"سيدات الفن العربي" ساحرات العصر الذهبي بالجمال والرقي

       

             النجمة تحية كاريوكا في فيلم "غرام" 

من أم كلثوم إلى تحية كاريوكا وفيروز وصباح وداليدا... رائدات الغناء والرقص والسينما

الأندبندت/ كاتيا الطويل:يفتح معهد العالم العربي في الدائرة الباريسية الخامسة أبوابه هذا الصيف لكل عشاق الفن العربي ويقدم معرضاً حول سيدات الفن العربي، من أم كلثوم إلى داليدا، مغنيات وممثلات وراقصات ومطربات من أجمل النساء العربيات اللواتي ظهرن في السينما والمسرح والتفلزيون والموسيقى. جميعهن موجودات في هذا المعرض الذي يجمع إلى جانب صورهن وملابسهن ومجوهراتهن مقتطفات من أجمل الحفلات والأفلام التي شكلت محطات حاسمة في تاريخ نهضة الفن العربي في القرن العشرين.

في تحية لمواهبهن وللأسطورة التي صنعنها بفنهن وجمالهن وتوهجهن، يقدم معرض معهد العالم العربي الذي يستمر حتى أواخر شهر سبتمبر (أيلول)، رائدات رائعات موهوبات أسهمن في تألق المسرح العربي والسينما العربية والكاباريهات والكازينوهات والحفلات. يقدم هذا المعرض بطلات أفلام ونجمات أمسيات غنائية حشدت المئات والآلاف من عشاق الفن والموسيقى والاستعراض، نساء ذهبيات شكلن معايير الجمال والأنوثة والفن، نساء ذهبيات صنعن مجد القاهرة وصنعت القاهرة مجدهن.

بدءأً من بديعة مصابني

جميع نساء القرن العشرين المتوهجات موجودات، من الست منيرة سلطانة الطرب إلى بديعة مصابني مؤسسة فرقة بديعة مصابني التي تزعمت المسرح الاستعراضي، من الست أم كلثوم كوكب الشرق إلى أسمهان الأميرة الدرزية التي اتهمت بالعمل لمصلحة الحلفاء، من ليلى مراد الممثلة والمغنية اليهودية إلى تحية كاريوكا التي تزوجت سبع عشرة مرة وكتب عنها إدوارد سعيد، من سامية جمال التي عشقها فريد الأطرش إنما تزوجت رشدي أباظة، إلى فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية والمرأة الهاربة من ظلم الاستبداد،

      

من مارلين مونرو الشرق أو ملكة الإغراء هند رستم إلى الرائعة المدللة صباح، من داليدا ملكة جمال مصر إلى السيدة فيروز الرقيقة الشامخة، من وردة الجزائرية التي نادت برحيل الاستعمار الفرنسي عن الجزائر إلى سعاد حسني سندريلا الشاشة العربية التي لم تتأكد الصحافة بعد من صحة خبر زواجها من عبد الحليم حافظ ... مع وجود جميل ومشرق للجيل الأول من النسويات والمدافعات عن المرأة والثقافة والصحافة مثل المتمردة هدى شعراوي، أيقونة النسوية المصرية والعربية في بداية القرن العشرين التي رفعت النقاب عن وجهها في العلن وبدت سافرة للمرة الأولى بين الجموع، وروز اليوسف صاحبة جريدة "روز اليوسف" العريقة التي كتب فيها عباس محمود العقاد ونجيب محفوظ وعائشة عبد الرحمن وغيرهم كثر من المبدعين.

سيدات الفن العربي بين العامين 1920 و1970، سيدات لكل منهن معاناتها وتمردها وقصتها خلف الكواليس، لكل منهن توهجها وبريقها وأسطورتها. برعن ولمعن وتحملن أحكام المجتمع والنتائج التي قد تتأتى عن أي نجاح وأية حرية، نساء من طبقة البرجوازية أو الأرستقراطية، من علية الناس أو من الطبقة المدقعة من الشعب، نساء مسلمات ومسيحيات ويهوديات، نساء ذوات موهبة وأنوثة ورشاقة وكاريزما وتوهج جعل العالم العربي يقطع أنفاسه وهو يراقبهن ويتأمل فنهن لخمسين سنة شكلت العصر الذهبي للفن العربي.

   

عظمة القاهرة وعصر النهضة

في بداية القرن العشرين شهدت مصر تغيرات سياسية وفكرية وفنية، فبلغ عصر النهضة أوجه في القاهرة، العاصمة المشرقة والمسيطرة على كافة العواصم العربية الأخرى، التي كان طريق النجاح والشهرة والتألق يمر بها لا مفر. وكانت الخمسينيات عموماً بداية ما سُمي بالعصر الذهبي للسينما المصرية التي سيطرت على المشهد بأسره، وكان التوجه العام في ذلك الوقت نحو الواقعية من بعد أن طبعت أفلام الثلاثينيات والأربعينيات السينما بطابع الرقص والغناء وقصص الحب والغيرة والرغبة والشجار ومن بعدها المصالحة والنهاية السعيدة.

أحكمت القاهرة سيطرتها على المشهد الفني في العالم العربي بأسره ويُذكر أنه ظهر بين العامين 1945 و1965 ما يزيد على 225 فيلماً، أفلام وحفلات ونساء شكلت العصر الذهبي لأم الدنيا.

تحديات اجتماعية لسيدات الفن

صحيح أن نساء الفن الذهبيات كن قويات وعصيات وذوات طباع حادة، إنما ليس الفن دوماً نزهة سهلة يسير فيها كل من يرغب. فعلى عكس أم كلثوم التي تعلمت الغناء وتلاوة القرآن على والدها، لم تقبل عائلة الممثلة والمؤلفة المصرية بهيجة حافظ بمسيرتها الفنية وعارضتها شديد المعارضة حتى إن شقيقتها تلقت العزاء فيها في سرداق بيت العائلة.

          

وعدا عن رفض العائلة المحافظة عموماً على اختلاف الانتماء الديني، شكل الزوج في أحيان كثيرة سبباً لاعتزال الفنانة خشبة المسرح، وهذا كان حال وردة الجزائرية مثلاً التي تزوجت وابتعدت عن عالم الفن نزولاً عند رغبة زوجها، لكنها عادت إلى الغناء عام 1972، وتزوجت الملحن بليغ حمدي وأصبحت المرأة التي يعرفها العالم بأسره.

                

كان تحدي المجتمع وقبوله للمرأة الفنانة أمراً صعباً جداً، أم كلثوم نفسها اضطرت إلى التنكر بزي رجل في السنوات الأولى من مسيرتها قبل أن تعود إلى نزع ملابس الرجال وإشهار هويتها. أم كلثوم التي كان يمكن لأغنية واحدة من أغانيها أن تستمر ساعة، والتي قيل إنها عندما تغني فالعالم العربي بأسره يسمع، اضطرت إلى إخفاء أنوثتها وهويتها لتتمكن من دخول عالم الفن.

تحديات سياسية

صحيح أن سيدات الفن العربي جسدن المثل العليا للجمال والأنوثة والموهبة، إلا أنهن أيضاً عنين بشؤون مجتمعاتهن السياسية والعقائدية والأيديولوجية. فمنهن من سجنت أو نفيت أو قتلت. ومن أبرز الفنانات اللواتي طالتهن الشائعات الأميرة الدرزية أسمهان التي اتهمت بأنها كانت جاسوسة للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وظل حادث السير الذي توفيت فيه مشكوكاً بأمره، هل هو حادث فعلاً أم اغتيال؟

كذلك هو الأمر مع وردة الجزائرية التي نادت باستقلال الجزائر وتحريرها من الاستعمار الفرنسي، فبرزت في كلمات عدد من أغانيها معاني التحرر والثورة، كقولها "وطني يا ثورة على استعمارهم/ لو نستشهد كلنا فيك/ الاستعمار على إيدنا نهايته...". وقد أدى تحيزها إلى الجزائر إلى صدور قرار بإبعادها ونفيها من مصر التي لم تعد إليها إلا مطلع السبعينيات مع وفاة عبد الناصر.

       

تحية كاريوكا نفسها أدت دوراً سياسياً بارزاً وألقي القبض عليها مراراً بسبب نشاطها السري، وكذلك فاتن حمامة التي غادرت مصر عام 1966 احتجاجاً على الضغوط السياسية التي كانت ضحيتها، والتضييقات التي تعرضت لها فتنقلت بين بيروت ولندن ولم تعد إلى مصر إلا بعد أربع سنوات، وبدأت حينها بتجسيد شخصيات نسائية تحمل دلالات ديمقراطية وتحررية.

         

أما سعاد حسني فحادثة وفاتها تبقى السر الذي نسجت حوله الأقاويل الكثيرة، فقد توفيت سعاد حسني عام 2001 إثر سقوطها من شرفة شقتها في لندن، وتضاربت الأنباء والأقوال حول موتها، وشكلت قضية موتها غموضاً كبيراً لم يحل إلى الآن، فهل قُتلت أم انتحرت؟

بعد خسارة حرب الستة أيام عام ،1967 ووفاة جمال عبد الناصر عام 1970 أفل نجم الحلم العربي، وانتهى العصر الذهبي للفن العربي. فمع الانهيار الاقتصادي الناتج من أزمتي 1973 و1979، والحرب اللبنانية عام 1975 وصعود وتيرة التزمت الديني والتطرف الإسلامي في الدول العربية، طغى على المشهد الفني والثقافي والفكري في العالم العربي نوع من الجمود والانحطاط. تراجعت القاهرة وبيروت لمصلحة دول الخليج، وولى زمن المسرحيات والأفلام الموسيقية وخبا نجم موسيقى أم كلثوم وأسمهان ووردة، لتبقى أفلام الأسود والأبيض والتسجيلات العتيقة وحدها التي تذكرنا بزمن ذهبي، زمن النساء الرائدات المتمردات اللواتي صنعن مجدهن بأصواتهن وابتساماتهن وقدودهن المياسة.

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

696 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع