أضطهاد العلماء والمفكرين : 9- كامل قزانجي

                                                                                       


                           فؤاد يوسف قزانجي

      

                  

المحامي كامل بطرس قزانجي،احدى الشخصيات العراقية المثقفة التي ضحت بحيايتها من اجل الحرية والديمقراطية ، وكان ينتمي فقط الى الحزب الوطني الديمقراطي . قضى حياته القصيرة (1908-1959 ) في جهاد وطني غيور،كمثقف عراقي حر، وكتاباته السياسية والفكرية نورت جيل ماقبل ثورة 14 تموز 1958 .

ولد كامل قزانجي في مدينة الموصل في عام 1907 ،وتلقى علومه الاولية في مدارس الموصل، وبعد ان انهى دراسته الثانوية ، سافر الى لبنان للدراسة في الجامعة الامريكية في بيروت، منتسبا الى قسم الاقتصاد السياسي . وبعد ان قضى اربعة سنوات بين 1928-1932  ،حصل على شهادة البكلوريوس وعاد الى العراق، وعين في وزارة الخارجية في وظيفة قنصل في السفارة العراقية في نيودلهي في الهند . ولم يمض سنة في وظيفته حتى اخرج من وزارة الخارجية لان افكاره ضد الحكومة القائمة. واضطر ان يتعين مدرسا لموضوع الاقتصاد في ثانوية النجف بين عامي 1934-1935 وربما انتقل كمدرس بعد ذلك في احدى ثانويات بغداد، لفترة لاتزيد عن سنة. وبعدها قرر ان يدخل كلية الحقوق العراقية ،وبعد اربعة سنوات ، تخرج وسجل نفسه محاميا في نقابة المحامين العراقية، كما انتمى الى الحزب الوطني الديمقراطي.
مؤلفاته
في الفترة بين السنوات 1940-1945 ،نشط في مجال التاليف والترجمة ، وكتابة بعض المقالات عن ضرورة تعزيز الاسس الديمقراطية، واصدار قوانين  تكفل للمواطنين المشاركة في اختيار ممثليهم في مجلس النواب بحرية ، وتعزيز العلاقات مع الدول الاشتراكية . وابرز كتبه التي ترجمها وكتب لها مقدمات تشير الى اتجاهاتها وتاثيرها السياسي في الصراع الدولي اللذي كان قائما في منتصف القرن العشرين:
1- حليفنا الاتحاد السوفيتي. تاليف د.ن. بريت (1945 )
2- الوراثة والعنصرية . (1944 )
3- سقوط الجمهورية الفرنسية الثالثة. (1944 )
4- كيف نربح السلم. تاليف هاري بوليت العضو اليساري في مجلس البرلمان البريطاني.
5- تضامن الديمقراطية الغربية مع الديمقراطية السوفيتية .(1945 )
6- حرية الهند والمستعمرات . تاليف هاري بوليت ايضا (1945)
7- وطننا تاليف ميخائيلوف .
حياته قبل وبعد نفيه الى تركيا
وفي عام 1948 عندما سعت بريطانيا وحكومة صالح جبر على عقد معاهدة بين العراق وبريطانيا،تبين انها مجحفة بحق العراق. وقد انتفض الشباب العراقي، وخرج متظاهرا ومحتجا على توقيع تلك المعاهدة، وكان الانتفاضة الكبرى في بغداد، واحتل المتظاهرون شارع الرشيد الذي كان الشارع الرئيسي في بغداد، على الرغم من محاولة الشرطة رد المتظاهرين بالقوة ولكن بدون جدوى. واستمر التظاهر يوما بعد اخر ، ووقف كامل قزانجي خطيبا واقفا ومعتليا حافة تمثال عبد المجسن السعدون في الباب الشرقي، يحث الجماهير العراقية على الصمود ويعدهم بان اتنفاضتهم،ستحقق مطالب الشعب العراقي في الاستقلال الناجز او الكامل، وفعلا هذا ماحصل اخيرا.
بعد ذلك لما الغيت المعاهدة، وهدأت الاحوال، بدات الحكومة بتصفية اليساريين والديمقراطيين في العراق. وقد اعتقل كامل قزانجي بتهمة الشيوعية، واحيل الى المحكمة ، ولما لم تثبت التهمة عليه، حكم بتهمة اخرى، والقي في سجن بعقوبة لمدة سنتين او ثلاثة سنوات ،ثم اطلق سراحه على الارجح في عام 1951 . وبين عامي 1952-1953 ساهم مع مجموعة من المثقفين واليساريين من الحزب الوطني الديمقراطي ،في تكوين كتلة يسارية انتقدت مشاركة الحزب في الوزارة. وبذلك ازعج كامل قزانجي وكتلته،  الجكومة العراقية ، فالقت القبض على كثير من اليساريين ومنهم كامل قزانجي وتوفيق منير رئيس منظمة انصار السلام، وللتخلص من هذين الشخصيتين، تم الاتفاق مع الجكومة التركية في نفيهمهما ليقبعا في احد السجون التركية الى الابد ،واشترطت الحكومة التركية لترتيب الامر ، ان تسحب الحكومة العراقية منهما الجنسية العراقية ، فتم ذلك . وقبعا في السجن خمسة سنوات  حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 ،حيث اطلق سراحهما . كان كامل قبل نقله الى تركيا قد اخذ حفنة من تراب الوطن العزيز ، ووضعها في جيب قميصه قرب قلبه ، وذكر ذلك كامل بعد عودته ،ان تراب الوطن اعطاه القوة والامل في تحرر العراق وفي احتمال المعاملة السيئة له في السجن .
 أغتيال كامل قزانجي
في عام1959 ، كانت منظمة انصار السلام قد دعت الناس للذهاب الى الموصل والقيام بتظاهرة لاثبات تاييدهم الى الثورة العراقية .فذهب كامل قزانجي مع اصدقاء له في منظمة انصار السلام الى الموصل، وهناك تظاهروا . وبعد يوم او يومين قام العقيد عبد الوهاب الشواف مع مجموعة من الضباط بمحاولة انقلاب على الحكم القائم آنذاك . وفي الموصل قام الانقلابي
 ون بالقاء القبض على كل من يعتبرونه ضدهم، وكان من ضمنهم كامل قزانجي. وقد وصف شاهد عيان، وهو السيد شوكت توما عملية القاء القبض على كامل قزانجي قائلا : “دخلت زقاقنا مجموعة من الاشخاص في سيارة وكان احدهم يرتدي ملابس عسكرية ، وطرقوا بيت السيدة جارتنا التي كانت من اقارب كامل قزانجي ، ودخلوا البيت حال فتحه وطلبوا ان ياتي معهم كامل لان اصدقائه يريدون رؤيته حالا . وعلى الرغم من عدم تصديقه للامر ،لكنه اضطر ان يذهب معهم . وفي اليوم التالي سمعنا عويلا وصوت بكاء عالي ،وعويل عدد من النساء، اتيا من بيت اقارب كامل قزانجي ، فلما نظرنا وجدنا امامنا جثة كامل مرمية امام بيت اقاربه وعلى جسمه آثار عدد من الرصاصات، وعرفنا بعد ذلك ان الذي قتله هوالنقيب محمود عزيز .” ويكمل مأساة اغتياله شاهد آخر قد تحرى كيفية قتله وهو السيد فخري بطرس قائلا :” بعد الانقلاب ،وقصف مقر عبد الوهاب الشواف ، ذهب الضابط محمود عزيز مساعد الشواف الى سجن القلعة حيث سجن كل من اعتقدوا معارضا للانقلاب . وكان غرضه الانتقام لقائده الذي اصيب اثناء القصف، وعند وصول محمود الى سجن القلعة ،وقف في باحة السجن وطلب من العسكريين اخراج المعتقلين واحدا بعد الاخر، وقام الجنود باخراج كامل قزانجي اولا ، فلما وصل الى الباحة ،اصدر محمود عزيز الامر للجنود بقتل كامل ،فانها لت عليه الرصاصات ،وهكذا سقط مضرجا بدماءه . وهنا اعترض الضابط السجين عبدالله الشاوي،الذي كان من ضمن المعتقلين،  على وحشية محمود عزيز قائلا : اننا لن نخرج واحدا واحدا، فاذا اردت ان تقتلنا فتعال واقتلنا جميعا “ وهكذا لم يقتل من المعتقلين سوى كامل قزانجي، ذلك الانسان النبيل والطيب الذي احب بلاده وقدم نفسه في الصفوف الاولى للاستشهاد في سبيله .
جرى تشييع المرحوم كامل قزانجي في بغداد بعد ايام،وسار في جنازته جميع اهله واقاربه ومريديه مع حوالي نصف مليون شخص،وقد نشرت معظم  الصحف العراقية في ذلك اليوم الخبر على صفحتها الاولى .

اهم المصادر
1- اعد المحامي عزيز شريف كتيبا عن (محاكمة كامل قزانحي) طبع في حينه في اوائل الخمسينات من القرن الماضي.بغداد، مطبعة الرجاء،بدون تاريخ . نسخة منه موجودة في المكتبة الوطنية.
2- كتب عن سيرته بشكل موجز الباحث حميد المطبعي،برجاء مني، ونشرها في الجزأ الثالث من موسوعته المتميزة (اعلام العراق في القرن العشرين) بين الاعوام 1986-1991 .
3- كتب الدكتور عمر الطالب عن سيرته بايجاز ايضا، على الارجح نقلا عن الباحث حميد المطبعي.
4-كتب عنه الباحث الشماس يوسف حودي،ضمن سلسلة مقالات عن اعلام الموصل في موقع عينكاوة في اربيل عام 2012
5- كتب الاديب فخري بطرس،عن كامل قزانجي كشاهد عيان في الموصل في عام 1959 ،ونشر مقالته في موقع  عينكاوة المتميز في يوم 10/7/2010
6- كتب عنه السيد شوكت توما ،باعتباره ثاني شاهد عيان على اغتياله، في موقع زوعا اي الحركة الاشورية الديمقراطية .
7- كنب عنه ايضا الاديب المعروف مهدي شاكر العبيدي بتاريخ 20/6/ 2011 في موقع مركز النور .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1454 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع