أيام في مصر

     

        

     

مصر أم الدنيا، هكذا قيل وهكذا اقتنعنا منذ الصغر، ومن شرب من ماء النيل لابد أن يرجع لها مرة أخرى وأخرى، وهكذا فعلا، فقد زرت مصر لأول مرة عام 1973 بعد إنتصار 6 أكتوبر التاريخي، وعدت إليها عامي 1975 و2001، وها أنا أعود قبل أيام من رحلتي الرابعة إلى مصر، والأولى بعد ثورة 25 يناير الشبابية.

إبن بطوطة يصف مصر:
الرحالة العربي إبن بطوطة وصف مصر قائلاً: "وصلت إلى مصر وهي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة، المتناهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر. وبها ما شئت من عالم وجاهل وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف. تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم، على سعة مكانها وإمكانها، شبابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح منزل السعد، قهرت قاهرتها الأمم، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل التي جل خطرها، وأغناها عن أن يستمد القَطر قُطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة".. ولا تجد أي إختلاف عن أوصاف إبن بطوطة للقاهرة اليوم رغم مرور قرون من الزمان. ويصف إبن بطوطة نيل مصر، فيقول: "ونيل مصر يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة، والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها ولا يعلم نهر يزدرع عليه ما يزدرع على النيل، وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره.. قال الله تعالى : "فإذا خفت عليه فألقيه في اليم"،  فسماه الله يَمّاً وهو البحر".

   

مصر بعد الثورة:
زرت مصر لأول مرة بعد ثورة 25 يناير، فرأيتها تموج بالحرية موجاً، وشبهت حال أهلها كعصفور كان في قفص مدة طويلة ففُتح له باب القفص لكن فُتح ليلاً، فلم يصبر العصفور حتى الصباح، ولم يتبين له معالم طريق خروجه، فظلّ يدفع ويدافع، ويحاول، ويدور ويصيح، وما هو بخارج حتى الصباح. وصباح مصر إنما هو بتخطيها هذه المرحلة الحرجة القادمة التي تنتهي بالانتخابات البرلمانية، وانتخابات الرئاسة، واستقرار البلاد لتبدأ مرحلة البناء الطويلة، ولتعوض ما فاتها بسبب سنين الظلم والقهر والظلام، والفساد والطغيان.
مصر بعد الثورة ليست كما كانت قبلها من عدة أوجه، منها السلبي ومنها الإيجابي، فالإيجابي هو أجواء الحرية التي تعيشها مصر لحد الانفلات، بل والمبالغة، للعلم قيل أن عدد المتقدمين للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية تجاوز الـ(2000) مرشح وفيهم المعوق والمدمن وأرباب السوابق ولاشك أن هناك بينهم نخبة من خيار المجتمع المصري من السياسيين والمثقفين والمفكرين، ولكن هذه هي أجواء الحرية المنفلتة في بلد حرم منها عقودا طوال ولم يعرف انتخاب رئيس جمهورية بالمعنى الحقيقي وانما كان هناك دائما استفتاء على شخص واحد لاغير غالبا ما يفوز بـ 99،99%. أما الصحف فلا عد لها ولا حساب!

                         

من السلبيات لمرحلة ما بعد الثورة تخلخل الوضع الأمني وفقدان الأمن والذي انعكس على السياحة التي تواجه أسوأ أزمة لها منذ عقود بل أنها تعاني شبه كساد!... ومن السلبيات كذلك وضع الفوضى في الشارع وانعدام الضبط المروري وعدم احترام اشارات المرور سواء اليدوية أم الكهربائية، وعربات الدفع والكارو التي تزاحم السيارات.
ميدان التحرير:
وأما وضعية ميدان التحرير، قلب العاصمة، ومنطلق بل رمز ثورة 25 يناير، فما زال يعاني الفوضى ومازالت الخيم منصوبة يرقد فيها أشكال من البشر لاتعرف لماذا هم باقون للآن، وما من سلطة تستطيع تحريكهم... واما السيارات في ميدان التحرير الذي كان يوماً ما مثالا للأنضباط المروري فإن السواق يركنون سياراتهم أينما شاءوا حتى ولو في منتصف الشارع ولا قدرة لرجل المرور لضبط النظام!
وميدان التحرير يعدّ حالياً مكاناً عالمياً يحظى بالدعم الإعلامى العالمى لما صار يحمله من مكانة خاصة لدى الثائرين والمطلعين للتغيير فى جميع أنحاء العالم، فيما تصدرت مشاهده وأخباره النشرات الإخبارية، وصارت زيارته إحدى وسائل الدعاية لمصر وما زار مصر من لم يزر ميدان التحرير!
تاريخ ميدان التحرير:
الميدان شهد أحداثاً هامة في تاريخ مصر كالمظاهرة المليونية التى قادها النحاس باشا، كما كان مسرحاً لمظاهرات طلابية وشعبية لن ينساها التاريخ بما إحتوته من مشاهد درامية كتبها المتظاهرون بأرواحهم ودمائهم . كما أن جامعة القاهرة حين ظهرت للنور أول مرة كان مقرها مكان الجامعة الأمريكية الحالى بميدان التحرير، الذي كان هو الطريق للبرلمان ولقصر عابدين ولبيت الأمة ولثكنات قصر النيل وللمتحف المصرى ولأبرز الفنادق.. بالتأكيد ميدان التحرير هو قطعة من قلب مصر النابض .

                     

مزعجات السياحة في مصر:
الأماكن والمدن السياحية في مصر كثيرة جدا ولايمكن أن تغطيها حتى ولو بقيت شهرا في مصر، لكن المزعج الذي يصادفك هو حالة الإلحاح لحد التسول من قبل الجميع بدءاً من وصولك مطار القاهرة، وبحثك عن سيارة أجرة تنقلك للقاهرة، فلا أحد يلتزم بالعداد حتى وإن تعهد لك، فما أن تصل حتى تبدأ المساومات والملحات.. وحين تزور الآثار وبالأخص الإهرامات في الجيزة فإن أزعج ما يزعجك هي حالة التسول والاحتيال والالحاح في طلب البقشيش والمساعدة، وحين تقف لتؤشر لسيارة أجرة يطلع لك عدة فضوليين يفتحون لك الباب ويطالبونك بالبقشيش!!
وأذكر في السبعينات كان الشخص يقبل منك عملة معدنية من فئة الخمس أو عشر قروش اما اليوم فلايقبل منك الجنيه ولا الخمسة! ويبدأ الالحاح والاستجداء من حراس مدخل المدينة الأثرية وعامل بيع تذاكر الدخول والمفتشين ثم الأدلاء السياحيين ثم أصحاب العربات والخيل والجمال والحمير.. إن تمكنت أن تفلت من واحد أو اثنين فلن تفلت من الثالث والرابع، بحيث تندم أنك جئت لهذا المكان أو قل تطير منك فرحة ولذة الاستمتاع بمشاهدة مذه الآثار الأعاجيب من عجائب الدنيا السبع!

          


الأماكن الجميلة في مصر لا تنتهي:
الأماكن السياحية في مصر عديدة، فيمكنك زيارة حديقة الحيوان في الجيزة بما تحتويه من مختلف الحيوانات، كما يمكنك زيارة حدائق (وندرفل لاند) فهي حديقة تشمل مجسمات عن معالم سياحية عالمية وكذلك فيها مدينة ألعاب صغيرة تصلح للعائلات والشباب، كما يمكنك تأجير مركب على النيل الخالد، ويمكنك أن تأخذ عربة كارو (عربات الأحصنة) وأخذ لفة كبيرة أو صغيرة وأنت تركب العربة وهي تعمل حتى الفجر . كما يمكنك العشاء إما في فدريكرز أو في الباشا، فكليهما مطعم على سفينة والممتع فيه الحساس أنك جالس في سفينة على نهر النيل, كما يمكنك زيارة شارع جامعة الدول العربية للعشاء فهو حافل بالمطاعم والمحلات التجارية. ويمكنك في اليوم الآخر التوجه للقناطر الخيرية لأخذ رحلة من أجمل الرحلات النهرية وزيارة مزارع المنجا وأكل الفطير المشلتت حالا من الفرن مع العسل الأصلي. ويمكنك الانطلاق إلى مدينة ألعاب (دريم لاند) حيث ترى عروض مشابه للسيرك أيضا وهناك حفلات غنائية حتى المساء .
من يزور القاهرة لابد أن يزور  قلعة صلاح الدين، فهي مسجد وفيه متاحف جميلة أيضا والغداء في مطعم شهريار، ويمكنك مساء الذهاب إلى مجمع جاردينية.
زيارة الأزهر وأداء الزيارة للحسين عليه السلام في مسجد الحسين أمر مهم، وبعدها يمكنك زيارة خان الخليلي بما فيه من تحف وأرابيسك رائع وملابس منوعة. ولابد لك من جولة التسوق في شارع فؤاد وعمر أفندي فهي أسواق مصرية عريقة وقديمة ولكن منتجاتها جيدة جدا وبأسعار معقولة خصوصا للهدايا.
المتحف المصري الفرعوني في ميدان التحرير يحتاج منك إلى نصف نهار بالأقل لتشاهد المومياءات وستتعجب من المنظر وخصوصا من جثة فرعون موسى، ويمكنك عصرا القيام بجولة وغداء على السفينة الفرعونية حيث تحجز قبل الدخول بيوم كامل وهناك مسابقات وفعاليات جميلة.

             


ولابد لك من يوم أو نصف نهار تقضيه في أهرامات الجيزة، حيث تقطع تذكرة لحضور مهرجان  الصوت والضوء، وهو عبارة عن عرض سمعي بصري مسرحي، تحس فيه أن أبو الهول ينطق وهو أجمل من زيارة الأهرامات صباحاً فالجو مساءا لطيف جدا في المنطقة ويمكنك بعدها ركوب الخيل أو الجمال وشراء العطور الفرعونية.
يمكنك أن تخصص لمدينة الاسكندرية يوما كاملا، حيث يمكنك الذهاب بالقطار ويمكنك حجز الكراسي قبلها بيوم اختار القطار الألماني الدرجة الأولى ، سوف تصل إلى هناك الساعة 10:00 حيث تستغرق الرحلة بالقطار ساعتين اتفق مع تاكسي على يوم كامل وزور الأماكن التالية: القلعة الحربية وهي من عصر المماليك، المنارة،  قصر الملك فؤاد، المتحف الإغريقي، كارفور للتسوق والغداء كل المطاعم الراقية ويمكنك حضور فيلم أيضا وفيه ألعاب ترفيهية للأطفال.
هناك العديد من المطاعم الفاخرة في مصر، وهناك مطاعم متخصصة بالأكلات الشعبية من أشهرها (مطاعم أبو طارق) و(مطاعم الزعيم) للكشري المصري وقيل أن من لم يأكل الكشري فما عرف القاهرة ولكن إياك إياك من (الشَطّة) فإنها تحرق معدتك فحاذر منها!
(يتبع)

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1191 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع