابين النهرين وتوسعت في الألف الثانية قبل الميلاد، وامتدت شمالا لمدن نينوي ونمرود و خورسباد،  وكانت مملكة آشور دولة عسكرية تقوم على العبيد  وكان لها إنجازات معمارية وتصنع التماثيل ولاسيما تماثيل العجول المجنحة التي كانت تقام أمام القصر الملكي  وزينت الجدران بنقوش المعارك ورحلات الصيد، وهكذا مرت السنوات وبدأت عصور النهضة وعصور الظلام وعصر نشوء الدولة العراقية وما بعدها، استمرت ظاهرة الصيد بعنفوانها تزداد وتقل ولكنها مستدامة لأنها غريزة من أقدم الانشطة للاقتات، تناقلتها المجتمعات منذ القدم منذ نشؤها ولم تنقطع .

  

فالصيد اقتناص الحيوان والاسماك والطيور، الصيد مهنة وهواية ، وقد يربطه مع الآخرين بعلاقة الصداقة والمحبة فيتجمعون معاً ويتفقون بالقيام بعملية منظمة للصيد قد تطول لعدة أيام ، يقطعون مسافات طويلة بحثاً عن الفريسة ، فعندما يحصلون عليها  يمتلئون من الفرح والبهجة ويتناسون التعب والبرد القارص ومشقات الطرق الوعرة ، صيد الاسماك بالسنارة ينظر الكثير لها باعتبارها رياضة وسلوكا يهدئ النفس، فيما وصل الحد عند بعضهم لتشبيهها برياضة اليوغا لما يمنحه الجلوس على شاطيء المكان وخصوصا في الليل وقمره المضيء من فرصة للتأمل والسكينة في مواجهة الحياة المتخمة بالضجة والصخب. وتنطلق من قاعدة أساسها ان تصطاد، أو قضاء وقت الفراغ في شيء يعود على عشاقها بالفائدة، و الاستمتاع بوقت رائع مع جمالية المكان لترمي همومك عليه وتعيش حالة من التأمل تساعدك على التركيز بحياتك العملية.

               
 
فالطفولة التي عشناها وهي كالتي عاشها من سبقنا  تعتبر أول سلم الذكريات، فلقد كانت هناك الكثير من الهوايات القديمه والتي طغت عليها حديثاً الآت الصيد بأشكالها وانواعها، المصيادة التي كنا نمارسها في الطفولة لصيد العصافير والحمام والبلابل التي كانت ترتاد الاشجار والسطوح الا انها لازالت تذكر الآن وهي ذكريات يتغنى بها الكثيرون، فالمصيادة تصنع من أغصان الرمان على شكل(واي بالأنكليزية) يريط بها شريط مطاطي أسود وبمنتصف الشريط  جلدة لمسك الحصى وتستخدم لصيد العصافير والحمام والبلابل، وأحسن وقت للصيد هو بين العصر والمغرب، هذه الطيور تكون اما جالسة فوق حافات السقوف الخارجية أو على الأشجار أو الجالسة على الأرض لتلتقط الغذاء الساقط، وأذا تم أصطياد بلبل لم يحالفه الموت فأن الذي أصطاده يربيه أو يبيعه اما العصافير والحمام فانه يؤكل بالشواء.

   
 
غريزة وهواية الصيد تلازم من مارسها في الصغر تنموا معه في الكبر ولما اصبحنا شباباً لازمتنا بكل لهفة وشوق، فبعد التخرج والتوضيف وبدأ مشوارها فيؤتي ثماره، كان اخي صباح يصحبنا اخي سردار وانا  في أوقات فراغه بين العصر والمغرب لنصطاد الدراج في منطقة ابو غريب قرب المرسلات وكان الحظ يحالفنا بالصيد،وبتلك الفترة كان أخينا فلاح يعمل مديرا للمركز التجاري العراقي في دولة الامارات، وكانت لأخي صباح  سياسة الصيد في أوقات الصيد ويراعي موسم  التكاثر ولا يقترب منه، تهيأت لنا فرص الصيد في عملنا الوظيفي كجيولوجين  في الصحراء الغربية للرمادي التي يكثر فيها الحيوانات والطيور او في بادية السماوة التي تمتلك نفس الطبيعة الخلابة والجاذبة للطيور والحيوانات،عصراً وبعد أنتهاء العمل الحقلي نمارس الصيد للكطا والدراج واحيانا الحبارى والارانب والثعالب ولكن لم يتسنى لنا اصطياد الغزلان أما الذئاب والضباع  نتجنبها ونبتعد عنها، وفي هذا الصدد كان زميلنا الجيولوجي الصياد  نديم الراوي يجلب اطلاقات الكسرية لنا  ولرئيس العمال من اهالي المنطقة والبارع بالصيد  ونشترك جميعاً بالأصطياد، وفي حينها تكون سهراتنا جميلة على ضفاف بحيرة ساوة مسـتأنسين  بجو المرح والمشروب والشواء اللذيذ.
    

ان الصيد بالصقور رياضة راسخة في الثقافة العربية حيث ابتدعها  الحارث بن كندة في العصر الجاهلي، فهو أول من علم الصقور على الصيد فتعلم منه العرب وعلموا كل الأقوام بما فيهم المجتمع الأوروبي حتى وقتنا الحاضر، ولهذا حرص صيادونا واهتموا بمتابعة ووممارسة هذه الرياضة التراثية صيد الصقور كتقليد متوارث، فلقد اشتهر العراقييون بالطرق والاساليب والوسائل لصيد تلك الانواع من الطيور ذات الندرة والرغبة باقتناءها من قبل اصحاب هواية الصيد ولكنها اقتصرت على جماعة معينة من المحترفين وكانت لهؤلاء علاقات مع راغبى تلك الطيور فى العراق وفى الخليج ولعل الذين يمارسون تلك الهواية من الكويتين كانوا يتابعون اصحابهم العراقيين لمعرفة الطيور التى تمكنوا من اصطيادها وكانوا يدفعون مبالغ مغرية ثمنا لتملكها لذلك فان عدد محدود من صائدوا تلك الطيور يجتمعون مع بعضهم ويتناولون اخبارها وهناك اماكن معروفة لهم كى يتقابلوا ويمارسوا تجارة بيع الصقور والشواهين وحتى احيانا نسور وكان المشهور منهم عوض كامل شبيب وكان ذلك فى نهاية الستينات من القرن الماضى ولكنهم ازدادوا فى السبعنيات لاسباب اهمها ان مجموعة من مسؤليى الدولة اخذوا على عاتقهم الاهتمام بتلك الهواية ورعايتها وعلى اثر ذلك تأسس نادى راقى جدا تحت اسم نادى الصيد  ووضع نظام  خاص للصيد وانتقل كل الذين لهم علاقة بالصيد بالتردد الى النادى لمعرفة اخبار الصيد والتعليمات الخاصة به ناهيك عن التسهيلات الممنوحة لاصحاب الهواية تشمل العضوية والاسلحة والوسائل التى تستخدم  ومن الطبيعى ان نذكر هنا بان صيد طيور الصيد فى اراضى العراق يعرفها السعوديين والكوتيين وتباعا الامارتيين وكانوا يترددون فى مواسمها الى العراق ومنهم امراء السعودية وشيوخ الامارات والكويت وقطر والبحرين ومن خلال وجود هؤلاء لعدة اسابيع فى الجزيرة يتم ايضا التعرف عل طيور اخرى وحيوانات برية وبصيدها تترك قصص واحاديث وخيالات مخيفة احيانا عن وجود طناطل فى الصحراء والجزيرة  واحتفظوا بافلام سينمائية وصور تعكس ذلك، كان اخي صباح قد مارسها مع اصدقائه في صيد الحبارى، وكان يملك  اثنين من الصقور نوع شاهين ويعتني بها في مزرعته، كما أن صديقنا هوشن الجاف وهو صياد ومن خيرة من كان يصطاد الصقور والمساهم بتربيتها، وكان سنوياً يذهب اسابيع معدودة الى منطقة الصحراء الغربية والجزيرة لاصطيادها، وهو من الصقارين الذين يحصلون عليها بواسطة (شبكها) أي مسكها بعد نصب فخاخ للصقور الطائرة وفقاً لطريقة خاصة تستخدم فيها طيور الحمام، ثم تأتي عملية مضنية وممتعة لتعليم هذا الصقر على الصيد لصاحبه ولهذا يكون الصقر كالطفل الذي يطربك بتصرفاته الخاطئة في البدايات ثم تحرص على حسن تعليمه وتدريبه منتظراً منه فيما بعد كل فعل جميل.


          


صيد الزرازير: تبدأ هجرة الزرازير من مواطنها الاصلية في روسيا واوربا واستراليا الى المنطقة ومنها العراق بالتحديد في كانون الأول لتجد في شتاءه مكانا اكثر دفئا، تجوب هذه الطيور ذات اللون الأسود المتوشح بنقاط بيضاء مائلة الى الفضي وذو المنقار الطويل سماء مناطق العراق ومنها بغداد بشكل اسراب متموجة كأنها ترقص في السماء وبسمفونية متناغمة جميلة يقودها قائد أوركسترا متمكن لكنها تجهل أنها قد تغادر فرقة العزف لتصطاد وليكمل مسيرتها من ينجوا، أن صيد هذه الطيور يتم من قبل صيادين لهم خبرة بامكن تواجدها في الحقول والمزارع حيث يستخدمون الشبكة والطعم فتكون حصيلتهم جيدة ويصطادوها وهي حية ويجب ان يشترك في الصيد ما يقل عن اثنين، وحينها تنتشر  في حانات بغداد في شارع السعدون وابو نؤاس وتقدم مشوية على الطريقة العراقية وتقدم بالسيخ مع العصافير كمازة للشرابة، وفي البتاوين وشـــــارع الــــسـعـــــدون هـنـــاك اكـثـــر مـن مــطعــم علـــى الـــرصـيـف يقدم الزرازير المشوية بالاضاقة الى التكة والكباب والمعلاك.

    


 يستوطن طائر جميل الموصل وكركوك واربيل والسليمانية ودهوك في شمال العراق وهو طائر ينتمي الى الطيور الداجنة وهو طير الحجل(القبج)، طائر رائع في شكله وألوانه وصوته العذب الصافي عندما يغرد في البراري أو في قفصه المصنوع من اغصان الأشجار أو فوق الصخور ولهذا كانت الأذاعة الكردية تبدأ برامجها بصوته الجميل ، يستطيع ان يعدو بسرعة لا مثيل لها بين الصخور والاعشاب حيث يفضل الجري السريع على الطيران عند تعرضه للخطر، ومن أصدقائنا الذين يمتازون بصيده وهو حي  لازكين الزيباري وهوشنك حيث تكلفهم ساعات من المشي الشاق لبلوغ المنطقة التي يهبط بها معتمدين على قوتهم البدنية وصبرهم وطريقتهم بالصيد هو الشرك وهي تعتمد على طائر داخل قفص خشبي والذكر افضل من الانثى، وكان لنا نصيب سنوي ياتي الينا ونربيه في بيوتنا ومن محبتنا لهذا الطير لم نقدم على اكله مطلقاً.

     


 الاهوار جنة مائية ومستوطنات الحلم السومري والطوفان المندثر، لم يعتنى بها منذ القدم تقدر مساحتها بحوالي(7700كم2) كانت تتكون من البحيرات الكبيرة التي تتخللها جزر صغيرة سكنها الناس وزرعوها بمختلف المحاصيل والأشجار٬ معظمها تقع بين نهري دجلة والفرات ضمن اطراف ثلاث مدن هي (العمارة والبصرة والناصرية) وتعتمد مصادر تغذيتها على كميات الامطار والثلوج الساقطة في منابعها الرئيسة اما اكبر الاهوار فهو هور (الحويزة) وتبلغ مساحته2863 كيلو مترا مربعا٬ ويليه هور الحمار الذي تبلغ مساحته2441 كيلو مترا مربعا، استوطنها الانسان منذ نحو ما يزيد على خمسة آلاف سنة..

        

تعد محطة استراحة للطيور المهاجرة من اسيا الى افريقيا وبالعكس وموطنا للكثير من انواع الاسماك والطيور٬ فضلا عن انها كانت حاضنة لانواع من النباتات والمزروعات واهمها قصب البردي الذي يمثل عنصرا اساسيا في عمارة بيوت (الاهوار) واكواخها العائمة في هذه المنطقة، زرتها مرتين مع أخي صباح ومجموعة للصيد وكل مرة نبقى لمدة اربعة ايام تنوع الصيد بين الطيور المائية الخصيري والحذاف والسمك بالفالة مع ادلاء من المنطقة وكان ذلك في نهاية السبعينات  وكان الصيادون بالاضافة الى أخي صباح وكلهم محترفون وهم محي الدوري ونهاد ملا حمادي وعبد الاله الهبش ومحمد سبع والدكتور سعد حميد قادر وسعد ونة وكانت من اجمل سفرات الصيد وفي احدى السفرتين ذهبنا الى جلات وهي قريبة من الحدود مع ايران لاصطياد الغزلان وكنا بضيافة الأستاذ سعدون شاكر وهو صياد محترف وبالرغم من مسؤليته في الدولة الاانه يقضي اوقاتا في الصيد.
فالجزيرة فيها الغرائب وفيها العجائب وخصوصا فى الاراضى التى تمتد من العمارة وواسط والديوانية والزبير فهناك ضباع واحيوانات مفترسة اشبه بالنمور وخصوصا فى الاراضى المشتركة بين العراق وايران وهناك الخنازير البرية بكثرة والدعالج والافاعى والجرابيع فى صحراء الزبير الى الحدود الكوتية ويشمل ذلك ايضا اراضى شمال العراق ومناطق الوسط التى تكون غنيية بالطيور(الدراج) والخنازير  وبالنسبة لطيور الحبارى التى يعشقها الخليجيون فانها تزداد فى مناطق الجنوب والغرب

 

   

كان اخي صباح ومجموعة من اصدقائه ومعارفه من الصيادين الذين ذكرتهم سابقا، يشاركهم أخواني فلاح وسردار وزوج اختنا شكيب الزبيدي يقومون برحلات صيد دورية وبالأوقات التي يسمح فيها بالصيد للغزلان والحباري في المنطقة الممتدة من خانقين مرورا بالبجلي وأحيانا الصويرة، وقبل البدأ برحلة الصيد يتم الاعداد لكل شئ بدقة ومعرفة فى الامور الالية كالسيارات وعدد اخرى للحالات الطارئة والاسعافات الاولية ووقود السيارات ومايحتاجة كلب الصيد من امور كما ان معرفة سكان المناطق التى يمر بها موكب الصيد له من الاهمية بمكان لانه احيانا يتم اللجوءاليهم فى احيان معنية ولقد ترك هؤلاء من الذكريات لازالت مترسخة فى العقل والضمير ويامحلى خبز التنور الذى يقدموه للصيادين اثناء المرور بهم فى رحلة الصيد،

   
        


بعد هطول الامطار ينمو العشب والرشاد البري اللذيذ والحاد بطعمه، يقطف ويتم تناوله مع الخبز قبل البدأ بالصيد وكذلك مع الشواء والفطور صباحاً، واما موضوع صيد الغزلان فان لذلك قصص عديدة وتشاء الصدف ان يكون الصيد بها وفير كالذى حدث فى احدى الجولات فتم صيد سبع غزلان باوقات غريبة واحيانا اخرى لايكون منها ولا واحد ولعدة ايام لان صيدها يحتاج الى معرفة تواجدها وهناك دليل وايضا صبر الصياد وسهره لانها تخرج فى اواخر الليل وفى الظلام وأحيانا يتم اصطياده بواسطة كشافات السيارات وهو حي،

        
 
شاركت مرة اثناء الاجازة من عملي في النمسا معهم وتذوقت الرشاد ما أطيبه، وكانت تجربة الصيد في البراري تذكرني بعملي الجيولوجي ومتعة الصيد في حينها و بلذة العيش مع الطبيعة بكل ابعادها، كان في مزرعة أخي في جرف النداف ثمانون من الغزال يمرح ويتكائر وبعد مجيء الاحتلال نهبت هذه الحيوانات الجميلة والطيور النادرة وغيرها ونهبت المزرعة وأثاثها.
في النمسا وطيلة فترة عملنا هناك كان الصيد حاضراً بفضل صديقنا النمساوي ريشارد هوبر وهوينتسب الى عائلة هوبر الارستقراطية ومعرفتي به من بغداد حيث كان ينفذ أحدى المشاريع في نهاية السبعينات وله اكثر من عقد وقد خرج معنا للصيد في الجزيرة، للعائلة أملاك من الاراضي في مقاطعة الفخاو ذي الغابات الجميلة المطله على نهر الدانوب وكنا نذهب لاصطياد الغزلان وقد حالفني الحظ ولاول مرة باصطياد غزال جبلي، كان هو احيانا يصطاد الخنازير البرية، وفي كل خريف نشاركه وزملاءه برحلات جماعية في العطل لاصطياد الدراج باستخدام نوعين من الكلاب، الكلاب التي لا تقوم بمطاردة الفريسة بل تقوم باكتشافها بواسطة حاسة شمها القوية و عندما تصل إلى أقرب نقطة تتوقف ليتمكن الصائدون من إتخاذ الوضع الملائم لإطلاق قذائفهم كما أنها تقوم بإحضار الطريدة المصابة أما المجموعة الثانية فهي الكلاب العداءة فإنها تتبع الطريدة بعد أن تقوم بإجبارها على الخروج من جحورها.

        

في الاربعينات والخمسينات كانت الحيوانات والطيور البرية، تكثر وتملأ الأودية والشعاب والسهول والبراري والجبال،  وقتئذ كان الصيد محدودًا، ولا يؤثر على ما تضمه البيئة من حيوانات، لكن الوضع اختلف في نهاية السبعينات  مع تطور معطيات العصر، فقد توفرت وسائل النقل، إلى جانب تطور أسلحة الصيد، إضافة للتغير الذي طرأ على طبيعة الحياة بشكل عام حيث بدأت الفوضى ببروزمراهقين للصيد  ليتم صيدها بطريقة مهلكة دون مراعاة للقدر المعقول، ودون التزام بأسلوب صيد يضمن عدم انقراض هذه الحيوانات التي كانت تزين الأرض بوجودها، فالصيد الجائر للحيوانات هو من أحد أسوء العوامل الحيوية التي تؤدي إلى إحداث خلل في توازن النظم البيئية في الطبيعة و عدم استقرارها، مما يتسبب في تدهور التنوع البيولوجي، حيث أصبحت كائنات حية كثيرة مهددة بالأنقراض
وعلى هذا الأساس، أقر العراق قانون تنظيم الصيد و استغلال الاحياء المائية و حمايتها رقم ( 48 ) لسنة 1976، بادرت الدولة بانشاء جمعية الصيادين العراقية التي تعد من أقدم الجمعيات  الرسمية الوحيدة التي أسست في العام 1983 وانتمى اليها ما يقارب ( 2000 ) صياد وفيها يمكن الحصول على البنادق والأطلاقات، والجمعية تهدف إلى تنظيم هواية الصيد في العراق وتحديد انواع الطيور والحيوانات البرية وصيدها في المناطق المحظور الصيد فيها بصورة دائمة او مؤقتة وتحديد مواسم الصيد للمحافظة على الحياة البرية، ومنع الصيد الجائر ومحاربته الذي ادى إلى شبه انقراض للحيوانات الموجودة في البلاد، وفي عام 1988 منع صيد الغزلان بصورة قطعية، كما تم منع استيراد الاطلاقات.
 من الدول التي اصدرت تشريعات تنظم عمليات الصيد في المنطقة : الجمهورية العربية اليمنية التي صدر فيها القانون رقم ( 42 ) لسنة 1991 بشأن تنظيم صيد و استغلال الاحياء المائية و حمايتها المعدل بالقانون رقم ( 43 ) لسنة 1997، و قانون تنظيم صيد الحيوانات و الطيور و الزواحف  البرية ( 4 / 2002 ) في دولة قطر، و القانون رقم ( 22 ) لسنة 2005  بشأن تنظيم الصيد البري بامارة ابوظبي و قانون الزراعة المؤقت رقم ( 44 ) لسنة 2002 في الاردن و التعليمات رقم ( ز / 34 ) لسنة 2003 الصادرة بموجبه الخاصة بحماية الطيور و الحيوانات البرية و تنظيم صيدها و الاتجار بها، و قانون حماية الصيد و الحظائر الاتحادية لسنة 1986 في السودان، و قانون تنظيم صيد الحيوانات و الطيور و الزواحف البرية ( 4 / 2002 ) في الكويت، و قانون تنظيم الصيد البري في لبنان رقم ( 580 ) لسنة 2004
 ومع ذلك كانت هناك ممارسات غير منضبطة  وبالتحايل، في التسعينات بدأت الحياة تعود تدريجيا وبنسق ملحوظ  لتكاثر الحيوانات والطيور طيلة فترة الحصار وبدأ تزايد الاصناف وتكاثرها.
 تستطيع البيئة أن تحمي نفسها، بكل ما فيها من مكونات تتحرك وفق قوانين الطبيعة، فمنطقة التويثة وفيها موقع الطاقة الذرية والذي يشغل مساحة كبيرة من الاراضي ويطل على نهر دجلة من جهة وليس بعيدا عن نهر ديالى من جهة أخرى، وساتر ترابي كبير يحيط بموقعه وهو مشجر ويسقى بالتنقيط  كما يجاوره الكثير من المزارع والبساتين، وبدون أمر أصبح الموقع محمية طبيعية تكاثرت فيها الحيوانات البرية كلارانب والثعالب والخنازير والطيور ومنها الدراج المحلي والدراج الملون الاوربي الذي أستوطن وتكاثر هناك بعد طيرانه من أحدى المزارع في المنطقة وكذلك الطير الاخضر الخضير الذي يبني أعشاشه داخل حفر في السد الترابي المزروع اضافة لطيور الطبن والبلابل والحمام والعصافير وغيرها، ومنذ أنشاء الموقع ولغاية الأحتلال لم تطلق اطلاقة واحدة في هذا المكان.
بعد الاحتلال ازدهر الموت والخراب والدمار في كل شبر من بلاد الرافدين، وتم تدمير وحل الجيش العراقي وأمر رامسفيلد ان تبدأ قواته بهدم بوابات المؤسسات مما حدى للرعاع ان ينهبوا دوائر الدولة ومنها نهب ارثه الحضاري والتاريخي لمتحفه الوطني ومكتبات تراثه المعرفي ومخطوطاته، وانهارت سلطة الدولة المركزية وتردت الأوضاع الأمنية وتلاحقت موجة الإرهاب والاغتيالات والتفجيرات الانتحارية، وكما صرح آمر جناح جوي أمريكي  بمرح شديد عام1991 عند دخولهم الكويت وانسحاب القطعات العراقية : (سنصيد العراقيين مثل صيد البط ) وبذلك تكون الذاكرة لاستقبال المزيد من الدلالات، وإعادة إنتاجها في ذاكرة البطل لتصبح حلولاً قابلة للاستثمار عند الحاجة ، فالتلميح إلى استثمار الصياد لغريزة التجمع عند البط البري بما يسهل اصطياد الكثير، وبعد الأحتلال،  لتتعالق مرة أخرى وبسمفونية جديدة  أسقط منها البط ، واستبدل بطرائد أخرى، بعضها أكثر فتحاً لشهية الصياد لدى الجنود الغازية من الأمريكيين ومن عاونهم وسار تحت أمرتهم أو إمرة من جلبوهم، واضحى القتل المجاني كهواية صيد، واصبح ارث العراق وحضارته وجمال طبيعته يستباح بشكل يومي واصبح مسرحا للقتل الرخيص وكأنها فريسة متوفرة بكثرة ووجودها يسمح باقتناصها بسهولة، وبدأت الفوضى الخلاقة وهي فوضى تساوى فيها قتل البشر وفوضى صيد الحيوانات والطيور والاحياء المائية، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
 



  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع