العلامة الدكتور إبراهيم السامرائي، مائة عام على ولادته

صبيح صادق

العلامة الدكتور إبراهيم السامرائي، مائة عام على ولادته

بدا حياته حزينا وأنهاها مغتربا أكثر حزنا

كما هو حال الكثير من العلماء العراقيين، فإن الدكتور السامرائي، تلك الشخصية اللامعة التي أفنت عمرها في سبيل العلم والثقافة، لم ينل حظه من الاهتمام إلا من قبل القليل من الباحثين.
أستاذي وصديقي، الدكتور السامرائي، على علمه الواسع، شخصية في غاية التواضع، على الرغم من أنه كان يبدو للبعض بأنه شخصية متعالية، ولكن في الحقيقة ليس كذلك، وقد تكون مسحة الحزن التي تبدو عليه هي السبب في تصور البعض بأنه شخصية صعبة، وإذا كان صعبا مع طلابه، أو أنه كان كثير الطلبات منهم، فإنه كان يطبق نظريته التي اتبعها طيلة حياته، وهي أن يكون الطالب مثلة نشاطا وتفانيا في سبيل العلم.
ولد السامرائي بمدينة العمارة، عام 1923. توفي والداه وهو طفل، ولمّا يبلغ السابعة من عمره، فتولت الخالة تربية الطفل. أكمل دراسته الأولية في العمارة ثم التحق بدار المعلمين الابتدائية ببغداد، وتخرج عام 1942. تم تعيينه معلما، بعدها التحق بقسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية وتخرج منها عام 1946. درس على يد شخصيات مهمة، امثال طه الراوي، ومصطفى جواد، وعبد العزيز الدوري.
بعد تخرجه، تم تعيينه مدرسا بـ "كلية الملك فيصل"، وفي عام 1948 سافر في بعثة الى فرنسا للحصول على الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس، وهناك التقى بطلاب آخرين: علي جواد الطاهر وعلي الزبيدي وعاتكة الخزرجي.
درس السامرائي على يد المستشرق بلاشير والمستشرق جان كانتينو، وخلالها أعد رسالته الكبرى، وهي: "الجموع في القرآن مقارنة بصيغ الجموع في اللغات السامية"، والرسالة الصغرى: "المثل السائر لضياء الدين ابن الأثير"، ونال شهادة الدكتوراه عام 1956. كانت "لجنة المناقشة تتكون من الأستاذ ليفي بروفنسال عميد المعهد الإسلامي رئيساً، وعضوية الأستاتذة: بلاشير، وكانتو، وشارل بلا، ولاووست، وحصل على درجة الدكتوراة بمرتبة الشرف الأولى.
مع نوري السعيد
في باريس، لاقى السامرائي مشكلة مالية في الأشهر الأربعة الأخيرة، بسبب انتهاء فترة دراسته، ولم يكن هو السبب في ذلك التأخير، وانما بسبب تأخير الجامعة لمناقشة رسالته، فتوسط له الملحق الثقافي آنذاك سليم النعيمي لدى دائرة البعثات ببغداد، لكن جهوده باءت بالفشل، وظل السامرائي في حيرة من أمره، ولا يعرف ماذا يفعل. ثم إذ صادف أن يقوم رئيس الوزراء العراقي أنذاك، نوري السعيد بزيارة إلى باريس، فمر على السفارة العراقية، وهناك استغل الملحق الثقافي سليم النعيمي الفرصة كي يعرض مشكلة السامرائي الذي ظل دون معونة مالية، مع انه لم يكن هو السبب في تأخير مناقشة رسالة الدكتوراه.
يروي لنا الأستاذ عبد الحميد الرشودي هذه الحادثة بقوله أن الملحق الثقافي سليم النعيمي ذكر لرئيس الوزراء نوري السعدي:
"إن وزارة المعارف في بغداد لا تيسر في مهمتي، فهي ترفض ما اكتبه حين أرى أن كثيرا مما اطلبه هو حقي ينبغي أن أحصل فيه على موافقة رسمية، فقال السيد نوري السعيد، اذكر لي اخر طلب لك رفضوه فقال النعيمي ان الوزارة رفضت طلبا طلبت فيه أن نوافق على منح الطالب الجاد ابراهيم السامرائي مخصصات أربعة اشهر تاخذ فيها عن غير تقصير منه بل ان الامر هو انه تاخر لأن جامعة السوريون لم تستطع تعيين اعضاء لجنة المناقشة. فلم يكن من السيد نوري السعيد الا أن سجل الاسم وخصوصية المسالة، ولما عاد الى بغداد جاءت الموافقة السريعة".
عمل السامرائي أستاذا في جامعة بغداد، ثم انتدب للتدريس في عدة دول، عاد بعدها الى العراق عام 1975، حتى احيل الى التقاعد عام 1980.
انتخب السامرائي عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومجمع اللغة العربية بدمشق، ومجمع اللغة العربية الأردني، واللجنة المعجمية التونسية، والمجمع العلمي الهندي، والجمعية اللغوية الفرنسية. وقد أبدى الكثيرون امتعاضهم من أنه لم يكن عضوا في المجمع العلمي العراقي، ومنهم صديقه الأستاذ عبد الله السريح، صديقه الأستاذ عبد الله السريحي، الذي استغرب أن: "يستثنى من ذلك المجمع العلمي العراقي الذي يفترض أن يكون انتسابه إليه من المسلمات".
هجرة السامرائي
في عام 1980، غادر السامرائي العراق للعمل في اليمن، وفي عام 1991 اتجه إلى الأردن حتى وفاته عام 2001، وهناك دفن.
لم يسعد الدكتور السامرائي بهجرته، فبعد أن كان يظن بأنه سيلقى الترحاب، لشهرته ومعرفته اللغوية الواسعة، ومؤلفاته المهمة، لم ير ما كان يتوقعه من اهتمام يتناسب مع منزلته. كتب يقول في سيرته الذاتية، التي كتبها عام 1995:
"...وهكذا انتهى العراقي ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه. أفيكون لي أن أردد ما كنتُ قد قلتـُه منذ سنوات:
إن كنتَ في بلدٍ شقيق ورَويتَ من وادي العَقيقِ
فلأنت أضيـَعُ من تكــون وأنـت في البلــد الشقيق"
استمر السامرائي في المهجر، يعمل بجد ونشاط نشاط، وقد لاحظ ذلك إبراهيم العجلوني المسؤول الإعلامي في الجامعة الأردنية، حيث ذكر في صحيفة الرأي:
"إن أبا علي كان يقضي الساعات الطوال في مكتبة المجمع، يقرأ ويكتب، ويحاور من يختلف إلى المكتبة من أساتذة العلم وطلبته، وأنه كان انمودجا للمعلم الرائد الذي لا يظن بمعارفه، إلى روعة أسلوب ودماثة خلق وبالغ حكمة هيهات أن تتوافر في امرئ، ثم يعقـّه قومه ولا يقدرونه قدره، إلا كانوا هم الأخسرون".

معاناته مع دائرة الإقامة
عانى السامرائي كثيرا في هجرته، وخاصة فيما يتعلق بمعاملات الحصول على الإقامة، وكان آنذاك أستاذا محاضرا في كلية الاداب بالجامعة الأردنية، ومن أجل الحصول على الإقامة كان عليه أن يطلب من الجامعة كتابا رسميا يؤيد أنه يعمل أستاذا محاضرا فيها، يقول أحمد العلاونة: " ... ولكن الجامعة ابَتْ عليه هذا الشيء، وقيل له : إن الجامعة لا تلتزم بشيء مع المحاضر، ثم ذهب إلى مجمع اللغة العربية الأردني، وطلب أن يُزوَّد بكتاب ينص فيه على انه (عضو مؤازر) في المجمع فكان له هذا، وذهب بكتابه هذا إلى وزارة الداخلية ليُمنح حق الإقامة، ... ثم اخبره ضابط الأمن في مركز الأمن بالشميساني أن يأتي بعد يومين ليتسلم بطاقة الإقامة، فلما جاء، أخبره الضابط أن المسؤول الكبير في الأمن راى في كتاب وزارة الداخلية عبارة (مهنة عضو) فاعترض وقال: إن أمر المهنة يخص وزارة العمل، فأحُبط مسعاه، فكان عليه ان يبدا العمل ثانية، فالتمس من صديق صاحب مكتب هندسي ان يزوّده بورقة، يقول فيها: إنه يعمل في مكتبه ففعل هذا، وذهب السامرائي بورقته هذه إلى وزارة العمل ودفع (المعلوم) وهو (122) ديناراً، فحرّرت له بطاقة صغيرة فيها صورته الشمسية هي (التصريج بالعمل)، كما يفعل سائر من يعمل من العمال، وغيرهم في المرافق كافة، فقال قصيدة مع (التصريج بالعمل) ومطلعها:
أتظنها إشراقةَ الأملِ ان نِلتَ تصريحاَ إلى عَمَلِ؟"

شكواه من منح درجات الدكتوراه
طغت على السامرائي المرارة لما كان يراه من هبوط المستوى العلمي، خاصة فيما يتعلق بمنح درجة الدكتوراه دون استحقاق، يقول وديع فلسطين:
"وعندما خاطبتُ السامرائي بلقبه السـُّوربوني وهو (دكتور) رجاني أن أعفيه من استخدامه قائلاً: إنه لم يعد يذكره على أغلفة مؤلّفاته، ويوقـّع به دراساته وبحوثه، بعدما هزل استخدام هذا اللقب على أيدي (الدكاترة) المحدثين".
وقد نعاه صديقه الأستاذ صبحي البصام من إنكلترا "إن عاش يهزه الحنين إلى وطنه، فكذلك هي عيشتي، وإن مات في دار الغربة فكذلك ستكون ميتتي. اللهم ارحم إبراهيم السامرائي ويسّر حسابه، وكثّر ثوابه، وعوّض اللغة العربية من جليل علمه وسابغ فضله ".
من ذكريات صديقه الأستاذ البصام مع الدكتور السامرائي، في سنوات الأربعينيات، يقول:
"صداقتي للأستاذ الدكتور إبراهيم السامرائي بدأت سنة 1944، حين كئا ندرس بدار المعلمين العالية ببغداد، وإني لأذكر أيام كنا نقعد أنا وهو في مقهى البرازيلية بشارع الرشيد في بغداد سنة 45 و 46 فنتفاوض في امور اللغة، ونتحدَث في لغة الجرائد التي كان لها أثر في فساد اللغة العربية، فيختار كل منا لفظة منها ويصلحها".
وقد اشتكى الكثير من الأساتذة والباحثين من الإهمال غير العادي الذي تلقاه الدكتور إبراهيم السامرائي، ومن هؤلاء الأستاذ عبد الله يحيى السريحي في كتابة إبراهيم السامرائي، الانسان والكتاب حيث قال: " مع ما قدمه الأستاذ السامرائي لأمته ولغته من خدمات جلى إلا أنه لم ينل ما يستحقه من الاهتمام، والرعاية، والتكريم الذي يليق بمكانته وإسهاماته العلمية".
يقول أحمد العلاونة: "إنه سمع أنّ احد مدرّسي قسم اللغة العربية قال "إن السامرائي جاء ليقاسمنا لقمة العيش، فترك التدريس ونظم قصيدة "في لقمة العيش" مطلعها::
لا لن تنالَ فأنت مُغْتَرِبٌ عافٍ بطيءُ الخَطْوِ مُحْتَسِب"
وفي إحدى المرات، قال الدكتور شوقي ضيف للسامرائي: "في كل عام تفتتح جامعة أهلية في الأردن، فلماذا لا تتقدم إليها بطلب للتدريس؟، فقال السامرائي: "أنا لا أتقدم، إن رغبوا فليأتوا إليّ ".
ويشتكي الأستاذ رياض العزاوي من ظاهرة الإهمال التي لم يستحقها الدكتور السامرائي، فيتساءل:
"هل اعطى المكانه اللائقة به؟ ياتيك الجواب سريعا لا . فلا العراق بلده قد كرمه واحتفى به وأنزله منزلته، بل لم ينتخب عضوا في المجمع العلمي العراقي، مع انه عضو في مجاميع اللغة العربية في القاهره وعمان ودمشق والمجمع الهندي . . اصطفاه الله بجواره في عمان ودفن فيها ولم يشيعه إلاّ قلة. كان أمـّة في رجل خذلته الأمّة، خذله دعاة الاقليمية وخذله الحاسدون وخذله كارهو النقد وظل الاحساس بالوحدة والعقوق يحاصره حتى اخر لحظة من حياته المثقلة بالغربة والتشرد والتجاهل".

كتبوا عنه:
وعلى الرغم من عدم الاهتمام بالدكتور إبراهيم السامرائي، فقد كان هناك من اهتم به وكتب عنه، ومن جملة من كتب عنه: أحمد العلاونة، وعبد الله يحيى السريحي، وحسين الهنداوي، وحمد الجاسر، ومحمد صالح، وصباح علاوي خلف، وحليم حمد سليمان، وعمار صبار كريم، وعبد الكاظم جبر، وجمال العتابي.
وقد درس صلاح نيازي ما قدمه إبراهيم السامرائي من خدمات للغة العربية، ومنها تنبهه إلى بعض التعبيرات الشائعة في الصحف والمجلات العربية، ذات الأصل الأجنبي. كتب صلاح نيازي: إن "بعض التعبيرات الشائعة في الصحف والمجلاّت ونتصورها من اللغة العربية وما هي كذلك، وانما هي ترجمات لتعبيرات أجنبية استسيغت فأصبحت جزءاً لا يتجزأ من لغتنا. من هذه التعبيرات مثلا، كما أوردها السامرّائي:
" ذر الرماد في العيون / حرق البخور لسيّده / أعطى وعداً / حجر عثرة / مع الأسف أخذ بنظر الاعتبار /لتقلب صفحة جديدة / عاصفة من التصفيق / حجر الزاوية / طلب يدها / نحت الدرس / إصلاح جذري / يعّلق أهمية خاصة / لا يرقى إليه الشك / وجهات النظر / يضحك على الذقون... الخ".
مؤلفاته:
مؤالفات السامرائي كثيرة، منها: فقه اللغة المقارن؛ العربية تاريخ وتطور؛ التطور اللغوي التاريخي؛ تنمية اللغة العربية؛ لغة الشعر بين جيلين؛ في مجلس المتنبي؛ الأمثال العربية؛ لغة الشعر بين جيلين، الفعل زمانه وأبنيته. دراسات في اللغة؛ مباحث لغوية؛ التطور اللغوي التاريخي؛ التوزيع اللغوي الجغرافي في العراق؛ في الصناعة المعجمية؛ معجميات؛ الدخيل في الفارسية والعربية والتركية؛ المعجم الوجيز في مصطلحات الإعلام؛ معجم الفرائد؛ معجم ودراسة في العربية المعاصرة؛ نظرات في المعجم الكبير، بالاشتراك مع الشيخ حمد الجاسر؛ تحقيق كتاب العين لمنسوب للفراهيدي، بالاشتراك مع الدكتور مهدي المخزومي؛ النخل لأبي حاتم السجستاني؛ المرصع في الآ باء والأمهات لابن الأثير؛ الأمكنة والجبال للزمخشري؛ وغيرها من المقالات والبحوث المنشورة في الصحف والمجلات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

784 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع