نشر حوار مع مصطفى العقاد أجري قبل ٢١ عاما

     

مصطفى العقاد لـمجلة "الرجل":اعتدت توجيه الاتهام إلى نفسي

          حاورته هيام منور  في مارس/1994

عندما حطت به الطائرة في مطار لوس انجلوس، اعترته دهشة ممزوجة بالفرح والرهبة، كان مصطفى العقاد لما يزل في الثامنة عشرة من عمره، عندما قرر الذهاب من حلب الشهباء مسقط رأسه، إلى هوليوود، أسطورة الغرب وحلم المشاهير. لم يكن في جيبه سوى 200 دولار، وفي رأسه تضج مئات الاسئلة، وتتصارع عشرات الأفكار.

                       

يقول مصطفى العقاد حين التقته" الرجل" في شيراتون دمشق، أثناء زيارة خاطفة له برفقة ابنته الشابة ريما، مدربة الخيول الجامحة في لوس أنجلوس:

-هوليوود حلم، لكنها ليست الحلم المستحيل كما يظن الناس.

وكيف كان إحساسك وأنت تقتحم عالم هذا الحلم؟

لدى وصولي إلى أمريكا، انتابني نوع من الخوف لشعوري بالغربة وعدم وجود أحد اعتمد عليه مادياً. وكان عندي مركب النقص الموجود عند أي عربي تجاه أي أجنبي. وذلك عندما تعدّهم الافضل والاذكى..الا انني اكتشفت بعد الخبرة وامتحان النفس، وبعد المنافسة ومزاولة الدراسة والاخراج السينمائي في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس، بأننا لسنا اقل ذكاء، ولا اقل كفاءة، ولسنا أنداداً فقط، بل نتفوق عليهم في كثير من المجالات.

المنافسة مع الامريكي أو غيره، هل كانت تسبب لك الاحراج والمضايقات؟

من عادتنا نحن العرب ان نخلق لفشلنا الأعذار، ونحمّل الآخرين أخطاءنا. وهذا اكبر خطأ، لذلك اعتدت ان أوجه اصبع الاتهام الى نفسي دائماً. وإذا كان هنالك من نجاح او فشل، فأنا المسؤول عنه. ومن هنا ازدادت ثقتي بنفسي وكبر طموحي. وبدأت الاحلام تتحقق.

في بداية المشوار، هل كان يراودك حلم الوصول للعالمية؟

طبعا لا. في البداية كنت أنوي دراسة الإخراج السينمائي ومن ثم العودة إلى بلدي، ولكنني عندما وجدت نفسي أنافس زملاء في القارة الامريكية ومن دول اوروبية أخرى، ازداد طموحي، خاصة أن تطوري كان يتناسب مع صناعة السينما في هوليوود.

لذلك كان قرارك الاقامة الدائمة في امريكا؟

وجدت متسعاً لأفقي هناك، وفرصة لإعطاء العالم صورة زاهية ومشرقة عن الإسلام وعن البطولات العربية من خلال الافلام التي عملتها والتي سأقوم بها قريبا.

هل تعدّ نفسك أول مخرج عربي عالمي؟

نعم.. أنا اول مخرج ومنتج سينمائي عربي عالمي.

هل هنالك مخرجون عرب آخرون على مستوى العالمية؟

لا أعتقد ذلك.
عالمية..ومحلية

الوصول الى العالمية حلم يتمناه اي فنان واي مبدع، ماذا بعد هذا الحلم؟ وماذا سيكون شكل الحلم القادم؟

من الناحية الابداعية لا يوجد شيء اسمه "عالمي" وشيء اسمه "محلي". فالابداع واحد. لكن "العالمي" له سوق اضخم بكثير. اما حلمي القادم فهو ان انقل العالمية الى المحلية اي الى وطني.

هل تعتقد انك تسير عكس التيار السائد؟

اكتشفت من خلال تجاربي انه لا فرق بين فنان محلي وفنان عالمي. في فيلم الرسالة جربت التعامل مع ممثلين عالميين ومع ممثلين عرب، وعملت نسخة عربية ونسخة اجنبية. واكتشفت أنه لا فرق بين انطوني كوين وعبد الله غيث، عندما اعطيتهما التقنية والانارة والصوت نفسها.

هل لك ان توضح لنا كيف ستنقل العالمية الى المحلية؟

ساتكلم بلسان وتقنيات السينما العالمية عن مآثرنا وتطلعاتنا وهمومنا العربية، كي يكون الاقبال عالمياً. تعلمت ان أسأل نفسي سؤالين قبل ان اعمل اي فيلم: من هو جمهورك؟ وماذا تريد ان تقول؟

سأسالك بدوري: من هو جمهور مصطفى العقاد؟ وماذا ستقول له؟

اتوجه لنوعيات مختلفة لجماهير عالمية وجماهير عربية وجماهير اسلامية، وأحاول دائماً ان اطرح مواضيع اسلامية للجمهور العالمي، كموضوع الاندلس مثلا وفترة قرطبة وازدهار العلوم والفلك والطب والكيمياء والعمارة والرياضيات. تصوري أن كريستوفر كولمبس ماكان ليكتشف امريكا، لولا مساعدة العلماء العرب الذين كانوا معه على متن الباخرة.

لم لا تصنع فيلماً يشرح دور العرب هنا؟

لكأنك تقرئين أفكاري، فالسيناريو جاهز عندي عن هذا الموضوع الذي يحكي عن الاندلس ودور العرب في اكتشاف امريكا، بالاضافة الى فيلم آخر عن صلاح الدين الايوبي.

علمت انك بصدد انشاء اكبر واضخم مجمّع سينمائي في الشرق الاوسط، ماذا عن هذا المشروع؟

هذا صحيح. الفكرة هي انشاء مدينة سينمائية لعمل افلام عربية على المستوى العالمي. وستتضمّن هذه المدينة مراكز لديكورات مختلفة من الفترة الاندلسية - من كريستوفر كولومبس- ابن زيدون- عبد الرحمن الناصر- المنصور، وغيرها، وذلك بغية الاستفادة من مواقع التصوير والديكور والملابس للفترة التاريخية نفسها المراد تصويرها، وبذلك نكون قد صورنا بربع الكلفة الانتاجية.

هل تعتقد أنك وبهذه الطريقة ستسهم إعلامياً في اعطاء صورة مشرقة عن العرب؟

حباً في الوصول الى العالمية يلجا بعض المخرجين للتشهير بأوطانهم، وتصوير مشاهد البؤس والتخلف وإثارة الغرب، كما فعل نوري بوزيد وغيره من المخرجين التونسيين. وكذلك محمد ملص في فيلمه "الليل" من سورية. والشيء اللافت ان المحكمين في الغرب يمنحونهم الجوائز ويشجعونهم على التمادي في تعرية اوطانهم. وبرأيي هذه المواضيع المحلية يجب ان تعرض محلياً.

وليعرف هؤلاء أن هذه الاساليب ليست طريقاً نحو العالمية، لانني ارى ان الغرب يحترمني اكثر بقدر احترامي لوطني ولديني ولاسمي.

تصوري ان اكثرهم يغيرون اسماءهم في امريكا من محمد الى جيمس مثلاً. اما انا فلم أغيّر اسمي، وافتخر بأنني اطلقت على اولادي اسماء عربية ( ريما ومالك وطارق وزيد).

انا امريكي الجنسية، لكن دمي عربي وانتمائي عربي.

كبت الغربة

الغربة، والابداع، هل ثمة علاقة جدلية بينهما؟

   

طبعا، والافلام التي فكرت بها عبارة عن تنفيس لكبت عاطفي لوجودي في الغربة. فكرت بفيلم "الرسالة" عندما رأيت اولادي يكبرون في امريكا، فأردت ان اعلمهم الدين الاسلامي.

وعندما عملت "عمر المختار" فقد عكست قضية فلسطين ايضاً.

ما دور المرأة في حياة مصطفى العقاد؟

هي عامل اساسي ومهم في حياتي. في البداية تزوجت من أمريكية وأنجبت منها ثلاثة اولاد ريما وطارق ومالك، ثم كان لا بدّ من الرجوع للجذور والزواج من عربية سورية انجبت لي زيد.

الحب في حياة مصطفى العقاد، هل هو محرض ومحرك للابداع؟

ربما مررت بتجارب حب عادية، لكنها لم تصل لدرجة العشق.

ألم تمر بتجربة حب عنيفة؟

لا. لأن اية علاقة حب تأتيني تكون من ضمن عشقي للحلم الكبير الذي أودّ الوصول اليه، السينما.

يعني ان السينما هي عشقك الكبير؟

نعم.

           

من هم أصدقاؤك المقربون من نجوم السينما العالمية؟

صداقات المهنة الواحدة ليست بصداقات. هنالك معارف فقط. وللاسف اصبح المال يشتري كل صداقة تريدينها. وفي اعتقادي اي صداقة تعتمد على المصلحة ليست بصداقة.

بتعبير آخر من يعجبك من النجوم الذين تعاملت معهم؟

تعجبني الممثلة اليونانية آيرين باباس، وكذلك الممثل العملاق انطوني كوين.

ومن الفنانين العرب، أليس دريد لحام الإنسان الاقرب لمصطفى العقاد؟

هذا صحيح. دريد لحام ليس ممثلاً كوميدياً فحسب، لكنّ وراء هذا الانسان قيماً واخلاقات وفكراً وعطاء بلا حدود. ومن الناحية الاعلامية يُعدّ اسلوب دريد لحام الكوميدي اكبر مؤثر في عالمنا العربي.

قراءة التاريخ

بعيداً عن عالم الإخراج، ما هواياتك؟

قراءة التاريخ، وربما يرجع هذا الى مركب النقص لدينا نحن العرب. فأنا ارجع للتاريخ لأقرأ لغة العزّ والبطولات والامجاد. وأحاول ان اشارك معي من خلال هذه الهواية اكبر قدر ممكن من الناس، من خلال الافلام التاريخية التي اصنعها. من ناحية اخرى احب الحيوانات وأذكر انه يوجد في بيتي بحلب 15 قطة.

  

يقال ان الغليون يكاد لا يفارق فمك، فما قصة عشقك للغليون؟

الغليون يساعدني على التأمل. وبدلاً من ان اضع يدي على خدي بين مشهد ومشهد وأفكر، ويظن الذين حولي أنني لا اعرف ماذا سافعل، فإن الغليون يمنحني قوة وثقة بالنفس.

أي انه يخلصك من الإحراج؟

نعم. يمنحني فرصة للتفكير في اثناء تفريغه وتحضيره وإشعاله.

ما أجمل عمل عربي أعجبك مؤخراً؟

المسلسل المحلي السوري "ايام شامية" للكاتب أكرم شريم والمخرج بسام الملا.

لو عدنا للوراء.. إلى إحدى الحارات الشعبية في حلب، حيث نشأ مصطفى العقاد، فماذا يقول عن تلك الفترة؟

انا من مواليد 1933. نشأت في مدينة حلب في جو عائلي حميم. نحن ستة اخوة وشقيقة واحدة. كان والدي موظفاً بالجمارك ومع ان دخله ووضعه المادي كانا متواضعين جداً، فإنه اصرّ على تعليمنا في ارقى المدارس الفرنسية والامريكية في حلب.

إلامَ يعود ولعك وشغفك بالاخراج؟

كان عندنا جار يعرض افلاماً في سينما "أمبير" بحلب، وكنت ارافقه دائماً الى صالة العرض وأتفرج على الافلام مرات عدة في اليوم (مجاناً طبعاً). وكنت اراقبه كيف يضطر احيانا لقص بعض المشاهد من اجل الرقابة، وكيف يعيد عملية المونتاج. ومنذ ذلك الحين صار عندي ولع بالسينما وقررت دراسة الاخراج السينمائي.


صندوق العجائب

ما نظرة المجتمع في الاربعينات لشاب ينوي دراسة الفن والاخراج؟

كان الامر صعباً للغاية. يريدونك مهندساً او طبيباً او محامياً. لكنني كنت العب في الحي وأجمع اصدقائي واقص لهم قصاصات من الجرائد اعمل منها مايشبه صندوق العجائب، وعندما حصلت على الثانوية العامة، خضع والدي لإصراري بدراسة الاخراج في هوليوود، وقال لي كل ما بإمكاني أن اعطيك اياه بطاقة طائرة و 200 دولار فقط، وكان ذلك عام 1954.

أرى برفقتك ابنتك الشابة ريما، هل تنصحها بدخول عالم التمثيل؟

لم اجد لديها ميلاً للتمثيل إلا أنها مدربة خيول ممتازة.

ما بين حلب الشهباء وهوليوود حلم المشاهير، من هو مصطفى العقاد؟

مهما ابدعت ومهما اشتهرت انا ابن البيئة الحلبية..وكل ماوصلت اليه يرجع الى البيئة، الى الحيّ، الى الاصدقاء، الى الاقرباء، الى اساتذتي، الى بائع الخضرة، وحارس الليل، والحارات العتيقة..كل هذه البيئة صنعت مصطفى العقاد.

 

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع