شارع المتنبي رئة تتنفس بها بغداد كتبا وثقافة

  

صحيفة العرب/بغداد - تتفرّد بغداد بشارع المتنبي الشهير، منذ إنشائه خلال العصر العباسي تحت اسم سوق الورّاقين، فهو يعدّ إلى غاية اليوم سوقا مزدهرة بالكتب، إذ يعجّ بالمئات من المكتبات التي تعرض آلاف العناوين والإصدارات وحتى المخطوطات النفيسة، فضلا عن باعة الأرصفة،

حيث يفترش أصحابها آلاف الكتب الحديثة والنادرة، بالإضافة إلى ما تحتضنه المنطقة من معارض فنية ومجالس ومنتديات ثقافية ومنابر للرأي في ساحاته ومقاهيه.

              

يقول الحاج محمد الخشالي، صاحب مقهى الشابندر الشهير، “تغيّرت أسماء هذا الشارع أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية (132/656 للهجرة)، فقد بدأ بدرب القلغ وسوق السراي وشارع حسن باشا، وتعود تسميته بحسن باشا إلى كون هذا القائد العثماني فتحه أوّل مرّة ليكون مسلكا يذهب من خلاله إلى جامع السراي. وفي زمن العثمانيين تحوّل اسمه إلى “الاكمك خانة”، إلى أن سمّاه الملك غازي عام 1932 باسمه الحالي شارع المتنبي”.

وأوضح الخشالي أنّ هذا الشارع “كان يضمّ العديد من العيادات الطبية ومحال الأدوات المنزلية والبقالة، ولكن في عام 1955 وبسبب انتعاش الحركة التجارية.. فقد تحوّل بيع الكتب من السراي إلى المتنبي، وهدمت كل المحال القديمة لتحل محلها عمارات ومطابع ومحلات لبيع الكتب”.

وبجوار شارع المتنبي يقف شامخا قصر القشلة أو قاشلاق، وهو المعسكر الشتوي الذي بني في عهد الدولة العثمانية على ضفاف نهر دجلة عام 1852 على أركان السراي في زمن الوالي مدحت باشا، وقد شيّد آنذاك من طابق واحد، حيث هدم سور بغداد وأخذ طابوقه لبناء القشلة وساعته الشهيرة التي كانت تدق لإيقاظ الجنود.

يعود إنشاء شارع المتنبي إلى زمن الدولة العباسية، وهو يعد عبر تاريخ بغداد أهم سوق لترويج الكتب والمخطوطات

وذكر صاحب مقهى الشابندر أنه تم تتويج فيصل الأول ملكا على العراق في مبنى القشلة الذي أسس بدوره خمس وزارات في هذا الشارع، وهي وزارات العدل والداخلية والمعارف والأشغال والمواصلات، وأضاف إليها مجلس الوزراء، فأصبح مركز الحكومة الملكية في هذا الشارع والتي استمرت إلى 14 يوليو عام 1958، بعدها انتقلت منه، وأهملت تلك الأبنية بعد انبثاق العهد الجمهوري.

واحتضنت أبنية القشلة عدة دوائر ومدارس، إلى أن تحوّلت إلى بناية حاكم التحقيق وكتاب العدول، ثم تركت وهدمت بعد عام 2003 من قبل اللصوص والمخرّبين إثر حوادث السلب والنهب التي رافقت الغزو الأميركي للعراق وما بعده.

وتعرّض الشارع في الخامس من مارس عام 2007 لتفجير بسيارة مفخخة أدت إلى قتل 30 شخصا من المتسوّقين، وتسبّبت في تدمير العديد من الأبنية القديمة، فقد انهارت المكتبة العصرية بشكل كامل، وهي أقدم مكتبة في الشارع تأسست منذ عام 1908، كما دمّر مقهى الشابندر واحترقت آلاف الكتب بدمار مكتبات ومطابع كثيرة، وأصبح العديد من المباني البغدادية الأثرية في المنطقة ركاما منثورا، فكان ذلك مشهدا مأساويا لا تزال مرارته حاضرة في أذهان المثقفين العراقيين.

وفي 2008 أعيد افتتح شارع المتنبي مجدّدا بعد إعادة إعماره وإضافة رمزه التاريخي، الشاعر أبي الطيّب المتنبي، عبر إقامة نصب جديد له من البرونز بمحاذاة نهر دجلة. كما قامت محافظة بغداد بإعادة تأسيس المركز الثقافي البغدادي المقابل لمبنى القشلة، ليضمّ عدة قاعات تحمل أسماء أعلام العراق وفنانيه، خصّصت للندوات الثقافية والمنتديات الشعرية والمهرجانات والمعارض الفنية المختلفة.
كما أعيد إعمار مبنى قصر القشلة، فأضحى ملتقى للعديد من منظمات المجتمع المدني والشباب والشعراء، ومكانا أنسب كذلك لإقامة معارض الفنون التشكيلية. والملفت أنّ الكثير من مرتادي شارع يحبّذون الجلوس على ضفاف نهر دجلة أو التجوال عبر مياهه بواسطة الزوارق. ويعد مقهى الشابندر واحدا من أشهر معالم هذا الشارع الذي كان يرتاده كبار الشعراء والمثقفين والأدباء والصحفيين في العراق والعالم العربي، وما زال يمثل أحد أهمّ معالم الشارع.

وقال الحاج محمد الخشالي “لقد بنى الحاج محمود الشابندر هذه البناية في شارع المتنبي لتكون مطبعة في عام 1910 على غرار مطبعة مدحت باشا، وبعد أن انتعشت الطباعة فيها عام 1914 تمّ اتهامه بالتحزّب السياسي ضد الحكم آنذاك، فنفي إلى خارج العراق ثمّ سرعان ما أسقطت عنه التهمة وألغي قرار النفي ليعود ويحوّل المطبعة إلى مقهى عام 1917”.

وأضاف “المقهى دمّر خلال انفجار عام 2007 واستشهد خمسة من أولادي، لكن أعيد ترميمه، وهذا الشارع بعدما كان شارع المثقفين والكتب أصبح أيضا شارعا للفعاليات والتظاهرات الثقافية، وربّما أدّى ذلك إلى تراجع تجارة الكتاب قليلا”.

من جهته، قال كاتب السيناريو والمخرج العراقي، علي زامل، “أنا أرتاد شارع المتنبي بشكل متواصل منذ أكثر من 10 سنوات كونه أقدم معرض لبيع الكتب النادرة في العراق، وأصبح اليوم ملتقى للنخب الثقافية ومسرحا للعروض الفنية والتباحث في المشاكل التي يتعرّض لها العراق”.

وأضاف “في كل أسبوع أكون مهيأ لتقديم شيء جديد أنا وزملائي الذين أتواصل معهم، ونحن الآن بصدد الترويج لتقديم فعاليات الأفلام القصيرة للشباب في شارع المتنبي، ونتوقع مشاركة 10 أفلام الأسبوع المقبل، ونخمن أن تزيد عن ذلك”.

وتقول السيدة بان فرات الجواهري إن “شارع المتنبي بالنسبة إليّ هو الرئة التي أتنفس من خلالها، فهو شارع يروي قصصا للأجيال، ومنتدى ثقافي متجدد ومتطور وهذا ما يجعله اليوم محط إعجاب الجميع”.

وأضافت أنّه “عبر السنوات الماضية كان شارعا نخبويا يرتادوه كبار المثقفين والشعراء والسياسيين والإعلاميين، أما اليوم فقد أصبح منتدى للجميع ونحرص على مشاركة جميع الزملاء الشعراء والكتاب والسينمائيين لحضور احتفالياته”.

كما اعتبرت أنّ هذا “الشارع أصبح منبرا للكلمة الحرة الشريفة، بعيدا عن الطائفية فهو يعكس معاناة الشعب الذي يتوق إلى بناء عراق متجدد”.

شارع المتنبي اكتسب أهميته بالخصوص ممّا يضمه من مطابع ومكتبات عريقة، إذ توجد فيه أوّل مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر، ومن مكتباته الأولى مكتبة المثنى والنهضة والمكتبة العصرية، كما تنتصب فيه العديد من دور النشر، فضلا عن أقدم المجلّدين وأوّل مزاد للكتب في بغداد، كان قد بدأه الراحل نعيم الشطري الذي كان يصدح منذ أوّل صباح الجمعة حتى الظهيرة، معلنا عمّا يتوفّر من أمهات الكتب وأسعارها. فعمليات بيع وشراء الكتب لا تجري هنا غالبا إلا يوم الجمعة، حيث تتهافت على اقتنائها جموع من المثقفين والباحثين والطلبة وسائر مرتادي الشارع البغدادي العريق.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1141 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع