الأمة العربية بين الثورة والانقراض الأعرجي يؤصل ما بدأ

                                                 

في كتابه" الأمة العربية بين الثورة والانقراض"؛

الأعرجي يؤصل ما بدأ، ويجدد تحذير الأمة العربية من الانقراض

علي الصراف

صحفي عربي من العراق، لندن

  

في كتابه   الجديد  هذا،  يخطو الباحث العربي البارز علاء الدين الأعرجي خطوة أخرى للدفع بنظرية "العقل المجتمعي" إلى الأمام، مُؤصّلا ً، ومُفصّلا ً، ونذيراً ! إنما لنجد فيها كشّافا منيراً لقراءة   المسار التاريخي لآليات إنتاج وإعادة إنتاج التخلف.

ولئن كان الأعرجي يلقي على أكتاف "العقل المجتمعي" جل العبء الناجم عن المخاطر التي تهدد وجود الأمة العربية، فانه يقدم بالأحرى نداء استغاثة إن لم يكن لوقف ذلك المسار المدمر، فعلى الأقل، للبدء بتعطيل بعض آلياته، واستبدالها بآليات فكر جديدة.

وتكشف فصول كتابه الجديد "الأمة العربية بين الثورة والانقراض: بحث في نظرية العقل المجتمعي، تفسيرا لأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي" عن سلسلة من المحاور التي تدعم رؤيته القائلة انه ما لم تجد الأمة العربية سبيلا لتدارك، أو معالجة، مصادر وأسباب تخلفها، فانها سائرة في طريق  الانقراض، مثلها مثل العديد من الأمم والحضارات التي انقرضت عبر التاريخ البشري.

ولكي تبدو الصورة واضحة، منذ البدء، فإن "العقل المجتمعي"، كما يقدمه الأعرجي هو "السلطة الخفية الاعتبارية السائدة، التي تتحكم بسلوك أفراد الوحدات المجتمعية وتصرفاتهم، من حيث لا يشعرون في الغالب، وتتحكم بالتالي في اتجاهات تلك "الوحدة المجتمعية" أو المجتمع ككل. وتتكون بنية هذه السلطة من مزيج متفاعل ومتكامل لمنظومة واسعة من القيم والمعارف والمبادئ والمفاهيم والأعراف والأفكار والمعتقدات، بما فيها الأيديولوجيات والتطلعات.. الخ، السائدة في ذلك المجتمع والتي تشكلت تبعا لمسيرته التاريخية وصيرورته التطورية وظروفه الجغرافية" (ص 178-179).

وتشكل العلات الجوهرية التي تسم "العقل المجتمعي" بميسمها دافعاً، يكاد  يــبدو   لا نهائيا، نحو تكريس حالة الانهيار والتداعي والتخلف المستمر. ولا يتردد الأعرجي في سرد حزمة  من الظواهر التي تؤكد ارتباط "مسيرة التخلف" التي سارتها الأمة العربية على امتداد  عدة   قرون، بحال "العقل المجتمعي" العربي ومفاهيمه وأطره وقوالبه المتوارثة والجاهزة. وهي مفاهيم وأطر وقوالب تكاد تمس كل وجه من أوجه الحياة والعمل، بل كل وجه من وجوه السياسة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية  والإدارة  العامة.

لم يضع إلا قلائل من المفكرين العرب الكبار أصبعاً على الجرح، وقالوا ها هنا يكمن أول العلة. ولئن بدا الأعرجي مختلفا عنهم، ليقدم مقاربته الفكرية الخاصة، فانه بالأحرى يدفع حتى بالذين يختلف معهم إلى الأمام، ليبدو مؤسساً ومؤصلاً، وباحثاً عن النافع في كل رؤية تناولت أسباب التخلف.

فهذا المفكر العربي الأصيل لا يناكف ولا يجادل من سبقوه ولا يبحث عن ثغرات في نظرياتهم، ليبقى مكتفيا بالرؤية الفسيحة التي توفرها إطلالته النظرية الخاصة. بل وليجعل منها كشّافا قائما بذاته لمن شاء أن ينهل، ومكملاً لمن شاء يُكامل ويجمع.

ومعتركه الفكري الأهم هو معترك المواجهة مع التخلف، لا مع أقرانه الباحثين عن معالجات.

لهذا السبب، يبدو مسالماً في الاختلاف، إيجابياً، وفاعلاً!

وبالنسبة للإطار النظري الذي يستند إليه الأعرجي، فما من مظهر من مظاهر التخلف، وما من سبب من أسبابه إلا ويظهر في لوحة الواقع  المروِّع  الذي نعيش  فيه. ولكن ما من سبيل لكل ذلك، إلا ويجد له خطوطاً توصله بتلك الرؤية التي أوجزتها نظرية "العقل المجتمعي" ونظرية "العقل الفاعل والعقل المنفعل" اللتان تشكلان الركيزتين الأساسيتين لمشروعه الفكري.

وسرعان ما يستطيع قارئ هذا الكتاب أن يكــتـشف أن الأعرجي لا يقدم  فكراً  نظرياً مجرداً. ولا يجعل من محاكماته لآليات عمل "العقل المنفعل" مجرد كشف حساب رياضي للمفاهيم التي ألقت بظلها على كل شيء. إنه يحاكم  تلك  الآليات ويقدم  أدلته  الواقعية  عليها ويكشف عن مضامينها النظرية وتبعاتها، من أجل أن يُطلق نداء "العقل الفاعل" للبدء بتحرير الفكر، وتحرير المعالجات العملية، من أسر التكرار والتقليد والعجز عن الإبداع والنقد.

في الفصلين الثالث والرابع يضع الأعرجي أصبعه على جرح غائر، موغل الأثر. إنه جرح العلاقة المأساوية بين التراث والحداثة.

وها هنا تكمن الكثير من أوجه العلة. فالعرب الذين فاتهم قطار التحديث، فشلوا في أن يركبوا قطار التراث، ليس لأنه قطار ذاهب إلى الخلف، بينما هم بحاجة إلى الذهاب إلى الأمام، بل لأنهم لم يفهموه أصلاً، ولا نظروا إليه نظرة تاريخية عقلانية، وقطعوا تذاكرهم، كل في عربة خاصة به، ليكتشفوا أن تلك العربة لا توصل إلى أي مكان، وأنها منعزلة، وغير كافية لكي تضم كل تصادمات التراث مع نفسه، دع عنك تصادماته مع الحاضر. وذلك قبل أن يكتشفوا أن قطارهم، الذي لا يوصل إلى الأمام، لا يوصل إلى الخلف أيضا. وأنه تائه (ليس بنفسه، لو أُحسن توظيفه في معترك التقدم، كما فعلت أمم أخرى) ولكنه تائه بتوظيفه "المنفعل" وبتحويله إلى حارس أمين لـ "السجن المجتمعي" الذي ظل سجناؤه (نحن) يدورون حول أنفسهم عاجزين عن الخروج من دائرة التخلف.

وقد لا يبدو الأعرجي أقل تحديا في الفكر من محمد عابد الجابري الذي حلل مكونات العقل العربي وحاكم قوالبه ومفاهيمه، ولكن يجرؤ المرء على القول إن الأعرجي، بمقاربة نظرية مختلفة، دفع بذلك التحليل إلى المختبر التاريخي والمجتمعي الصحيح.

ببساطة، لقد أوقف الأعرجي العمل النظري الرائع والخلاق الذي خطه الجابري، على قدميه، وأجلسه في مكانه، وعاد ليستخدم رؤيته الخاصة، ليقول ها هنا (في "العقل المجتمعي" وفي طابعه "المنفعل") تكمن المشكلة التي أثمرت كل هذا التخلف.

ولكي يمكن الخروج من الدائرة الكارثية التي بقينا ندور فيها، فإن عملاً مضنياً يجب أن يبدأ لتحرير الفكر ولإخراج المجتمع من سجنه المؤبد.

هل فعل الأعرجي في التحليل السوسيولوجي العربي، ما فعله ماركس بفيورباخ  في الفلسفة، عندما أقعد ماديته على جدلية  هيغل؟

هذا سؤال لن تمكن الإجابة عليه من دون التمعن في هذا الكتاب الكاشف والمتحدي.

للحصول على نسخة مجانية من الكتاب: أضغط هنا

للحصول على نسخة مجانية من Google Books أضغط هنا

للحصول على نسخة مجانية من  Play Store، أضغط هنا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1250 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع