الحياة في حقول البترول / الحادية عشر

                                    

                      بقلم احمد فخري

الحياة في حقول البترول الحلقة الحادية عشر المدير الجديد

  

قلتها عدة مرات أني كنت جداً سعيد لأن احد مدرائي الأثنين المناوبين كان الدكتور جواد الفلسطيني الجنسية لانه كان متفهم جداً وسلس التعامل ويتقبل الافكار الجديدة ويريد أن يقدم افضل ما لديه. الا اننا فوجئنا جميعاً بانه يهم بالرحل وسوف يستبدلونه بمدير جديد.
قمنا باعداد حفل وداع على شرفه وقدمنا له هدية تضاهي قيمة العمل الذي قدمه خلال السنين الطويلة في حقل زاكوم كمدير لقسم التليسستم TLS. وقد حضر حفل التوديع الدكتور علام مدير الموقع والقى كلمة بالمناسبة.
بقي منصب المدير شاغراً بعد غياب د. جواد لعدة ايام حتى قالوا بان المدير الجديد حضر الى البارجة، وعندما استقبلناه عرّفنا بنفسه على ان اسمه عزيز الجبوري، عراقي الاصل وبريطاني الجنسية. في داخلي كان لدي أحاسيس متضاربة. فمن ناحية كنت متفائلاً لكونه عراقي الجنسية ومن ناحية اخرى لا ازال اتذكر ما فعله بي المدير العام لشركتنا قبل بضع سنين عندما رفض تعييني فقط لكوني عراقي. لذا قررت أن ابقي مشاعري وحكمي مفتوحاً حتى اتعرف على ذلك المدير الجديد. الا اني كنت محقاً تماماً بمخاوفي، فقد اتضح جلياً أن المدير الجديد اسوأ من اي مدير نُصّب الى قسمنا. فقد كان كثير الاعتزاز بنفسه واحادي الفكر أي انه لا يتقبل آراء الغير ويعتبر نفسه دائماً على صواب وهذه اسوأ ميزة يمتاز بها الانسان، خصوصاً في العمل الهندسي.
حاولت بكل طاقتي ان امارس الدبلماسية معه الا انه بقي يضغط على الجميع وانا اولهم حتى وصلت به الحالة انه دفعني لدرجة كنت على وشك أن استقيل من عملي بسببه.
في العمل كان هناك نظام متبع بجميع الاقسام هو أن كل المشرفين في البحر (وانا منهم) يهيؤون تقاريرهم الاسبوعية عن مجريات العمل وفعاليات الصيانة في يوم كل خميس ويقدمونها الى رؤساء اقسامهم يوم الجمعة صباحاً كي يقوم رئيس القسم بارسالها مع باقي التقارير الى مدرائه في الهرم الوظيفي بمركز الشركة بابوظبي.
سبق وأن ذكرت أن العمل عندنا يبدأ الساعة السادسة والنصف صباحاً وينتهي الساعة السادسة والنصف مساءاً. كان المدير الجديد عزيز الجبوري يتصل بي صباح كل يوم الى مكتبي تمام الساعة السادسة والنصف كي يتأكد إذا كنت في مكتبي أم اني ما زلت نائماً. طبعاً هذا من حقه إذا فعل ذلك لمرة او مرتين لان التأخير عن العمل يعتبر جريمة في حقل البترول. إلا أن عزيز دفع بتلك الممارسة الى بعد جديد. فقد كان يتصل بالهاتف كل مرة وعندما اجيب عليه يسألني سؤالاً تافهاً (حجة) كي يتأكد اني في مكتبي. لم يحدث خلال 7 سنوات وانا اعمل بالحقل أن وصلت متأخراً الى عملي مطلقاً. لكنه كان يفعلها ويستعمل الحجج الواهية. وآخر مرة اتصل بي وقال،
- هل اعددت التقرير الاسبوعي يا احمد؟
- اسمع يا عزيز، التقرير الاسبوعي نقدمه يوم الخميس قبل نهاية الدوام، واليوم هو الاربعاء وما زلنا ننتضر احداث الاربعاء والخميس كي نضعها في التقرير. اما إن اردت ان اغير وتيرة النظام واقدم لك التقرير يوم الاربعاء صباحاً فهذا لا يشكل عبئاً عليّ ابداً وانا على استعداد ان افعل ذلك.
- لا، لا، لا تفعل ذلك انا فقط اردت أن اذكرك بالتقرير الاسبوعي.
- أنا شاكر لافضالك سيدي، بامكانك أن تُذَكّرني غداً مساءاً إن نسيت تقديمه فقط، وهذا سوف لن يحصل لأني منذ أن بدأت عملي بالحقل للسنين الخمسة الماضية لم يحصل ذلك ولن يحصل ابداً.
- حسناً، حسناً.
بقيت العلاقة بيني وبين عزيز سيئة ومتردية جداً حتى اراد مدير الموقع الفرنسي أن يستدعي جميع رؤساء الاقسام والمشرفين الى اجتماع مهم للغاية. هذا الاجتماع يبحث سبل تطوير الحقل بحيث تحفر آبار جديدة في منطقة غرب حقل زاكزم. لذا فإن جميع المعنيين بالامر يجب إن يقدموا متطلباتهم والمعدات اللازمة كي تُنشأ منصات جديدة لتلك المهمة. استدعاني مديري عزيز الجبوري وقال لي بالحرف الواحد،
- لقد طلب مني مدير الموقع الفرنسي أن استدعيك واستدعي باقي مشرفي الصيانة في حقلنا الى اجتماع كبير يشمل جميع الاقسام في الحقل كي ينظروا في متطلبات كل قسم. علماً أن هناك وفد من قسم الحسابات سيحضر خصيصاً من الادارة بابوظبي وسوف يسجلون الاقتراحات من الجميع. أنا اريدك أن تأتي الى الاجتماع ولكن أياك واكرر أياك ان تفتح فمك. هل فهمت؟ ولا كلمة. فقط ارديك أن تحضر الاجتماع ولا تتكلم مهما حصل.
- ولكن ماذا لو انهم طلبوا معلومة مني؟
- لا عليك يا أحمد ابقى ساكتاً ولا تتكلم. ساتكلم انا بدلاً عنك.
- وما فائدة وجودي بذلك الاجتماع إذاً، إذا كنت لا اتكلم؟
- إن مدير الموقع طلب حضورك. لذا افعل ما طلبته منك.
- حسناً سافعل ذلك بكل ممنوية.
افتتح مدير الموقع الفرنسي الاجتماع مخبراً ايانا بأن هناك مشروع حفر آبار جديدة في منطقة غرب حقل زاكوم وعلى كل قسم ان يبلغنا اليوم عن متطلباته اللوجستية لكي نكون جاهزين مسبقاً لتلك العملية.
صار مشرفوا الاقسام الباقية يطرحون قوائم بما يحتاجون من معدات كي يتفذ عملهم ويستوعب المنصات الجديدة في منطقة الغرب. وعندما وجه مدير الموقع سؤاله الى قسمنا حول المتطلبات التي نحتاجها لذلك التطوير الجديد. بقيت انا صامتاً كما طلب مني عزيز. لكن عزيز تطوع وتحدث بالنيابة عني وقال،
- ليس هناك اي متطلبات اضافية فاجهزتنا قادرة على جمع المعلومات DATA من اجهزة الجواسيب RTU بدون ادنى عبئ او أي معدات اضافية.
انا كنت اعلم يقيناً ان كلام عزيز خاطئ جداً من الناحية التقنية وان هناك معدات اضافية يجب علينا ان نطلبها كي نتمكن من تنفيذ ذلك المشروع. لكني لم انبس ببنت شفة كما أوصاني عزيز.
استمر النقاش لمدة ساعتين وطرح كل قسم من الاقسام متطلباته. ووعد قسم الحسابات ان ينفذوا جميع الطلبات وذلك بارسال قائمة بالمشتريات التي يجب شرائها استعداداً للعملية الكبيرة المرتقبة.
اما مدير الموقع لم يكن قد اقتنع بجواب عزيز فوجه السؤال إلي بشكل مباشر وقال،
- السيد احمد فخري هل هناك شيء اضافي يجب علينا شرائه؟
الا اني نظرت الى عزيز والتزمت الصمت. تطوع عزيز الجبوري وقال، لا ليس هناك شيء يحتاجه قسم الـ RTU
لكن المدير كرر سؤاله إلي وقال،
- السيد احمد فخري هل هناك شيء اضافي يجب علينا شرائه؟
بقيت انا صامتاً وانظر مباشرة بوجه المدير. فنفذ صبر المدير وقال،
- انا اتحدث معك يا احمد، لماذا لا تجيبني؟
هنا فتحت فمي وقلت،
- لأن مديري السيد عزيز الجبوري طلب مني أن احضر الى هذا الاجتماع على شرط أن لا افتح فمي مهما حصل.
تلعثم عزيز الجبوري واصابته حالة ادت في احمرار وجهه واراد أن يصلح الامور فقال وهو يتلعثم،
- لا، لا بامكانك ان تتحدث يا احمد. فانا لا اعتقد انك تحتاج الى اي إضافات لاجهزتك، اليس كذلك؟
- انت على خطأ يا عزيز. فالمسافة بين المنصات الجديدة في الغرب تبعد اكثر من 5 كلم. وهذا يعني أن معداتنا لا تستطيع ان تبث الاشارات اللاسلكية للمنصات الجديدة لبعد المسافة، فالمسافة تزيد على 8كم. لذا يتطلب علينا طلب معدات اضافية تدعى RMM وهي بطاقات تستلم اشارتنا اللاسلكية في المنصات القريبة والتي تعمل كوسيط لنقل الاشارات ثم تعيد ارسالها الى المنصات البعيدة.
هنا استشاط غضب عزيز بشكل درامي وقال:

    

- ولماذا لم تخبرنا بذلك؟ إن هذا سيغير كل شيء.
- الم تقل لي ان لا افتح فمي بالاجتماع؟
- لا هذا لم يحصل.
- لا بل حصل وانت تكذب الآن.
هنا تدخل مدير الموقع الفرنسي متداركاً الامر وقال،
- حسناً، حسناً دعنا نظيف تلك البطاقات الى قائمتنا، وارجو من جميع رؤساء الاقسام ان يفسحوا المجال لمشرفيهم كي يدلوا بآرائهم في كل الاوقات لانهم دائماً على اتصال بمعداتهم ويعرفون كل شاردة وواردة فيها وان مدراء الاقسام يجب أن يستشيروهم وان لا يتخذوا القرارات احادية الجانب.
كان ذلك الكلام بمثابة صفعة على وجنتي مديري عزيز الجبوري مما جعله يكرهني اكثر ويحفر لي الدسائس كي يتخلص مني. لكني لم أأبه بذلك وبقيت اتصرف بما يمليه علي ضميري المهني.
... يتبع

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

https://algardenia.com/maqalat/34453-2018-03-06-16-28-45.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

929 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع