حين يقول الحاكم العربي/ العراقي نعم سيدي

                                               

                                هيفاء زنكنة

نحن في وضع لا نحسد عليه . فالعراق الأبي، المعروف تاريخيا بمحاربة الغزاة، محتل رسميا، للمرة الثانية، بدعوة من ساسته وحكومته، بعد مرور اربعة اعوام فقط على جلاء قوات الاحتلال رسميا عام 2011. واذا كان البعض لايزال يتذكر تبرير حكومة حزب البعث لاحتلال الكويت عام 1990 بأن الكويتيين « نادوا فلبينا النداء»، فأن حكومة «العراق الجديد»، ممثلة برئيس وزرائها حيدر العبادي، من حزب «الدعوة الأسلامي»، لا تنادي فحسب بل تستجدي الاحتلال بأي شكل كان.

مما يذكرني بتعليق صديق تونسي واصفا حال الامة العربية، قائلا بسخرية مريرة: «لعلنا الوحيدين بالعالم الذين ندفع اموالا طائلة لاعدائنا ليقوموا بقصفنا وقتلنا».
وقد تجلت حالة استجداء العدو/ المحتل المهينة، بأوضح صورها، في لقطات فيديو وضع على اليوتيوب (انصح بمشاهدته) ولقي انتشارا واسعا، فاتحا الأبواب امام مخيلة رسامي الكاريكاتير والتعليقات الساخرة التي اختلط فيها التهكم والتشفي بالشفقة والاحساس بالاهانة. تم تصوير الفيديو خلال قمة الدول السبع التي عقدت في ولاية بافاريا الألمانية. ظهر فيه حيدر العبادي ووزير التخطيط سلمان الجميلي (كممثلين لحكومة العراق الجديد) وهما يتوجهان ببطء متردد نحو مصطبة جلس عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي كان يتحدث مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، ورئيس الوزراء الإيطالي. جلس الاثنان على ذات المصطبة وراء ظهر أوباما. حاول العبادي، بكل الطرق الجسدية الممكنة، من التململ الى التظاهر بالحديث مع الجميلي، اثارة انتباه اوباما ليتحدث معه، الا ان اوباما بقي مديرا ظهره للعبادي والجميلي، متجاهلا اياهما تماما . ثم وقف اوباما وابتعد مغادرا المكان بدون ان ينظر الى الاثنين. وقف العبادي والجميلي للحظات، كطفلين تائهين لايعرفان أين امهما . نظر العبادي الى ساعته متظاهرا بانه تأخر على موعد ما، ثم جرجر الأثنان نفسيهما متسللين بالاتجاه الآخر لأوباما بشكل مذل. هل أراد «السيد» أوباما، علانية، بعيدا عن منصات الخطب واللقاءات السرية حيث تتم صفقات البيع والشراء، تلقين حكومة العبادي المتأرجحة ما بين طاعة سادة ولاية الفقيه من جهة وسادة البيت الابيض من جهة أخرى، درسا علنيا في وجوب طاعة سيد واحد لاغير؟
يلخص الفيديو، على قصره، نوعية العلاقة التي تقوم ما بين ادارة الاحتلال والحكومة المحلية بالنيابة. ما بين السيد وخادم المنزل. خادم المنزل هو الذي تمت ترقيته، بعد ان اثبت ولاءه المطلق للسيد، من مستوى العبد المستخدم في الحقول بعيدا عن السيد لأن السيد لا يثق به وقد يثور ضده. وبينما يبقى هدف خادم المنزل الحصول على رضا السيد الا انه لا يجد غضاضة في الخضوع لسيد آخر . لأنه، أما بحكم الخنوع المستديم أو الرغبة بحماية نفسه، او كلاهما سوية، لا يتحرك بمعزل عن «السيد» ايا كان. ففي داخله خنوع، مزمن، يعيق تفكيره أو تصرفه بحرية في حضور «السيد»، كما يمنعه من فهم معنى الحرية والاستقلال . تبقى هذه المعاني نائية عن محيط تفكيره لأن من يقف امامه كجسد هائل الحضور هو «السيد»، وتغيب آفاق الحرية في ظله. هنا يهيمن «السيد / المحتل»، مهما كان فاقدا للاخلاق والحس الانساني، على عقل العبد – خادم المنزل – الحاكم بالنيابة – باساليب متعددة تراوح ما بين القوة العسكرية ومنحه مذاقا يستطيبه ولا يشبعه وهو مذاق السلطة على ابناء جلدته.
ان هيمنة الأحتلال، أيا كانت هوية المحتل، أمريكيا كان او اسرائيليا، ايرانيا أو سعوديا، تهدف الى محو هوية الشعب المحتل، وصياغته حسبما يراد، ومن ثم محاولة إبادته، ان لم تتمكن من اخضاعه، كما يحدث يوميا بفلسطين، مستخدمة في ذلك كل الحجج والذرائع العسكرية و «الانسانية». واذا كانت الاساليب العسكرية واضحة للعيان وتستدعي المقاومة كرد فعل طبيعي، فان حجج «التدخل الانساني» وحماية الشعب المحتل من «المنظمات الارهابية»، تحت مسميات متنوعة، تثير الالتباس، خاصة، مع تعاظم دور الاعلام التضليلي وتحريك الفتن الدينية والقومية والطائفية، ليكون الهدف النهائي الهاء الشعب عن العدو الاساسي / السيد ومن يتغذى على وجوده. فيصبح ما يفرزه الاحتلال وحكامه هو الكارثة، والمحتل هو المنقذ، بعد طغيان الحاكم المحلي ووضعه في الواجهة امام الشعب.
الحاكم المحلي، أذن، هو الدرع البشري المنقذ للمحتل ان لم يكن بشكل مباشر فبشكل غير مباشر. في حالة العراق، ساعدت سياسة النظام الذي انساق طوعا لسياسة المحتل، في بناء نظام المحاصصة الطائفية، العنصرية، وقمعه واضطهاده وتمييزه بين ابناء الشعب استنادا الى هذه المحاصصة، على تبييض وجه المحتل، وتغييره من محتل ارتكب من جرائم الحرب ما يستدعي المحاكمة، وفق القانونين المحلي والدولي، الى سوبرمان يضحي بحياته لانقاذ العراقيين من «الارهاب» . والكل يعلم من هو صانع الارهاب الاول في العالم.
يقول أوباما «ليست لدينا استراتيجية في العراق» الا انه لا يتوانى عن تخصيص اكثر من مليار ونصف المليار دولار لعملياته العسكرية في العراق، في العام الماضي، وهو ما سيتنامى بعد ارسال مئات «المستشارين»الإضافيين كمساعدة الى حكومة يستنكف محادثة رئيس وزرائها، وتستمر قواته في تنفيذ أكثر من 3200 ضربة جوية في العراق وسوريا، على 5780 هدفاً يدعون بانها لتنظيم الدولة الاسلامية وكأن التنظيم موجود في العراء، لا في المدن والأحياء المستهدفة (ونحن نعلم تخاريف دقة الاستهداف)، وكأن ملايين المهجرين العراقيين قد أتوا من اللا مكان. فهل هو الاعمى يقود العميان أم انها منهجية تفريغ العراق من أهله للاستيلاء على ثروته وأرضه؟
حذر المفكر الراحل فرانز فانون، في ما كتبه عن الجزائر، بصدد انسحاب قوات الاحتلال وقضية التعاون مع الأمة المحتلة سابقا، قائلا: « ان التاريخ يبين ان ما من أمة كولونيالية تقبل بالانسحاب من دون استنفاد امكانيات بقائها كافة». التحذير لايزال فعالا لئلا نقع في مطب الوهم الذي تغرده حكومة العبادي بأن المحتل عاد الى العراق لمساعدتنا ضد «المنظمات الأرهابية» أو، وهنا قمة المهزلة، «اننا نقاتل الارهاب لصالح العالم»، كما يدعي العبادي في حضرة «السيد». واذا كانت الولايات المتحدة قد وصلت، عام 2011، الى حافة استنفاد امكانيات بقائها، بعد ان اذاقتها المقاومة العراقية مرارة الهزيمة، فأن حكومة العبادي، على خطى حكومة حزب الدعوة السابقة، واصلت فتح أبواب العراق أمام اثنين من المحتلين هما الامريكي والايراني في آن واحد، والثاني مسموح به من قبل الأول كحليف على مضض، ليثبت ساسة « العراق الجديد» بأن طموحهم الأول، كما يقول الكاتب الجزائري البير كامي: ان يتساووا مع ذلك النموذج المرموق، أي المحتل، أن يكونوا شبيهين به لدرجة الذوبان فيه. فالحرية مسؤولية ثقيلة وهم مثقلون بالخنوع.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1237 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع