أهل السنة والجماعة وهوية الأمة 1-2

                                         

                      د. محمد عياش الكبيسي
 
في خضم الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة خاصة في سوريا والعراق، وظهور المشروع الشيعي الطائفي بشكل لم يعد يخفى على أحد،

وظهرت الحاجة إلى تعريف الطرف المقابل والمستهدف أصلا في هذا المشروع وهم أهل السنة والجماعة، ومن هنا بدأ هذا المصطلح يتردد في المحافل الثقافية والسياسية لكن مع شيء من الضبابية، فهناك مثلا من يظن أن أهل السنة والجماعة هم مذهب من المذاهب العقدية أو الفقهية، أو أنهم طائفة تقابل الطوائف الأخرى، وعليه فهو لا يرى المشكلة إلا بعنوانها الطائفي والذي ينأى الكثيرون بأنفسهم عنه، وهذا قد أفقد الأمة تماسكها وحصانتها أمام أشد الأخطار التي تستهدف وجودها وهويتها.
يتكون هذا المصطلح من كلمتين مفتاحيتين (السنة) و (الجماعة) وبتحليل هاتين الكلمتين نتمكن من فهم دقيق وعلمي لما يعنيه هذا المصطلح.
تطلق السنة على ثلاثة معان معروفة عند أهل العلم وهي:
أولا: السنة بمعنى (الحديث) وهي هنا المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن الكريم.
ثانيا: السنة بمعنى النافلة والمندوب الذي يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وهي هنا حكم تكليفي محدد ومعروف عند الفقهاء.
ثالثا: السنة بمعنى الطريق والمنهج الكامل الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الوارد في الحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ..) رواه ابن ماجه وغيره، فالسنة هنا هي الإسلام قرانا وسنة وعقيدة وشريعة، وهذا هو المعنى المناسب لمصطلح أهل السنة، فهم على منهج الرسول بشكل عام وشامل، أما اهتمامهم بالحديث النبوي أو تمسكهم بالنوافل فهو نتيجة طبيعية لهذا الانتماء.
أما (الجماعة) فمن المقطوع به أنه لم تكن هناك جماعات أو أحزاب على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أطلقت هذه اللفظة أيام رسول الله فلا يمكن أن تحمل إلى على جماعة المسلمين (الأمة)، وهذا بالضبط هو المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة) الترمذي والنسائي وغيرهما، وليس هناك من معنى آخر يمكن اعتماده، وعليه فالجماعة هنا هي الأمة، كما أن السنة هي الإسلام، ولذلك فأهل السنة هم أمة الإسلام وبدلالة التطابق التام، وكل من ينسبهم إلى طائفة أو مذهب محدد فعليه أن يأتي بالدليل.
ربما هناك تساؤل وجيه بهذا الصدد وهو أنه ما المبرر لاستخدام هذا المصطلح إذا كان لا يضيف معنى زائدا على معنى الإسلام وأمة الإسلام؟ وقد يصل هذا التساؤل إلى نوع من الاحتجاج، فتسمع بعضهم يقول: أنا لست سنيا ولا شيعيا، أنا مسلم! وهو من الناحية العملية لا يمكن أن يكون صادقا.
صحيح أن هذه الأمة سماها القرآن الكريم بقوله: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)، لكن بعد خروج الفرق المنحرفة عن مسمى الإسلام أو مسمى المسلمين مع تمسكهم بالاسم اقتضت الحاجة أن نميز بين هؤلاء على اختلافهم وبين الأمة التي لم تزل متمسكة بعقيدتها وهويتها والممتثلة لوصيتي نبيها (عليكم بسنتي) و (عليكم بالجماعة).
إن اختيار مصطلح (أهل السنة والجماعة) عند خروج الفرق والطوائف المختلفة في تلك المرحلة من التاريخ يشبه ظهور مصطلح (الإسلاميين) اليوم، والذي يميز الجماعات الإسلامية عن الجماعات المتأثرة بالثقافات الأجنبية كالعلمانية والليبرالية، مع فارق جوهري أن مصطلح (الإسلاميين) يتناول النخبة العاملة للإسلام ولا يتناول السواد الأعظم في الأمة، بخلاف مصطلح (أهل السنة والجماعة).
ربما هناك تخوف أيضا من قصر هذا المصطلح على نمط معين من الاجتهاد، مما يجعله مصطلحا إقصائيا ومانعا من التنوع والإبداع، والحقيقة أن هذا المصطلح ليس من شأنه أن يضيف حكما محدثا أو طريقة جديدة في التعامل مع الأفكار والآراء والاجتهادات، فالمقبول عند أهل السنة ما كان مقبولا في الإسلام، والمرفوض ما رفضه الإسلام، والاجتهاد بشروطه المعروفة مشروع في الإسلام حتى لو أدى إلى الخلاف أو الخطأ، بل المجتهد المخطئ يستحق الثواب والشكر، ومن هنا اتسعت دائرة أهل السنة للكثير من المذاهب وفي مختلف المجالات المعرفية والتربوية.
إن هذا التطابق بين مدلول الهوية الإسلامية والهوية السنية لم يأت من خلال التحليل اللفظي للسنة والجماعة، بل إن الدارس لطبيعة الإسلام وحركته التاريخية على هذه الأرض لا يمكن إلا أن يخرج بهذه النتيجة، وهذا ما نحاول أن نتلمسه في المحورين الآتيين:
أولا: في محور الوحي (الإسلام) وهو العنصر الأساسي في هوية الأمة، يرفض أهل السنة الزيادة أو النقص في هذا المحور، بل ويرفضون حتى مجرد التقديم أو التأخير في أولياته وأولوياته، ولنأخذ النماذج الآتية:
1 - الإيمان بالله، هو محور الهوية الإسلامية في جانبها الغيبي، وهو أساس العقيدة وركن الإيمان الأول، وأهل السنة مجمعون على أن لا يقدموا شيئا على هذا الأصل مهما كان، ومن هنا جاء اهتمام أهل السنة بمسألة التوحيد، في حين أننا نجد خرقا عريضا لهذه العقيدة في الطوائف الأخرى، حتى قال الخميني بالولاية التكوينية لأئمة الشيعة، والتي تخضع لها كل ذرات الكون، وهي العقيدة التي لا تبتعد كثيرا عن عقيدة الأصنام، حيث كان المشركون يؤمنون بوجود الله ويؤمنون بوجود الأصنام التي منحها الله القدرة على التحكم بحياتهم ومماتهم وأرزاقهم، وقد اعتبر القرآن هذه العقيدة كفرا بواحا مع أنه يقر لهم بأنهم يؤمنون بالله الخالق فيقول: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) لقمان 25.
2 - محمد -عليه الصلاة والسلام- هو محور الهوية الإسلامية في جانبها البشري، وأهل السنة لا يقدمون بشرا مهما كان على رسول الله، بل هم لا ينظرون إلى كل إنسان إلا من خلال قربه أو بعده عن رسول الله، وهذا بخلاف الشيعة الذين جعلوا من الحسين محورا لهويتهم، حتى وصل الاهتمام بذكره وحادثة استشهاده أكثر من ذكر رسول الله وسيرته المباركة.
3 - القرآن هو محور الهوية الإسلامية في جانبها العلمي والمعرفي والتشريعي، وكل المصادر الأخرى تستمد حجيتها من القرآن، وكل المعارف الأخرى إنما توزن بميزان القرآن، وهذا هو شأن أهل السنة في تعهد القرآن تلاوة وحفظا وتفسيرا وسلوكا، بل إنه لا يوجد في سلسلة من روى القرآن الكريم ونقله عبر الأجيال إلا من أهل السنة، فالشيعة مثلا لا يملكون سندا واحدا للقرآن عن أئمتهم! وبالتالي فهم يقعون في التناقض حينما يؤمنون بالقرآن -على خلاف بينهم- ويكفرون أو يفسقون الصحابة والتابعين الذين جمعوا القرآن ونقلوه.
4 - الكعبة هي محور الهوية الإسلامية في جانبها المكاني، فلا يصح تعظيم بقعة ما من الأرض أكثر من الكعبة، وهذا هو شأن أهل السنة بخلاف الشيعة الذين جعلوا كربلاء أهم من الكعبة نظريا وعمليا، ويكفي هنا الاطلاع على ما كتبه علي شريعتي تحت عنوان (كربلاء أم الكعبة؟) في كتابه المعروف التشيع مسؤولية.
5 - رمضان هو محور الهوية الإسلامية في جانبها الزماني، واهتمام أهل السنة برمضان صياما وقياما وابتهاجا لا يدانيهم فيه أحد، بل إنك تمر في المدن المختلفة أيام رمضان فتستطيع أن تميز المدينة السنية عن غيرها.
هذه النماذج تشكل فارقا جوهريا بين أهل السنة وغيرهم، فأهل السنة لم يبتكروا لهم معالم جديدة في هويتهم لتميزهم عن غيرهم، فألفاظ الأذان بقيت كما هي ولم تتعرض لردات الفعل البشرية بزيادة أو نقص، بخلاف الشيعة الذين أضافوا الشهادة الثالثة، والمسجد عند السنة بقي كما هو ولم يتحول إلى بكرية أو عمرية، بخلاف الحسينيات المنتشرة عند الشيعة، وهذا دليل قاطع على أن السنة هم المؤتمنون على الإسلام عقيدة وشريعة وثقافة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1182 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع