قصابون بثياب وزراء

                                              

                           إبراهيم الزبيدي

إن الخوف الشديد ليس من احتمال ضياع أصوات الجماهير الغاضبة التي ملأت شوارع الوطن وساحاته الواسعة، ولكن الخوف كله على شبابها الأبرياء مما يدبره لهم خنازير السلطة  وتماسيح أحزابها ومليشياتها.

لا أحد يمنى هذا الكابوس المخيف لهذا الوطن العزيز وأهله الطيبين. ولكن تأملوا الصورة حين تنطلق رصاصة خبيثة من مجهول لتصيب واحدا أو عشرة من المتظاهرين، ويضطر شباب الحراك إلى الرد على النار بنار. مذا سيفعل هادي العامري وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس وباقي (المستأجرين على خراب ديارهم، ويُكافأون على الخراب رواتبا)؟ ألن يصبحوا على شبابنا أكثر دموية وهمجية من بشار الأسد على شعبه المنكوب؟

وذلك لأنني أعرف خامة الحكام الحاليين أجمعين، وأعرف حجم ما فيهم من خبث ونفاق وغش وغدر وأنانية وقسوة وحيوانية، وأعرف أن أحدهم لن يتورع عن حرق مدينة بأكملها من أجل أن يشعال سيكارة.
تذكرت لقاءً تاريخيا مع أحد الوزراء الأقوياء جدا في النظام الذي يطلب المحتجون من فاسديه تطهيره من فاسدين. جمعتنا به وليمة غداء سياسي في عمان، بحضور بضعة من رجال الصحافة والتجارة العراقيين المقيمين في الأردن، في نيسان/ أبريل 2009.
وتذكرت ما دار في ذلك اللقاء، فخفت على شبابنا الحراك، وتساءلت، ماذا سيفعل بهم هذا الوزير الذي رفعوا صورته وطلبوا عقابه، حين يتأكد من أن هتافاتهم تحولت، أو ربما تتحول، إلى فعل، وتمس جدارا من جدران قصره في المنطقة الخضراء، أو مصرفه في بغداد، أو مزارعه الواسعة في الحلة وكربلاء؟
" http://www.elaph.com/Web/AsdaElaph/2009/4/435197.htm - #http://www.elaph.com/Web/AsdaElaph/2009/4/435197.htm - #

إن المعارضة كلها، بكل أنواعها وأشكالها، لن تهز شعرة من رأس أصغر وزير أو غفير في حكومتنا).    
هذه العبارة ليست لي، بل هي بعض ما صَعَقنا به ذلك الوزيرٌ المتدين ذو المحبس الشذري الثمين، والـطبعة اللامعة على جبينه من أثر السجود، واللحية الخفيفة الأنيقة البيضاء المنسقة جيدا، والمضمخة برائحة العود.     
بادرني، تعليقا على بعض مقالات نقدية كنتُ نشرتها في بعض الصحف العراقية والعربية، فقال بتسامح مفتعل، "إننا نرحب بالنقد، ولكن شرط أن يبقى في حدود المعقول". واختلفتُ معه في تحديد هذا (المعقول). فما يراه هو غيرَ معقول أراه أنا، ويراه معي أغلب المعارضين الآخرين، معقولا وأحسن معقول.
ثم وصف كتاباتنا بأنها (سفسطات) فارغة يثرثر بها عاطلون عن العمل، مساكين، لا تقتل رئيسا، ولا تخطف وزيرا، ولا تنسف برلمانا، ولا تمس حجرا من قصور المنطقة الخضراء.
قلت: إنها زفرات ننفثها من حلاوة الروح، وصيحات نطلقها من حرقة القلب على وطن لم نذق طعمه الحلو، لا حين كنتم معارضين، ولا حين أصبحتم حاكمين، ولا وأنتم جائعون، ولا أنتم متخمون.
ثم أضفت: مادامت كتاباتنا لا تضر ولا تنفع فقل لزملائك الوزراء والرؤساء والمدراء والسفراء، سكان الجنة الخضراء، ألا يضيقوا ذرعا بكلامنا الفارغ الذي لا يهش ولا ينش، وأن يكفوا عن ملاحقة بعضنا، قضائيا أو بالكواتم، أو بالصحافة البذيئة التي تلفق القصص والحكايات الكاذبة حولنا.  فلكم، ولأولادكم  ولأعمامكم وعماتكم، وأبناء أعمامكم وعماتكم، وأخوالكم وخالاتكم، وأبناء أخوالكم وخالاتكم جميع المناصب والمراتب والمكاسب والشركات والصفقات والحمايات والمصفحات، ولنا، فقط، هذا الكلام الفاضي، خصوصا وأنك، يا سيادة الوزير، أعلنت في أول هذه الجلسة أنك لا تقرأ شيئا مما نكتب، ولا تسمح لمعاونيك بنقله إليه، لأن وقتك لا يتسع لهذه الترهات والخزعبلات.    
ثم خضنا جدلا معقدا طويلا مع السيد الوزير حول مفهوم الحرية والسلطة والمعارضة، وحول حدود كل منها في أنظمة الحكم الديمقراطية. فأصر هو على أن شعبنا مازال (لا يصلح) للديمقراطية، و(لا يصلح) للمعارضة أيضا.
ثم ذَكـَّرنا بما تفعله المقاومة الإسلامية (السنية)، بقنابلها ومفخخاتها وصواريخها وأحزمتها الناسفة، وسألني قائلا: إذا كنا لا نخاف من قنابل الإرهابيين ومفخخاتهم وصواريخهم وأحزمتهم الناسفة، فكيف تريدنا أن نخاف من كلام؟.
ثم تعبنا جدا في إقناع السيد الوزير بأن الفرق بين هذا وذاك كبير. فإلإرهابيون الذين يستهدفون النظام يقتلون معارضيه أيضا. بل يقتلون معارضيه، ويدعون أصحابه، في كثير من الأحيان. وذلك إجرام هدفُه حرق الوطن وأهله، وكتاباتنا عمل وطني شريف هدفه حماية الوطن وأهله منهم ومنكم يا سيادة الوزير. فقتلهُم لا يختلف عن قتلكم إلا بالكلمات والشعارات والأساليب والأدوات.    
ضحك السيد الوزير وقال ساخرا، " على العموم. نحن لا نحتاج إلى معارضة، فنحن بدونها نعرف السراط المستقيم". ثم استدرك قائلا "ومهما كبرت المعارضة واشتد عودها فلن تحقق شيئا ذا قيمة. وأمامكم صدام حسين. ماذا فعلت معارضتنا كلهُّا بنظامه، طيلة خمس وثلاثين سنة؟ لا شيء. ولولا بوش وصواريخه لعاش أحفادنا تحت سلطة أحد أحفاد السيدة حلى أو أخيها قصي" عشرات السنين القادمة.     
ومضى السيد الوزير في تثقيفنا، بجدية بالغة، كاشفا لنا عن ثقافته ولطفه وذوقه العالي، فألقى في وجوه الجالسين عبارة كأنها بصقة كبيرة، قال:  "منذ بدء الخليقة كانت الحكومات تسير والمعارضون ينبحون". ولم يستحِ من أحد منا، ولم يستدرك، ولم يعتذر.    
ثم قال، " لكن لصبرنا حدود. فلو أصبح كلامكم رصاصا، أو ما يشبه الرصاص، فسوف نتصرف" .
قلت، ومن يقرر متى يصبح الكلام رصاصا، أو ما يشبه الرصاص؟ قال نتركها للظروف. ونهض مسرعا، وأنتهى الحوار.     
أليس من حقي، إذن، أن أخاف على خيرة شبابنا الوطنيين الشجعان من وزراء من هذه الخامة وعلى هذه الشاكلة؟ إنهم قصابون بثياب وزراء.    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

614 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع