من "الكِيبوتسِ الإسرائيليِّ" الى فَيْلَقِ القُدْسِ: سر الدولة العميقة!

أ.د. عبدالسلام سبع الطائي/ أستاذ علم الاجتماع

من "الكِيبوتسِ الإسرائيليِّ" الى فَيْلَقِ القُدْسِ: سر الدولة العميقة!

محفّزات فكرية للحوار والتأمل النقدي: نتساءل بهذه الورقة:
منِ: انتَزَعَ مِنَ الآخَرِ او لقَّن الآخر "شفرة الاحتلال" في المنطقة العربية، الفرس أم اليهود؟
و من خطف مفاتيح السيطرة على الأحواز وفلسطين؟ الفرس أم اليهود؟
هل كانت تلك العلاقة تناقلًا استراتيجيًا للسيطرة، أم صراعًا على الاحتكار الفكري والسياسي للهيمنة الإقليمية؟ .ستشكّل هذه التساؤلات محورًا لفهم الترابط بين الإرث العقائدي والفكر السياسي، وتفتح آفاقًا لإعادة تقييم دور العقائد الباطنية والفكر التاريخي في هندسة النفوذ والسياسات الإقليمية.
مقدمة: التاريخَ يُخفي أكثرَ ممّا يُفصِح!
في عالمٍ لا يُشبه — وربما لا يريد أن يُشبه — جزءًا من عالمنا العربي، لا تُصاغ السياسات فيه على وقع التصفيق، ولا تُنسَج بخيوط الخطابة، بل تُرسم الخرائط دون استشارة من يسكنها، وتُهندَس القرارات في غرفٍ مغلقةٍ، حيث تبرز فيه إسرائيل وإيران كنموذجين متقابلين في الظاهر، لكونهما يجتمعان – أي الفرسُ واليهودُ – في الجذر والفكر؛ فـالباطنيةُ عقيدةٌ ومنهجٌ، اتخذتِ التأويلَ وتحريفَ القرآن وتشويهَ الأديان وسيلةً لتحقيق المصالح عبر التاريخ. ومن الطين إلى الطغيان، تجسدت هذه العقيدة في بناء إمبراطوريات الظل، التي هندسة مفهوم الدولة العميقة؛ من مزارع الصهاينة إلى ميادين طهران، ومن المزرعة إلى الميليشيا، تظل العقيدة الباطنية هي التي تصوغ ملامح الدولة العميقة في بلاد فارس الكبرى وإسرائيل الكبرى.
سَرْديَّةُ العَقيدةِ في بِنَاءِ الدَّوْلَةِ العَميقةِ!
الفرس واليهود كلاهما أتقن فن صناعة النخب العقائدية، وتطويع الإنسان ليكون أداةً في مشروع توسعي يتجاوز حدود الجغرافيا. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: من علّم ام لقَّن الآخر؟ هل استلهم الفُرسُ من المكر الصهيوني، تقنيات بناء الدولة العميقة، ونقض العهود؟ أم أن اليهود اقتبسوا من الحوزة الفارسية وصفة هندسة النفوذ العقائدي؟ إنها معركة سرديات، لا تُحسم من قبلنا كعرب بالمدافع فقط، بل بالعقول المؤمنة والمُبرمَجة على حب الله والعلم والوطن! في قلب التحولات الجيوسياسية التي تعصف بالعواصم العربية والشرق الأوسط هذه الأيام، من قبل إسرائيل وإيران، تتجلى ديناميكيات هندسة العقيدة وصناعة قادة الحكم كأدوات استراتيجية لإعادة تشكيل موازين القوة الإقليمية.
وبالتالي، تبرز أنماط غير تقليدية من التنظيمات العقائدية، التي لا تكتفي بتأدية وظائفها المحلية، بل تتجاوز ذلك لتُعيد تشكيل النخب السياسية والعسكرية وغيرها، وتسهم في صياغة ملامح الدولة. ومن بين هذه النماذج، يبرز "الكيبوتس الإسرائيلي" والحرس الثوري الإيراني كمجتمعين "ماسونيين" مغلقين؛ متباينين ظاهريًا في الأيديولوجيا، لكنهما، عقائديًا، يشكلان قواعد فكرية مشتركة بين "النواة الولائية" و"النواة التوراتية" الفارسية الصهيونية. ويشتركان في القدرة على هندسة العقيدة، وإعداد السياسيين، والقادة الاصطناعيين، ورجال الدين "الاصطناعي"! أو — وربما الأدق — "رجال الطين الاصطناعي!"
فالكيبوتس، الذي نشأ كحاضنة في بدايات المشروع الصهيوني، تحوّل إلى مصنع للنخب العسكرية والسياسية في إسرائيل. بينما الحرس الثوري، الذي تأسس لحماية الثورة "الإسلامية"، بات ينتج نخبًا عقائدية تتحكم في مفاصل القرار الإيراني، والعراقي، واليمني وغيره. كلا النموذجين يُعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة، وبين العقيدة والسلطة، في سياق صراع إقليمي تتداخل فيه الحدود بين الأمن، والهوية، والرمزية السياسية.
بناءُ النُّخَبِ بالطِّينِ الاصطناعيِّ في الغُرَفِ المُغلَقةِ!
تُعَدّ تقنيات بناء النخب السياسية والدينية الاصطناعية داخل غرف الظل، بهدف إيصالهم إلى مراكز القرار، من أبرز آليات التشكيل في البيئات المغلقة؛ وهي بيئات يتداخل فيها الدين والسياسة والهندسة الاجتماعية بشكل معقّد. ففي تلك المساحات المعزولة، يُعاد إنتاج الجنرالات المصنّعين على يد "أنبياء مزيفين" نشأوا في أحشاء الحوزة الفارسية و(الكيبوتس الإسرائيلي). وهناك، لا يُصاغ الإنسان ليؤمن، بل ليُطيع؛ وليتحول إلى أداة جيوسياسية تُخترق بها السيادة، وتُعاد من خلالها هندسة خرائط النفوذ تحت شعارات الدين والوطن، وفقًا لجملة من التقنيات البنيوية التالية:
????أولًا: البنية العقائدية والتنظيمية
النخب الاصطناعية التي نشأت في بيئات مغلقة ومؤدلجة، مثل "الكيبوتس" الإسرائيلي و"الحرس الثوري" الإيراني، تسعى إلى إعادة تعريف مفهوم السيادة الوطنية. وقد أفضى ذلك إلى حالة "يُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة" — أي الإنسان التافه. وعليه، تعد الكيانات المغلقة المذكورة أدناه بمثابة معامل عقائدية تهدف إلى تحقيق النوايا التالية:
الكيبوتس: شكّل نواة للهوية "الإسرائيلية" المستحدثة، وخرّج العديد من القادة العسكريين والسياسيين.
الحرس الثوري: مؤسسة عسكرية وأيديولوجية تُعيد إنتاج النخب الفارسية، ومن والاها خارج إيران.كلا النموذجين يُغرس فيهما الانتماء والولاء لإسرائيل وإيران، ويُنتجان أفرادًا مهيئين نفسيًا للعمل في بيئات عقائدية مغلقة.
????ثانيًا: الوظيفة الأمنية والعسكرية
الكيبوتس: لعب دورًا دفاعيًا في الحروب العربية–الإسرائيلية، خاصة في المناطق الحدودية، حيث تحوّل سكانه إلى مقاتلين عند الحاجة.
الحرس الثوري: يُعد الذراع العسكري والسياسي للنظام الإيراني، ويتولى مهام داخلية وخارجية، بما في ذلك العمليات الإقليمية، كما يحصل في الدول العربية عبر "فيلق القدس" (مثل العراق، الأحواز، لبنان، سوريا، اليمن، وغيرها). في الحالتين، نجد تداخلًا بين الحياة المدنية والجاهزية العسكرية، ما يخلق نمطًا من المجتمع المقاتل المشترك بينهما.
????ثالثًا: هندسةُ النُّخَبِ للتَّصديرِ الأيديولوجيِّ
لقد لعبت "الكيبوتسات" ومؤسسات الحرس الثوري الإيراني دورًا محوريًا في التربية القومية، والتنشئة السياسية، وبناء ما يُعرف بـ"الإنسان الإسرائيلي–الإيراني الفارسي الجديد"، وذلك من أجل إنتاج سياسيين ورجال دين بطابع مصطنع، كطين اصطناعي معدّ للتصدير الأيديولوجي. وقد تحولت هذه المؤسسات لاحقًا إلى أدوات اندماج وتطويع للفئات الهامشية، مثل: الأيتام، والمشردين، ومجهولي النسب، والأحداث. ويجسّد الاستغلال المنهجي لفئات الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وخصوصًا ذوي الإعاقة، ملامح استراتيجية عابرة للحدود، تعتمد على توظيف الثغرات القانونية لتجنيد هذه الفئات في سياقات أمنية وعقائدية مغلقة. فهذه الفئات، المحصنة قانونيًا من المساءلة، تُعد أرضًا خصبة للتوظيف في عمليات إرهابية وتخريبية خاصة.، حيث تم تجنيدهم بعد احتلال العراق 2003 بالتفجيرات في بغداد ب_ سوق الغزل_ وغيره بأعمال إرهابية، ناهيكم عن دول أخرى!
رابعا: "كيبوتسات" إسرائيل،: من غرف الطين الاصطناعي إلى غرف القرار: قادة تخرّجوا منها:
موشيه دايان – وزير دفاع وخارجية، (نشأ في كيبوتس دغانيا أ، أول كيبوتس في فلسطين).
إيهود باراك – رئيس وزراء سابق، وزير دفاع، وقائد سابق للجيش.
إسحاق رابين – رئيس وزراء ووزير دفاع سابق.
شمعون بيريز – رئيس دولة ورئيس وزراء سابق.
أريئيل شارون – رئيس وزراء وقائد عسكري وغيرهم.
????خامسا: "كيبوتسات" إيران — من الطِّينِ إلى المِنبرِ لتَصديرِ العَقيدةِ!
ندرج طيا ادناه، مؤسسات برمجة السياسيين ورجال الدين الاصطناعي في إيران لتصديرهم:
(قوات التعبئة الشعبية (الباسيج – Basij): مؤسسة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري، تضم ملايين المتطوعين، بينهم طلاب جامعات ومدارس، وتُمارس أنشطة تربوية، دينية، أمنية، واجتماعية.وهو ذات الحال بالحشد الشيعبي في العراق .
???? الجامعات التابعة للحرس الثوري: مثل جامعة الإمام الحسين وجامعة الإمام الصادق في إيران والعراق. تقدّم مناهج دينية وأمنية وعسكرية متخصصة. وقد تحولت إلى مراكز لإنتاج رجال الدين والسياسيين الاصطناعيين، وانتقل هذا النموذج إلى العراق بعد التغلغل الإيراني.⚔️ المعسكرات التدريبية العقائدية: تُشرف عليها وحدات الحرس، مثل فيلق القدس والقوة البرية، وتُقدّم تدريبات عسكرية مكثفة. ويُعد الحشد الشعبي والنجباء وزينبويون وفاطميون وغيرها أحد تشكّلاتها.
???? المدارس الدينية المرتبطة بالحوزة: تستقطب القادة لتلقّي تعليمهم في حوزات مذهبية متطرفة، خاصة تلك التي تتبنى فكر "ولاية الفقيه"، المنتشرة حاليًا في كربلاء، النجف، وسامراء والتابعة للعتبة العباسية.
???? التجربة الميدانية في الحرب العراقية–الإيرانية: حيث تخرّج العديد من القادة البارزين، مثل المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وصولاغ والاعرجي وغيرهم، من ساحات القتال (1980–1988)، ما منحهم "شرعية ثورية" داخل مؤسسة الحرس.
????الخلاصة
يتضح أن السياسيين ورجال الدين الاصطناعي، الذين تبلورت أفكارهم داخل "الكيبوتس الإسرائيلي" والحرس الثوري الإيراني، يشكلون قواعد فكرية مشتركة بين "النواة الولائية" الفارسية و"النواة التوراتية" الصهيونية. هاتان ليستا مجرد مؤسستين تنظيميتين، بل منظومتان عقائديتان وامنيتان مغلقتان، تُوظَّفان سيكولوجيات الحقد والكراهية بخبث ودهاء ضد العرب والمسلمين، لإعادة إنتاج الهوية الوطنية، وصياغة النخب السياسية والدينية وفق نماذج اصطناعية محكمة. فهم مصمَّمون بعناية، وبلحى اصطناعية وولاءات مصطنعة، تخدم مشاريع داخلية وخارجية تتجاوز حدود الدولة. ورغم التباين الظاهري بينهما في السياقات الثقافية والسياسية، فإن التماثل في النوايا والبنية التنظيمية والعقائدية يكشف كيف يمكن للتنظيمات الولائية والتوراتية (الماسونيتان) أن تُعيد تشكيل الدولة من الداخل، وتُعيد تعريف مفاهيم السيادة والشرعية والهوية في العراق والشرق الأوسط القادم.
???? المراجع الأكاديمية
الورقة: معدة بتقنية الذكاء الاصطناعي
 Katzman, K. (1998). The Iranian Revolutionary Guard Corps: Its genesis, structure, and role. Abu Dhabi: Emirates Center for Strategic Studies and Research.
 Al-Sarkhi, A. (2007). The Kibbutz: From inception to 2007. Ramallah: Madar Center for Studies.
 Kalalish, T. (2022, October). The impact of the Israeli "Octopus Doctrine" on the stereotypical image of the Iranian Revolutionary Guard. Iranian Studies Journal, 6(16).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1013 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع