بقلم : سالم ايليا
لا أخفي سراً اذا قلت ان الحال الذي وصل اليه العراق قبل إنتفاضة الشباب الأخيرة ادخل اليأس والقنوط في قلوب الملايين من أبناء الشعب العراقي واوصلهم الى حالة اللاوعي لما يجري حولهم من خراب ودمار للدولة ومؤسساتها وللمجتمع بأسره، وخطورة هذا الشعور تكمن في انتشاره كالسرطان في جسد النُخبة من المثقفين والأكاديميين والمهتمين بالشأن العراقي قبل غيرهم من ابناء الشعب،
فأنزوى معظمهم على امتداد ثنايا المعمورة بين مراقب يائس ومكافح يبحث عن لقمة العيش لإنقاذ عائلته من شظف العيش وبؤسه، حتى انفجر بركان الغضب لفئة شبابية تواصلت عبر مواقع التواصل الإجتماعي فاعلنت ثورتها في السابع من آب الماضي في البصرة الفيحاء وسرعان ما امتد غضبها ليشمل الشعب بأسره فأعادت الأمل الينا جميعاً واعطت بصيص نور وبريق أمل في نهاية النفق المظلم الذي نعيش فيه واعادت الآمال من ان العراق لا يزال بخير.
ـ فعندما ثار الشباب على الفساد والفاسدين مطالبين بتحسين الخدمات وضمان مستقبلهم واعلنوا عن انهم مشروع إستشهاد حتى تتحقق مطاليبهم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تظاهر الشعب دعماً للمهجّرين والمهاجرين الذين ركبوا اليم مع اطفالهم هروباً من المآسي التي واجهوها ومطالبين الحكومة للإهتمام بهم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تضامنت نساء المحافظات العراقية مع أخواتهن الأيزيديات المختطفات مطالبن الحكومة والمجتمع الدولي بالتدخل لفك أسرهن، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرج المهاجرون في بلدان المهجر مؤيديين وداعمين للمتظاهرين والمعتصمين في ساحات الشرف، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرجت المرأة العراقية الى ساحات التظاهرات وضمّت صوتها الى صوت اخيها الرجل على الرغم من حساسية الظروف وصعوبتها، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تلاحم الشعب وانصهر في بوتقة واحدة رافضاً تقسيمه الى قوميات وأديان وطوائف ومذاهب وملل ومطالباً بإعادة هويته الوطنية العراقية الموحدة، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما وصلت احتجاجات وتظاهرات الشعب الى هذا المستوى العالي من الإنضباط والشعور بالمسؤولية والإيثار الذي قلّ نظيره، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما انظمّ المقاتل في جبهات القتال بصوته لنصرة اخوانه في الداخل، مطالباً بدفع رواتبه المتأخرة لأشهرٍ عديدة وهو الذي لم يبخس بحياته فداءاً للوطن المهدد من داعش، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما وقف الجيش وقوى الأمن مع المتظاهرين لحمايتهم من العناصر المندسّة والمؤجورة التي حاولت التشويش والتأثير على مطالب المتظاهرين، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما سخّر الأدباء والكتّاب والشعراء اقلامهم بكلماتهم وقصائدهم الحماسية لدعم المتظاهرين، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما تسابق المطربون بدءاً بالقيصر كاظم الساهر وسعدون جابر وقاسم السلطان وحاتم العراقي وابنه قصي وحسام رسام واسماعيل الفروجي واحمد المصلاوي وعلي العيساوي وقارئة المقام فريدة وزوجها العازف والمنشد محمد گمر وفرقتهما الموسيقية وغيرهم لدعم المتظاهرين بالأناشيد والأغاني والهوسات الحماسية والوطنية، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما (سلّ) الموسيقار العراقي وقائد الفرقة السمفونية الوطنية كريم وصفي سلاحه (الجلو) من غمده وذهب لعزف لحن الخلود العراقي في احد مواقع الإنفجارات، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما سخر الممثلون طاقاتهم لدعم التظاهرات باعمالهم المسرحية، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما دعم الرسّامون بلوحاتهم ورسومهم الكاريكاتورية مطالب الجماهير المنتفضة، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما خرج الطفل ابن الأعوام العشرة امام شاشات التلفزة ليعلن للعالم أجمع عجز الحكومة في ضمان طفولته وعليه العمل لإعالة عائلته المكوّنة من سبعة افراد بين أم وأخت بعد فقدان والده بانفجار لئيم، فان العراق لا يزال بخير.
ـ وعندما انطلق لسان الأحداث الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد بفصاحة اديب وعقل حكيم للمطالبة بحقوقهم، فان العراق لا يزال بخير.
فسلام عليك وعلى شعبك يا سيدي العراق فلا زلت عراق القيم لكل الأمم.
1042 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع