وقوف الزمن أمام باب العرب

                                    

                       د. علي محمد فخرو

ليس ماسنذكره جلدا للذات أو انضماما لجوقات الناحبين اليائسين، لكنه إبراز لمثل من أمثلة فواجع الحياة السياسية العربية الرسمية على المستوى القومي.
في أكتوبر من عام 2001 أصدر وزراء العرب المسؤولون عن شؤون التنمية والتخطيط والبيئة إعلانا مشتركا لرفعه إلى مؤتمر قمة عالمي للتنمية المستدامة ، وذلك كتعبير عن وجهة نظر العرب بشأن موضوع التنمية المستدامة.

بعد المقدمات والتشخيص والينبغيات أكد الوزراء على أن تحقيق التنمية المستدامة في الوطن العربي تتطلب أن تكون صيغ العمل العربي المشترك في صورة اثني عشر بندا من أهداف كبرى سيعمل العرب على تحقيقها، لنمعن النظر في أهمٍ البنود وماجرى لها بعد مرور الاثنتي عشرة سنة، كان البند الأهم يتعلق بالحدٍ من الفقر ورفع مستوى التعليم وإيجاد فرص العمل وحلٍ مشكلة الديون وتعزيز التكافل الاجتماعي.
اليوم، بعد مرور السنوات، تركزت الثروة العربية في يد أقلية صغيرة، بينما زادت نسبة الفقراء لتشمل ثلث الأمة وتقلصت الطبقة الوسطى إلى مشارف الفضيحة، وكحصيلة لذلك زادت نسبة المهاجرين العرب إلى أوروبا وغيرها من بلدان اليسر بحيث أصبحت ضعف نسبة المهاجرين الهنود الذين كانوا يضرب المثل بهجرتهم الكثيفة.
أما مستوى التعليم فالكل يتحدث عن تراجعه في جميع أجزاء الوطن العربي، وعن مصائب خصخصته، وعن ارتفاع نسبة الأمية خصوصا بين أطفال بلدان الكوارث الوطنية من أمثال العراق وسورية وليبيا واليمن والسودان.
أما ديون غالبية أقطار الوطن العربي فقد تضاعفت، بينما ازدادت نسب البطالة إلى مستويات كارثية لتصل إلى ستين في المائة عند البعض، وأما التكافل الاجتماعي فقد تكفلت الدولة العربية المتخلية عن التزاماتها الاجتماعية، بسبب ضغوط مؤسسات العولمة الرأسمالية الدولية، لتضعفه شيئا فشيئا، خصوصا على حساب الفقراء والمهمشين.
في بند آخر يتعلق بالتنمية البشرية وعد الوزراء بالاهتمام بصحة الإنسان ورعاية الطفولة والأمومة وتطوير مناهج التربية ومراكز البحوث العلمية والتقنية، اليوم نقف أمام فواجع تنكس الرؤوس: ملايين الأطفال والأمهات العرب يعيشون في مخيمات بدائية كلاجئين، بلا رعاية صحية وبلا تعليم، أو أنهم يهيمون على وجوهم في بلدان الغربة يستجدون ويتوسلون، أما مراكز البحث فيكفي أن نذكر أن بلدا كا الصيِن، كانت وراء الكثير من بلدان العرب، تصرف الآن خمسا وثلاثين ضعفا مما يصرفه العرب على البحث والتطوير، ولا نحتاج لمزيد من المقارنات، وكيف ستوجد موارد للبحث في بلدان تصرف على شراء الأسلحة ضعف المعدل العالمي، ثم لتستعملها ضد مواطنيها العزل، وليس ضد أعدائها.
في بند ثالث يتحدث الوزراء عن استقطاب الاستثمارات الأجنبية من أجل التنمية، هل نحتاج للحديث عن التراجعات في الاستثمارات الأجنبية وعن عبثيات تصدير الفوائض المالية البترولية العربية إلى خارج الوطن العربي ؟ وهكذا تنتعش باريس ولندن وتذبل تونس والقاهرة؟
في بند آخر يتحدث الوزراء عن تشجيع التجارة البينية العربية، اليوم، كما كانت منذ أربعين سنة تراوح تلك التجارة ما بين 8 - 10%، لكأن هذه النسبة قد أصبحت لعنة أخرى في حياة العرب، أما الحديث عن تيسير إنتقال الأفراد ورؤوس الأموال بين أقطار الوطن العربي، فقد أصبح نكتة سمجة عند معابر الحدود فيما بين الأقطار العربية، طوابير من العرب ينتظرون الساعات ويجيبون على مئات الأسئلة ليحصلوا على رخص الدخول، تقابلهم طوابير من الأجانب غير العرب يحصلون على رخص الدخول في دقائق أو يتمتعون بالاستثناءات التي تغدقها أرض العرب على ساكني بلدان ماوراء البحار والمحيطات.
الغريب أن الوزراء لم يشيروا ولو بكلمة عابرة إلى تطوير الحياة السياسية أو الثقافية أو الفكرية أو الإعلامية من أجل إغناء التنمية البشرية المستدامة التي وعدوا بالدفع نحوها.
محاولة مقارنة مقدار التطابق بين ماتقوله وتعد بتطبيقة الحكومات العربية على المستوى القومي وبين مايحدث في الواقع بعد مرور بضع سنين يظهر حجم المهازل والفواجع والسُقوط في مسيرة هذه الأمة الحضارية لكأن الزمن يقف حائرا متردِدا عند باب هذا الوطن وهذه الأمة، وقوانين التقدم نحو المستقبل تجمد.
أمام مثل هذه المشاهد هل يجوز أن يتساءل البعض عن حاجة هذه الأمة لحراكات شبابية كبرى تجري تغييرات جذرية؟

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

995 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع