قبل 13 عامًا، توقع العراقيون أن يجدوا مستقبلاً أفضل مع سقوط النظام السابق، لكن ما حدث كان مغايرًا، إذ تفاقمت الطائفية في البلاد ووصلت حد الحرب الأهلية، فيما هيمنت نخب سياسية استبدلت استبداد الفرد باستبداد الجماعة.
ايلاف/بغداد: استيقظ العراق اليوم للمرة الثالثة عشرة على وقع ذكرى التغيير الكبير، لكنه وجد نفسه حائرًا، ينظر مواطنوه في الارجاء بحثًا عن اجوبة لكل ما حدث، وما يحصل الآن فيما تتباين آراؤهم وتختلف وجهات نظرهم .
وما زال العراقيون وهم يجدون اوضاعهم تزداد سوءًا يتجادلون في تسمية ما حدث في التاسع من نيسان / ابريل 2003، فهناك من يسميه تحريرًا، وهناك من يطلق عليه احتلالاً، فيما قسم ثالث يسخر من هذا الأمر، لأنه يجد أن التسميتين سيان فالنتيجة هي ذاتها: خراب العراق ودماره.
العراقيون في حيرة من أمرهم
"إيلاف" سألت عددًا من المواطنين العراقيين من مختلف الشرائح عمّا حدث في يوم التاسع من نيسان عام 2003، ليلة سقوط نظام صدام حسين، وما رأيهم بالتغيير الذي تلا تلك الليلة ؟ وماذا يسمون هذا اليوم؟ هل هو تحرير أم احتلال؟.
وأعربت غالبية العراقيين عن فرحهم بالتغيير والخلاص من نظام دكتاتوري، لكنهم يستدركون أن التغيير لم يكن تغييرًا حقيقيًا حقق للشعب طموحاته التي كان يريدها، إذ وقعوا في اختبار المقارنة بين وضعين سيئين جلبا لهم الدمار والخراب، فيما اشار البعض الى أن نظام المحاصصة هو من اجهض الآمال التي كانت معقودة على التغيير، أشار فريق آخر إلى أن تداعيات التغيير السلبية شملت اندلاع العنف الطائفي، والانقسام الطائفي، وهيمنة نخب سياسية على المشهد فشلت في ادارة البلاد.
اخفاقات التغيير
واستعرض أستاذ العلوم السياسية الدكتور احسان الشمري إخفاقات التغيير في الحياة السياسية العراقية، وقال " إن التغيير شمل طبيعة النظام فقط، اذ انتقل من نظام استبدادي الى نظام ديمقراطي، أما التغيير على أرض الواقع فلِمَ لم يحدث" .
واضاف: نظام المحاصصة لم يراكم الممارسة الديمقراطية وانعكس بشلل كامل لهذا التغيير، ولم تعد هناك جدلية حول مصطلح الاحتلال أو التحرير لأنها فقدت بريقها نتيجة التشوه الذي اصاب التغيير، وقد يكون عودة الاحتلال هو الضامن لعدم انزلاق العراق نحو حرب طائفية".
وتابع : "رغم كل الاخفاقات الا أنني مؤمن بأن التغيير الذي حدث افلت العراق من نظام شمولي، ولست نادمًا على التغيير، الديمقراطية ثقافة تتراكم من خلال الاداء السياسي الصحيح، والامر متروك لتراكم هذه الثقافة والتخلص من اخفاقات التغيير".
الحال يزداد سوءًا
بدروه، أكد الكاتب مصطفى سعدون أنه لا يرى فرقًا بين تسميتي "التحرير" و"الاحتلال"، لأنه يرى النتيجة ذاتها في الخراب والدمار، والعراق ليس العراق.
وقال سعودن لـ" إيلاف": "يبدو أن اختلاف العراقيين حول تسميتي الاحتلال والتحرير أمر سوق للشعب بغية استفادة السياسيين المروجين للتسميتين من الاختلاف الحاصل، ولا اعتقد أن العراق كان سعيداً لا بالتحرير ولا بالاحتلال".
وأضاف: وبعد التاسع من نيسان احتل العراق فكريًا وجغرافيًا من قبل الارهاب ومن قبل قوى تريد أخذه الى زاوية ضيقة واضعافه.
وتابع: "اعتقد أن العراق على مر تاريخه لا توجد كلمة أو جملة أو كتاب يختزل حالته، فكل ما بالعراق حزن ومآسٍ، العراق بعد 13 سنة لم يأخذ طريق الانفتاح على العالم، بل زادته الحكومات المتعاقبة انغلاقاً، وما كان عليه من خدمات وشوارع نظيفة قبل 2003 افضل بكثير، والحال الان يزداد سوءاً".
لم نلمس تغييرًا إيجابيًا
ويرى الكاتب كريم السيد أن المقارنات التي يشهدها العراق بين العصرين تنحصر بالسلطة، وما حولها من صناعات، والأمن، والاستقرار، ودخل الفرد، والانفتاح على العالم، بين امس صدام ويوم الديمقراطية".
وتابع:" نحن ندفع ثمن إرتمائنا على إرادات من خارج الحدود، في الواقع هي ضريبة الديمقراطية التي فوجئنا بها، كما فوجئنا بسقوط تلك السلطة القمعية الرجعية الفاشية بكل تأكيد".
أما الصحافي فهد الصكر فقال: "من خلال متابعتي لشكل الدولة بعد العام 2003، وهي متابعة تنطلق من منطقة "السلطة الرابعة" لا أتلمس أي معنى "للتغيير"، حتى مفاهيم السياسة والإجتماع والإقتصاد لم يعد لها حضور فاعل في حياتنا اليومية كعاملين في المشهد الثقافي والأعلامي، ولم تثر رغبتنا في متابعة ما ينطق به المسؤول لأنه لا ينطق بمنطق واقعي ينسجم وحجم "التغيير" ينسجم وحجم المعاناة .
واضاف الصكر:" كنا واهمين أن هناك بصمات جديدة ستطرأ على راهن حياتنا في كل شيء ازاء "طاغية" جثم على صدر العراق لأكثر من ثلاثة عقود، لنصطدم بواقع مرير حد الوجع مقابل هول وأسطورة حياة " النبلاء " حكامنا الجدد .
وتابع : "صارت أحلامنا تتبعثر مع كل يوم يمر دون تحقيق أي صورة جديدة لهذا الحلم، وكذلك كنا نتصور أننا سنتحكم بمصادر "نفطنا"، لكننا تجاوزنا العقد ونيف والعراق يتراجع، ولم تتكوّن "مؤسسة السلطة" بعد، ولم تمارس واقعية "التغيير" أبدا".
أميركا وداعش والفساد
وتعتقد الموظفة العراقية جوهره الاسدي، أن اميركا أحدثت التغيير في العراق لصالح اسرائيل، وقالت: "لا استطيع ان اقول اني اشعر بالندم، ﻻن الحال ايام النظام السابق لم نكن نحسد عليه".
وأضافت: كنت احلم بالتغيير اﻻيجابي في كل الجوانب، كنت احلم أن اتنفس هواء نقيًا بعد اﻻختناق بالدكتاتورية، ولكن طلع الهواء فاسدًا، والمس في كل مرحلة يد اسرائيل تمر تأمر كل هؤﻻء القائمين على الدولة وان أميركا هي السلاح اﻻقوى لأسرائيل لتدمير العراق وايصاله الى مايطمحون".
ويقول علي عبدالله، وهو موظف عراقي إن بلاده انتقلت من جحيم الى آخر.
وأضاف:" انا ضد نظام صدام حسين قلبًا وقالبًا ولا يمكنني ان احن اليه ابدًا، لكن للاسف ان ما حصل من تغيير لم نكن هو ما نطمح اليه، ونحن نعرف السبب فيه، وللاسف انشغل السياسيون بالفساد والسرقات والصراعات والمحاصصة الطائفية حتى جاءتنا (القاعدة) ودخل (داعش) وصار الوضع بهذا السوء ".
1017 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع