القائمقام أبوعَـزام ! الجزء الأول / ٨

                                            

تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
 أستاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقس / سابقاً

              

القائمقام أبوعَـزام !
رواية واقعية تنقصها الصـراحة,من الحياة الأجتماعية
في العراق,.. في الحقبة بين سنة 1948- 1958م

 

في صباح اليوم التالي لتحرش القائمقام أبوعزام بالصبية " نسمة " يخرج, من داره, متثافلا ومهموماً, ويتوجه نحومقـرالقائمقامية, وما أن يدخل دائرته, حتى يبدأ بتصفح الصحف والمعاملات المحالة لمكتبه, وبعد لحظات يُسمع قرعاً على الباب,فيدخل الفراش, مؤدياً التحية  ومرتبكاً, فيسأله  القائمقام خير يا أبا محمد ؟ أتكلم , لماذاأتخشبت!؟ ,فيجيب: والله عمي,هذا,.." أبو نسمة " يريد مواجهتك حسب طلبكم!, فيهزرأسه بالموافقة قائلاً : خليه يدخل بسرعة ,ولا تسمح لأي أحد بالدخول بتاتاً,.. ســــمعت ؟!
* يدخل أبو "نسمة",..فيرحب به القائمقام بحرارة وباجمل العبارات ويطلب منه الجلوس على مقربة منه, ويتناول علبة السكاير,.. ويقدم له سكارة, فيتناولها الضيف وهو مندهشــاً من هذه الحفاوة الغريبة لأستقبال الغلابة من الناس, فسرح ابو محمد وراح يخمن ما يضمرالقائمقام,.. ثم يستجمع شجاعته ويوجه له السؤال؟ : خير يا محفوظ, بماذا تأمرني؟, آني بالخدمه, ألا أن الكلمات غصت بفم أبو عزام,... وعلى الفور تفجرت عبقريته وقال : أريد أشغلك فلاح بحديقة بيتي,(براتب زين) وأعطيك أرض بأطراف المدينة تبني عليها بيت لأسرتك حتى تكون قريب من المدينة وتتخلص من القرية ومشاكلها !, ونشغل "نسمة" معينه (خدامه) لخالتها " صبرية"!
زوجتي الجديدة,..فيغضب أبو" نسمة " قائلاً : الله يسامحك يا محفوظ, بن العشيرة الأصيل ما يترك أرضه وأرض أجداده مهما كان السبب,.. والحمد لله آني أبخير, وعندي أرض ومواشي, وأمورنا دارجه, وما فكرت بالوظيفة طول خدمتي بالجيش,..الوظيفة مهنة العاجز,..وهاذا آني كدامك مازلت بعز شبابي!
* تظهرعلامات التعجب والدهشة على القائمقام, ويسرح لفترة, ثم يكررالترحاب بالضيف,..
و يقول: آني مستعد أن أعطيك ما تأمر به, وأي عذر منك ما أقبله, وأذا تخاف من كلام الناس فسوف أتزوجهه بالسـر, فيقف أبو نسمة قائلاً: أنت تقصد ( زواج متعه) ؟, أنت رايح بالخطأ أنا أبن عشيرة, أعيش في الشطرة وليس في بغداد, ومن المستحيل في هذه المدينة أن يستخبَ أي ســر, والأصل في الزواج أعلانه, وأن كل زواج ناقص يعتبرغيرشرعي مخالف للقانون, والمحاكم الشرعية لا تعترف به,... و" نسمة " مخطوبة لأبن عمها ؟,فيحمق القائمقام, قائلاً:  
* هل أعتبركلامك نهائي؟,..أسمع راح تخسر(هوايه) أمور وتدفع الثمن, وقد أعذر من أنذر!
*سوي يا محفوظ (كلشي) اللي يطلع بأيدك, وياغافل ألك الله!,.. صحيح أنك تمثل الحكومة, ولكن آني عندي شيخ المدينة ما يسمح لكل مسـتبد يتعرض لشرفنا, وهو أقوى منك ولا يرضى بالظلم, وهو الممثل الوحيد لحكومة بغداد في الشطرة وكل القبائل المحيطة بها,..وأذا ما تتركنا وحالنا, فسوف أخبرالشيخ عن تصرفاتك مع الأهالي, وأنت تعرف رأي الشيخ فيك,...فأتركني وحالي ولا تزيد الطين بَله!
*  يغضب القائمقام, ويدب عنده اليأس, ويسرح ُمفكراً بطريقة للتخلص من المشاكل التي أحاطت به فيخلد للسكوت للحظة ثم يزداد أنفعالاً,..ويرفع رأسة ويخزره,..ويكلمه بحدة:  
* سوف ترى!,..الشيئ الذي أرغبه يجب أن يتحقق!,..أذهب وخبر شـيخك المبجل!,.. أن أبو عزام ما يخاف من أحد, وأليخوفني بعد ما ولدته أمه!,... ثم يأمره بالخروج , ويهدده لعناده!  
* وما أن يخرج أبا "نسمة" حتى يرمي القائمقام نفسه على الكنبة لخيبتة في التسـترعلى أللي صار وجره مع "نسمة", وخوفه من أنتشارالخبر في المدينة ووصوله الى ديوان الشيخ, فقد خابت خططه,.. وسرح قليلاً وراح يلوم نفسه على تصرفه الصبياني وتهديده لأبي " نسمة "!
*** في نفس اليوم, يتوجه الشيخ خيون من قصره في حوالي الساعة العاشرة, تحيط به زمرة من الحرس الخاص (التفاكه),..وعند أختراقه المدينة,... يقف معظم أصحاب الدكاكين يردون التحية لشيخ المدينة المحبوب, ويصل الموكب الى دكان صديقه القماش, ويسـتقبل بحفاوة, ثم يجهز مكان جلوسه المعتاد في صدرالدكان,..وبعد برهة من الزمن, يتوافد عليه الأهالي رجالاً ونساءاً, لعرض مشاكلهم,ويصغي لكل فرد منهم بكل أهتمام, من دون تمييز,.. وفي تلك الآونة يصل أبو" نسمة " ويؤدي التحية للشيخ محاولاً تقبيل يده!, فيسحبها الشيخ قائلاً : أستغفرالله,.. أهلاً بك يا أبو" نسمة ", (مو من عادتك تجي للولايه  بهذا الوكت ؟! ), خيرأنشاء الله ؟!,...
فتغص الكلمات بفم أبو "نسمة", وتدمع عينه, ويحاول أخفاء تجفيف دموعه, ويطالبه الشيخ بالكلام , فيقول بحزن وألم , والشيخ يصغي : يا محفوظ ,..مصيبة وحلت بـيـَنـه!
* فيجيبه الشيخ بأستغراب: ياسـاتر يا رب! , شنو أللي صار بيكم؟!
* القائمقام,..يا محفوظ,..هذا مصيبة وطاحت علينه!, ثم يسرد ما حدث لأبنته "نسمة", والشيخ يصغي لقوله,.. وما أن أنتهى حتى راح ينتحب بصمت,.. فيغضب الشيخ!,.. ويهون على أبو " نسمة " ويعده بوضع حَد لأنتهاكات القائمقام, قائلاً : وأنشاء الله تسمع أللي يـسـرك!
***

في صباح كل يوم تجتمع شلة القائمقام المتكونة من كبارموظفين القضاء, يتسامرون,..
والسعادة تغمرهم وهم يستعرضون المتع عند الغجر, ثم يخترق معاون الشرطة السجال,قائلاً: اليوم مفوض الشرطة تمكن من تهمة لحاج راضي,.. المهرج بديوان الشيخ وزجه بالتوقيف, بدعوى شتمه وسـَـبه لجلالة الملك, بكلمات سوقية ونابية!
 * يظهر التعجب على وجه كل الحضور, ويرتبك القائمقام لشعوره بوجود أرتباط بين الحاج راضي وشيخ المدينة , ويستفسر من معاون الشرطة عن ما لديه من معلومات أخرى؟
* زين أنت متأكد من وجوده بالتوقيف,..وهل ستحدث مضاعفات تزعج الشيخ؟
* يدخل على الخط رئيس البلدية والذي هو من أهالي الشطرة ويقول للحاضرين:
ياجماعة ترى أنتم متورطين وما دارين شنو الشيخ راح يسويلكم, لأني أعرف الحاج راض
جيداً,..أنه الناطق الرسمي لأهالي مدينة الشطرة أمام الشيخ خيون, ويستطرد بتحذيره قائلاً:  
* تربط هذا الحاج علاقة قوية بالشيخ ,..المفروض عدم توقيفه, البته!,أي مهما كانت الأسباب وبأعتقادي راح تحدث (ضجه) بالمدينة , واحتجاج على الحكومة, تزعج الشيخ!, فيرد معاون الشرطة على ما سمعه, غير مهتماً للنتائج,..ويضحك مستهزأً ويقول:  ثم ماذا, وليكن ما يكن! فماذا نفعل لشخص يشتم جلالة الملك,..هل تريد أن نمنحه وسام!؟
* ويعقب ثانية رئيس البلدية: والله أنا شخصياً أعرف عن كثب هذا الشخص ومن المستحيل يشتم حتى قاتل أبوه, فهل من المعقول أن يشتم الملك وهو يعلم علم اليقين أن الشيخ من أقرب المقربين الى البلاط الملكي؟!,..هل أعترف الحاج راضي بأقواله؟,.. فيرتعب القائمقام من أن هذا الملف سيفتح مصيبته مع " نسمة ",..ويتوجه نحو معاون الشرطة,.. ويطلب منه معرفة حقيقة ما عمله الحاج راضي وهل هي حقيقة أم تلفيق قبل أن يستفحل الأمرويصل الخبرالى ديوان الشيخ,فيرتبك المعاون ويقول:
* يا سـيدي: لقد تهجم علينا في ديوان الشيخ, وأتهمنا بالتردد على الغجروأن القائمقام يتلصلص على صبايا المدينة وهن في الشريعة المقابلة لبيته!
فهل يمكن السكوت على مثل هذه التهم؟!,..وكيف لنا أن نحكم بعد الآن هذه المدينة والكل يعلم بقذارة سلوكنا ,..فهل يمكن التغاضي عن من يـُشهر بنا ونتركه لحاله؟,..مثل هؤلاء لا يرتدع ما لم تظهر له قوتك,..فأن شعر بضعفك في لحظة ما فسوف ينقض عليك كما ينقض الذئب على الشاة,..وأنا واحد منكم ,والحمد لله سجلي نضيف,فهل خفتم وتريدون أن أطلق سراحه؟
* يزداد القائمقام أرتباكاً ويهرع نحوه رئيس البلدية لمساعدته ومعالجة الموقف,..ويقول:
* لقد أقترفنا أكبرخطأ!, بوضعنا الحاج راضي بالتوقيف,وسوف تلمسون صحة قلقي الآن!  ***

بعد أنصراف أبو "نسمة"من مكان الشيخ في سوك القماشين,..يتقدم نحوه شاب وســيم الطلعة وينحني أمام الشيخ خيون ويقبل يده,..فيسحبها الشيخ, ويبتسم له,.. ويسأله من أنت؟!
فيقول :أنني علوان بن الحاج راضي,..والبارحة لمن رجع الوالد من الديوان,طرق باب دارنا ثلاثة من الشرطة, طرقاً بلا هوادة, وأقتادوه عنوة الى مركزالشرطة ورموه بالتوقيف!,..حتى الصباح من دون أعلامنا عن التهمة ومازال لهذه اللحظة هناك!
* ينسحب علوان جانباً ويبكي بمرارة, ثم يهون الشيخ عليه ويطلب منه الكف عن البكاء, ثم يضرب الشيخ عصاه على الأرض,وهي أحد علامات غضب الشيخ,..وينتصب واقفاً يزمجر بصوت خافت كالأسد المجروح,..ويتحرك ويهرع حراسه خلفه ويتجه الموكب نحو السراي!
 *** ما أن يصل موكب الشيخ الى السراي يتجه نحو مكتب القائمقام,..فيسرع الفراش لتقبيل يده,..فيسحبها, ويطلب منه فتح الباب, وبغضب يزيح الشيخ الفراش جانباً, ويتنحى مرعوباً, ثم يدفع الشيخ باب مكتب القائمقام ويدخل كالأسد الهائج, فيجد نفسه أمام حشد من كبارموظفي القضاء, يتسامرون بصوت عال, فشعروا بدخول الشيخ عليهم,.. فيصمتوا كالجنود في ساحة العرض, ثم ينهض القائمقام مرحباً بالزائر,.. ومرتجفاً كسعفة في مهب الريح!
* ينهار القائمقام من هذا الموقف,..فينظر أليه معاون الشرطة ورئيس البلدية بدهشـة, ويقفان,  فيؤدي الشيخ السلام,.. ويفسح القائمقام له مكانه,ألا أن الشيخ يرفض وينسحب معاون الشرطة ويهم بالخروج, ويؤشر له الشيخ بعصاه, أن يبقى في مكانه,..ويقول له : لا أبقَ في مكانك!
***يحاول القائمقام التفرب من الشيخ, فيزجره ويطلب منه البقاء بمكانه وراء مكتبه!,..ويأمر بأخراج الحاج راضي من التوقيف بكفالته الشخصية, ويقول للشيخ: أمرك جناب الشيخ !   
* يلتفت القائمقام نحو معاون الشرطة ويؤشرله  بمغادرالغرفة,.. فقد غصت الكلمات بمفمه, فيفهم المعاون الموقف, ويؤدي تحية الوداع ويستأذن بالخروج ويخرج!
* يلتفت الشيخ نحوالقائمقام, ضارباً الطاولة بعصاه ضربات تنم عن غضبه,... قائلاً :
- جميع تصرفاتك سمعنا بها,..وقلنا هذه أمور شخصية , ليس من أحد قادراً أن يمنعك عنها,.. ألا أن سلوككم هذا أدى الى أهمالك لأعمال الناس, وغير مهتم بتجاوزاتك مشاعر الأهالي,  فتقف في الصباح الباكر تتلصص على صبايا بعمرأحفادك,..ثم تجاوزت كل الخطوط الحمر لعادات المدينة وتمسكها بالشرف, وقمت بمراودة طالبة صبية,..ثم رحت تساوم والدها لبيعها لك بطريقة ( الزواج العرفي )!,.. كما طلبت من الشرطة تلفيق تهمة بحق (الحاج راضي), ورميه بالتوقيف حتى (تسكتون) صوته الفاضح لأعمالكم المستهجنة,فهل يمكن السكوت على هذه الأعمال وأتصلت بالمتصرف لأستجوابك, وغداً صباحاً لا أريد أن أراك في الشطرة,!
* أمرك جناب الشيخ ,..قبل طلوع الشمس سـأغادر المدينة!    
 ***

يغادر معاون الشرطة برفقة المفوض وأحد الأفراد من الحرس والتوجه الى التوقيف,من أجل أخراج الحاج راضي من التوقيف , ويؤدي معاون الشرطة التحية للشيخ, ويقول:نحن نعتذر يا حاج عن البلاغ المزيف الذي وصلنا !,..فيبتسم الشيخويقول:
* الى متى تحكمون بهذه العقلية ؟,..مجرد الشك بأحد ترموه رمية الكلاب في التوقيف وبدون حتى أعلام أهله وذويه عن تهمته, ولا تفصحون عن مكان وجوده أو تقدمون له فراش وأكل , فالأمام علي (رض),أمر أولاده عندما جرحه بن ملجم أن يحسنوا فراشه ويقدمون له الطعام,.. فهل جرح الحاج راضي واحداً من الشرطة وتتصرفون معه بهذه الوحشية, موعيب عليكم؟,.. مجرد بلاغ كاذب يصبح الأنسان متهماً؟, أين القانون الذي درستموه في معهد الشرطة؟
* يا حاج هذه غلطه , وما راح تعود أنشاء الله!,..وسبحان الذي لا يخطأ!, وسوف نطلق سراح الحاج راضي, وبعد وقت قصير, أطلق سراح الحاج راضي وأعتذر منه معاون الشرطة,.. ألا أن الحاج راضي لم يصفح عنهم وراح يهددهم بأعلام جناب الشيخ خيون,... فأعلموه أن الشيخ على دراية بالموضوع وطلبوا منه السماح, وأن لا يجعل الموضوع يتعقد أكثر مما هو معقد!
* تبدو بشائرالفرح على الحاج راضي, فأطمأن بسماعه بوصول الخبر لجناب شيخ المدينة !, ويغادر الشيخ راضي التوقيف طليقاً,.. بعد ليلة مزرية!
يتبع في الحلقة / 9  //  مع محبتي

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابعة:

http://www.algardenia.com/maqalat/19625-2015-10-19-06-24-17.html

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

929 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع