من حكايات جدتي .. السابعة و الخمسين

                                                            

                                  بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي .. السابعة والخمسين
الملك والغني البخيل

في احدى الامسيات حدثتنا جدتي عن خلاف وقع بين جارنا ابو البنات وأمه وتتطاول عليها،وكانت جدتي متأثرة جدا من ابو البنات لتصرفه الغير لائق مع والدته، ولن نسألها عن اسباب الخلاف بينهما، ولكنها استمرت بالحديث وقالت سأحكي لكم حكاية تعلموا منها درس وتذكروا محبة الام لأولادها التي لا تقدر بثمن.  
تقول الحكاية: ﻳﺤﻜﻰ أن ﻛﺎﻥ هناك أبن أراد أن ﻳﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺃﻣﻪ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﺍﻟﻤﺮﻳﻀﻪ، ﻓﺤﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻪ  وذهب ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺣﺪى ﺍﻟﺠﺒﺎل ﻟﻴﺘﺮﻛﻬﺎ تموت هناك، وفي ﻃﺮﻳﻘﻪ ﻣﺮ وسط غابات كثيفة ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮة والمزدحمة، وفيها طرق ملتوية ومتشعبة، وﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻪ وﻫﻰ ﻋﻠﻰ تستند على ﻛﺘﻔﻪ ﺗﻘﻄﻊ ﺃﻏﺼﺎﻥ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ وأوراقها وﺗﺮﻣﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، ﺗﺮك ﺍﻷﺑﻦ ﺃﻣﻪ ﻓﻮق ﺍﻟﺠﺒﻞ وهم ﺑﺎﻟﻌﻮدة ﺑﻤﻔﺮده ، وﻟﻜﻨﻪ وﻗﻒ ﺣﺎﺋﺮﺍً ﻓﻘﺪ أدرك ﺃﻧﻪ ﺿﻞ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ .
ﻧﺎدﺗﻪ ﺃﻣﻪ ﻓﻰ ﻟﻄﻒ وﺣﻨﺎﻥ و ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ أبني ﺧﻮﻓﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻦ أن ﺗﻀﻞ ﻃﺮﻳﻘﻚ ﻓﻰ عودتك، ﻛﻨﺖ ﺃﻃرح الاغصان واوراق الاشجار ﻓﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ، اتبع أثارﻫﺎ ﻓﻰ ﻃﺮﻳﻖ عودتك وتصل ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ، ﺃﺭﺟﻊ ﺑﺎﻟﺴﻼﻣﺔ ﻳﺎ أبني.
 ﺗﺮﻗﺮﻗﺖ الدموع ﻓﻰ عيني ﺍﻷﺑﻦ ورجع الى ﻧﻔﺴﻪ وحمل ﺃﻣﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻣﻜﺮﻣﺎ اياها، ﻳﺎ ﻟﻠﻌﺠﺐ ﺍﺑﻨﻬﺎ ﻳﻔﻜﺮ ﻓﻰ ﻣﻮﺗﻬﺎ ﻭ ﻫﻲ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻰ سلامته، ﺍﻧﻬﺎ ﺍﻷﻡ دائما ﺑﻘﻠﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺤﺐ ﻣﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﺣﻨﺎﻧﻬﺎ وﻣﺎ اكبر ﻗﻠﺒﻬﺎ، تعلموا درسا واعرفوا أن حبّ الأمّ يهب كل شيء، ولا يطمع في أيّ شيء.
نعود لحكايتنا اليومية، في قديم الزمان، عاش رجل بخيل، ومن فرط بخله، كان دائم التفكير في وسيلة يحصل بها على المال، أو وسيلة تبعد عنه أي أحد يطلب منه ولو قليلاً من المال ولشدة بخله، طاف القرى قرية قرية، حتى وجد قرية كل سكانها كرماء، فحل بينهم، متظاهراً بأنه فقير شديد الفقر، فكان محط شفقتهم وعطفهم، وصاروا يعطونه دائماً ويتصدقون عليه، حتى إنه كان يأكل ويشرب ويحصل على ملابسه منهم، وذات صباح رأى الناس شيئاً غريباً، فقد أغلق الرجل باب بيته المطل على سكان القرية، وفتح في بيته باباً يجعل وجهه إلى الأرض الخالية الممتدة نحو البرية خلف البيت، ومع هذا فإن الناس استمروا يقدمون له ما كانوا يقدمونه، وحين عرفوا حكايته انفجروا من الضحك، فقد حصل على عنزة تعطي حليباً كثيراً، فخاف أن يسأله أحد شيئاً من حليب عنزته، فابتعد بباب بيته عنهم.
وعلى الرغم من أن بعض الناس تناقلوا بينهم، أنه غني شديد الغنى، وحفر كل أرض كوخه وأودع دنانيره الفضية والذهبية هناك، غير أن الناس كانوا يبتسمون مشفقين، واستمروا يعطونه وهم يرثون لحاله.
 في أحد الأيام كان أحد الفرسان يطارد غزال وفقد اثره حتى دخل القرية، ووصل الى بيت البخيل ودخل الارض الخالية خلف بيته وهي أقرب إلى البرية، أراد الفارس أن يترجل ليطلب جرعة ماء من الرجل البخيل، فلما رآه البخيل أسرع إليه يصيح به: لا تترجل يا رجل، فليس في بيتي شيء أعطيه لك لا طعام ولا شراب ولا حتى أعواد القش، صُدم الفارس، وبان الألم والتعب الشديد في وجهه، ولأنه تعب من مطاردة الغزال، ولن يفتح فمه ولم يكلمه، بل لوى عنق فرسه ودخل القرية، ووقف أمام أحد البيوت، وفوجئ تماماً بما حصل، فقد خرج صاحب البيت وأهله يرحبون بالفارس أيما ترحيب، وأسرعوا ليساعدوه على النزول عن فرسه، وربطوا فرسه، وجلبوا له الماء الذي شرب منه وشرب فرسه، والماء الذي غسل به وجهه ويديه، وقدموا له الطعام والشراب، وتركوه يستريح وينام من دون أن يسألوه سؤالاً واحداً.
حين استيقظ مستريحاً، شبعان مرتوياً، ودعهم وركب فرسه وأنطلق، وهو متعجب كثيراً من كرم العائلة، ولن يسألوه من أنت ؟ ولماذا كان على تلك الحال؟ وكيف وصل؟ بعد أيام دهشت القرية بكاملها، وخرجوا جميعاً ينظرون إلى ذلك الفارس الذي حضرت معه كوكبة من الفرسان كأنه جيش، وهم يسوقون معهم الخيل والحمير المحملة بخيرات كثيرة، وتوقفوا جميعاً عند باب البيت الذي استقبل الفارس و أسرع صاحبه من بين الجميع يستقبله، فقد عرف أنه الفارس الذي جاء بيته متعباً جائعاً عطشاً إنه أبن الملك .
نصب خدم ابن الملك خيمة كبيرة وعملوا وليمة دعا إليها جميع أهل القرية، وقدم لصاحب البيت هدايا كثيرة ، أقبل أبن الملك يشكره ويعترف بفضل صاحب البيت على كرمه، وعلم ابن الملك أن جميع أهل القرية كرماء مثله، فرح كثيرا وهو يقول: الحمد لله أن في مملكة أبي أناساً مثلكم ومثل كرمكم، بعد أن أكل الناس، وامتلئوا فرحاً وسروراً، سمع ابن الملك والجميع صوت بكاء، وسرعان ما عرفوا أنه بكاء الرجل البخيل، فأرسل ابن الملك يطلبه إليه، تذكره وعرفه انه طرده من ارضه الخالية، وسأله: ما بك يا رجل؟ ولم يرد عليه من كثرة البكاء، تدخلت احدى النساء وتقربت من ابن الملك وأجابته وهي ضاحكة يقول: إن هذه الهدايا كلها أمواله،  إنها ملكه هو، تناهبها الناس، سأله ابن الملك: كيف تكون كل هذه الهدايا التي جلبتها أنا معي ملكاً لك؟  توقف عن البكاء وأجاب من بين دموعه: إنها أموالي، ضيعتها أنا بيدي، لقلة معرفتي وحيلتي سأله: كيف يا رجل؟ فأجابه البخيل: ألم تقصد بيتي أولاً؟ ألم تحاول أن تنزل ضيفاً عندي؟ لكني، آه يا ويلتي، يا ويلتي، فضحك ابن الملك حتى شبع ضحكاً، وضحك الذين معه وأهل القرية كلهم، سأل ابن الملك اهل القرية: عجيب! كيف يعيش مثل هذا البخيل في قريتكم، فرد البخيل: أحسن عيشة يا سيدي، فهم يعطون ولا يسألون أو يأخذون، وانفجر الجميع بالضحك من جديد وانفجر البخيل بالبكاء، لكن صوت بكائه ضاع وسط ضحكهم الكثير.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

759 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع