«لعبة» الذاكرة !

عائشة سلطان

«لعبة» الذاكرة !

هل يعرف أحدنا معنى ذلك الإحساس بقوة وعظمة الذاكرة؟ ذلك الإحساس الحقيقي بالوفاء الذي يجعلك تعود إلى الوراء 26 عاماً كاملة في غمضة عين عبر صورة قادحة تفتح في رأسك عمراً وعالماً ومرحلة عبرت ولن تعود، لكنها راقدة في تلافيف روحك، صورة مرفقة برسالة صوتية، تفتح دفتر الغيب الذي مضى نوافذ تطل منها وجوه وأشخاص وأسماء وأحداث؟

شعور غريب أحدثته تلك الصورة في نفسي، صورة لعبة عبارة عن عروسة حلوة بشعر أشقر وثياب ملونة مبهجة، يقال لك إنها تعود لسنوات بعيدة، وإنها تخصك، ولا زالت موجودة كما هي على حالتها، التي أحضرتها فيها منذ تلك الأيام البعيدة كهدية لطفلة لم تكن تتجاوز ثمانية أعوام!

تنظر إلى صورة اللعبة، وإلى صاحبتها الصغيرة التي كبرت وأصبحت اليوم أماً، وتحاول أن تتذكر، تستعيد تلك اللحظة التي اشتريت فيها اللعبة، ثم حملتها إلى بيت تلك الطفلة وأهديتها إياها، فضجت بالفرح حتماً، وامتلأ الفضاء بالبهجة بلا شك، لكنك لا تتذكر شيئاً من ذلك كله، لقد نسيت كل تفاصيل الحدث تماماً، فلا تعلم أين ضاعت تلك التفاصيل، تنتبه إلى أنك تتذكر أشياء أكثر وأعمق، لها علاقة بالصداقة والمحبة والعاطفة، والعلاقات الشفيفة والعمر الجميل، والأيام التي كانت بسيطة وصادقة.

تذكرت منزل الصغيرة أو التي كانت صغيرة، وتذكرت إخوتها ووالدتها، أمينة المختبر في مدرسة العوير، التي كنت أعمل فيها، تذكرت فترة ما بعد العودة من الولايات المتحدة عندما استلمت وظيفتي كمساعدة مديرة هناك، فإذا بي أجد المدرسة بعيدة جداً عن منزلي وعن طموحاتي، ومع ذلك فقد ذهبت بحماس شديد وجدته غريباً في نفسي، التي لا تتحمس للأشياء الغريبة.

بعد زمن قصير جداً وجدتني أحب كل تفاصيل «العوير» الأمكنة والفضاء والمدرسة والمعلمات والطالبات، الأمهات والعاملات البسيطات وحراس المدرسة، الذين بدوا لي غريبي الأطوار أحياناً، أحببت تفاصيل التفاصيل بلا جهد ولا مقدمات، ليس سوى ذلك الرابط العميق النابع من الجذر الإنساني، الذي كان يربط الجميع.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

770 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع