عبء ثقيل على ميزانية الأسرة وعلى ربتها
لا صوت يعلو في رمضان على صوت مآدب الإفطار، حيث يمثل الشهر الفضيل فرصة سنوية للتواصل الاجتماعي والعائلي في كل الدول العربية تقريبا، إلى درجة أن هناك أقارب وأصدقاء لا يرون بعضهم سوى على موائد الإفطار الرمضانية.
العرب نجوى درديري:رغم أهمية المآدب في الحياة الاجتماعية كطقس عائلي رمضاني مبهج، إلا أن الظروف الاقتصادية التي تزداد صعوبة في السنوات الأخيرة، حولتها إلى عبء ثقيل على ميزانية الأسرة إضافة إلى كونها عبئا جسديا على ربتها.
تحرص الكثير من العائلات العربية على وضع كل ما لذ وطاب على مآدبها الرمضانية كنوع من أنواع التباهي الاجتماعي أحيانا، وفي أحيان أخرى كنتاج لمشاعر الغيرة بين النساء، وتسعى كل واحدة لإعداد مأدبة تتفوق على ما أعدته السيدة الأخرى.
معاناة رجل البيت من إرهاق المصاريف تهون على السيدات مقابل أن تضع صورا لمأدبة قامت بإعدادها بما تضمنته من طعام متعدد وفاخر على حسابها الشخصي في “فيسبوك”.
لكن تبقى أكثر المآدب الرمضانية تكلفة على الرجل وإرهاقا للسيدة هي التي تقيمها أسر لنظيرتها ممن ارتبطت معها بعلاقة نسب حديثة، فتتبارى كل أسرة على نوعية الأطباق المقدمة على مائدة أهل العريس أو العروس.
أشارت الدكتورة سهير لطفي خبير علم الاجتماع لـ”العرب” إلى أن المآدب عادة اجتماعية مصرية لها جانب إيجابي لا بد من دعمه وتوطيده وليس المطالبة بإلغائه، خاصة أن هناك شعوبا، مثل الشعب المصري، تعشق الاحتفالات التي تكون مرتبطة غالبا بالأطعمة.
وأضافت أن المآدب الرمضانية ليست مجرد مناسبة لتناول الطعام، وإنما فرصة لاستعادة دفء العلاقات بين أفراد العائلة والأصدقاء واستعادة المواقف الكوميدية والذكريات الجميلة. ولفتت لطفي إلى قيمة اجتماعية مهمة تنميها تلك المآدب وهي تعزيز التواصل الاجتماعي في نفس الأطفال الصغار الذين يرون آباءهم يحرصون على إحياء المناسبة فيعتادون عليها وينقلونها إلى أولادهم بما يضمن بقاء ثقافة التواصل في المجتمع.
لكن الخبيرة الاجتماعية نصحت السيدات والرجال بترشيد نفقات المآدب والاقتصار على تقديم أصناف طعام بسيطة وغير مكلفة، حتى لا يتحول الأمر إلى مشقة لا تستطيع الأسر تحملها ومن ثم يكون ذلك بداية اندثارها.
أصوات كثيرة استبقت حلول شهر رمضان بنصائح للسيدات للاستغناء عن فكرة المآدب، لما يتخللها من بذخ
وأوضحت أن هناك ظاهرة صحية طرأت في السنوات الأخيرة هي تقسيم المأدبة على الأسر المشاركة فيها، بحيث تحضر كل أسرة نوعا من الطعام لتخفيف الحمل على الأسرة الداعية ماديا وجسديا.
كما أن بعض الأسر حولت المآدب من المنازل إلى الأندية الاجتماعية تجنبا لإرهاق سيدة البيت في تنظيف توابع المأدبة، وتوفير أجواء ممتعة بعد الإفطار، وتقدم أغلب تلك الأندية عروضا فنية تضفي على الصُحبة العائلية جوا لطيفا.
أصوات كثيرة استبقت حلول شهر رمضان بنصائح للسيدات للاستغناء عن فكرة المآدب، لما يتخللها من بذخ وإسراف لإعداد قائمة طويلة من الأطعمة والحلويات التي ترهق ميزانية الأسرة.
لكن كل المبادرات فشلت، سواء المطالبة بإلغاء بند المآدب أو حتى ترشيد نفقاتها في تحقيق أهدافها، لأن المجتمع المصري لا يستطيع التنازل عن عاداته التي تشعره ببهجة رمضان جنبا إلى جنب مع طقوس العبادة من صيام وصلاة. المثير أن الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية والمكسرات، لم يمنع الأسر المصرية من الإقبال على الشراء مع تركيز أكبر على السلع الأساسية دون المكسرات والياميش، بما يشير إلى ترشيد إجباري لمآدب رمضان الحالي.
أكدت يسرية عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد المنزلي وإدارة شؤون الأسرة بجامعة الإسكندرية، أهمية التزام السيدة بترشيد الأطباق التي ترتفع تكاليف مكوناتها، مثل تلك التي تضاف إليها المكسرات والاستعاضة عنها بأنواع أقل سعرا.
وقالت لـ”العرب” إنه من دواعي الأهمية الصحية للأسرة تقليل كمية اللحوم والدواجن، واستغلال فرصة شهر رمضان لتنفيذ هذا الترشيد الصحي، كما أنه لا يوجد داع لطهي الديك الرومي والذي وصل سعره إلى ما يعادل 30 دولارا أميركيا.
وأشارت عبدالمنعم إلى أن السيدة العربية يجب أن تكون ذكية في إعداد مأدبتها الخاصة من خلال إعداد أطباق كثيرة ومتنوعة ترضي جميع الأذواق وفي نفس الوقت لا تكون مُكلفة.
وضربت أمثلة على ذلك بأطباق السلطة التي تتعدد أنواعها، وهناك أيضا الطواجن غير المكلفة مثل “المسقعة” وهي وجبة شعبية في مصر تتكون من الباذنجان والطماطم والفلفل، والإكثار من أطباق “المحشي” المحببة.
وعلى صعيد متصل، اهتمت البرامج الفضائية المتخصصة في الطهي و”الإتيكيت” بالحديث عن مآدب شهر رمضان وكيفية الإعداد لها، وبحث الطرق وتقديم النصائح التي تريح السيدة المصرية.
ونصحت أميرة نبيل خبيرة الطهي و”إتيكيت” تحضير موائد الطعام سيدات البيوت بأهمية إعداد المآدب قبل موعدها بيوم على الأقل بداية من تحضير مكونات الطعام، وإعداد السلطات والمشروبات الرمضانية، حتى تنتهي من إعداد الطعام قبل موعد الإفطار بساعتين على الأقل حتى تشعر بالراحة. ونوهت نبيل لـ”العرب”، إلى أهمية تنظيف المنزل وتزيينه بالزينة الرمضانية والإضاءة المناسبة، قبل موعد المآدب حتى يحتفظ برونقه ونظافته، وأن تستعين صاحبة المنزل بإحدى قريباتها لمساعدتها في الإعداد والتجهيز للمأدبة.
628 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع