فاضل عباس المهداوي ـ سيرة و ذكريات

            

ابن خالة الزعيم عبد الكريم قاسم .. فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الشعب التي حاكمت رجال العهد الملكي

              

أسستْ عام 1958 بأمر من عبد الكريم قاسم محكمة الشعب برئاسة المهداوي (1958ـ 1963) واسمها الرسمي، المحكمة العسكرية العليا الخاصة.

             

ولد فاضل عباس المهداوي في بغداد عام 1915، وقد اهله معدله للدخول في الجامعة الا انه آثر الانخراط في الكلية العسكرية لما فيها من بريق يغري الشباب بالدخول اليها. وقد تخرج في الكلية العسكرية في عام 1939، ليتدرج في المناصب العسكرية المختلفة، فأصبح آمر فصيل في الفوج الثاني لواء بغداد الاول، وشارك في حركة مايس ثم في حرب فلسطين 1948، وكان يرتبط بعلاقة خاصة مع عبد الكريم قاسم فهو ابن خالته، بالاضافة الى توجهاتهما السياسية المتقاربة كذلك توجهاتهما الاجتماعية، حيث كانا قريبين من الطبقات الاجتماعية الفقيرة، عكس الضباط المنحدرين من العوائل المعروفة والثرية، وتذكر (نضال) ابنة المهداوي في لقاء معها «لقد تفتحت ذاكرتي على والدي وهو ضابط في معسكر المسيب، وكان ودوداً له اصدقاء من الضباط والمدنيين وكثيراً ما كانوا يأتون لزيارته في المنزل المطل على النهر».

وتذكر ايضا «ان عبد الكريم قاسم كان دائم الاتصال بوالدي حينما كنا نسكن في المسيب حيث يذهب والدي الى زيارته في بغداد، وعندما كانا يلتقيان، يجلسان لوحدهما، ويتحدثان في امور تخص العراق... هكذا يقول والدي».

       

وقد وقف المهداوي الى جانب الزعيم عبد الكريم قاسم في مختلف مراحل الثورة، حتى انه اصبح الصوت المتحدث باسمه من خلال مرافعات (محكمة الشعب) وانتهازه لتلك الفرصة للنيل من الدول التي كانت تتآمر على العراق وسلطته الوطنية. وكان من المألوف ان ترفع صور المهداوي الى جانب صور عبد الكريم قاسم من قبل الجماهير في الشوارع والساحات العامة. وقد تشكلت لجنة التحقيق من المقدم الحقوقي نور الدين الوّنه رئيسا واحمد العبيدي عضوا والملازم عبد الهادي سلمان عضوا وعبد الستار ناجي عضوا وخالد عبد الرزاق الهاشمي عضواً عاملا في هيئة التحقيق.
وكان الغرض من تشكل تلك المحكمة هو محاكمة المسؤولين في النظام الملكي، وكانت جلساتها تعقد في قاعة الشعب في منطقة الباب المعظم قرب مبنى وزارة الدفاع في بغداد. وكانت وقائعها تنقل عبر التلفزيون والاذاعة، حيث استمرت جلساتها برئاسة فاضل عباس المهداوي حتى سقوط نظام الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1963.

      

هذه المحكمة شهدت محاكمة رجال العهد الملكي، حيث ابتدأت جلساتها لمحاكمة الفريق الركن غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة وصدر عليه الحكم بالإعدام مع تسعة ضباط آخرين ثم خفف الحكم لاحقاً، ثم تمت محاكمة فاضل الجمالي وهكذا توالت محاكمات العسكريين والمدنيين من المحسوبين على النظام الملكي. كذلك تمت محاكمة عناصر حركة الشواف الذي قام بالتمرد على الحكومة في الموصل،

               

وكذلك رشيد عالي الكيلاني الذي اتهم بالتآمر على نظام السلطة الوطنية.

              

وقامت المحكمة بمحاكمة الرجل الثاني في ثورة تموز عبد السلام محمد عارف بتهمة الاتصال بجهات عربية والشروع بقلب نظام الحكم، ثم قامت المحكمة بوضع القوميين والبعثيين في قفص الاتهام من الذين شاركوا في العملية الفاشلة لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد.

ويروي المهندس «رواء» وهو ابن العقيد ماجد محمد امين المدعي العام في محكمة الشعب، ان والده اصر على تطبيق حكم المحكمة الصادر بحق عبد السلام عارف لاتهامه بالخيانة العظمى، الا ان عبد الكريم قاسم طلب تخفيف الحكم من الاعدام الى السجن المؤبد وقد حدث ذلك بعد جلسة المداولة التي دارت بين رئيس المحكمة فاضل المهداوي وماجد محمد امين المدعي العام، وامام اصرار امين على تنفيذ الحكم، اضطر المهداوي الى الاتصال بعبد الكريم قاسم، واخباره بالامر (وعندما طلب الزعيم من والدي –كما يقول- تخفيف عقوبة الاعدام عن عبد السلام رفض ذلك قائلا:

ان هذا الشخص سيكون اول من يتآمر عليك ولذلك ارجو قبول استقالتي، فخفف الحكم عن عبد السلام عارف بالسجن بدلا من الاعدام، ولم يكن والدي حاضراً لحظتها في قاعة المحكمة، وبقي جليس المنزل لمدة اسبوعين). ويذكر (رواء) ان عبد الكريم قاسم وعلى اثر ذلك زارهم في المنزل ليطلب من والده العودة الى المحكمة، وفعلا تم ذلك تقديرا للزعيم ومكانته الكبيرة.

   

وقد كانت جلسات المحكمة تعرض مساء كل يوم عبر الاذاعة والتلفزيون، الا ان جماهير غفيرة من كل شرائح وقطاعات المجتمع العراقي كانت ترغب في الحضور الى قاعة الشعب لمتابعة سير الوقائع، وبما ان عدد المقاعد كان محدوداً داخل القاعة، فانه كان يتعين على الراغبين بالحضور، ان يأتوا قبل يوم من موعد الجلسة ليتسنى لهم الحصول على تذكرة الدخول.

          

ولم تحظ المحكمة بسمعة حسنة في اوساط الاعلام العربي، والسبب في ذلك الدعاية المصرية الناصرية التي كانت تهيمن بشكل كامل على المنطقة العربية، بما تمتلكه من امكانيات هائلة في تلك الفترة حيث كان عبد الناصر يساند القوميين والبعثيين. وقد كشف بشكل واضح عن عدائه وكرهه للسلطة الوطنية في العراق وحاول تجنيد فضلا عن وسائل اعلامه، اجهزته الاستخبارية، وعلاقاته السياسية لأجل اسقاط نظام الحكم في العراق. وكان عبد الكريم قاسم قد نأى بنفسه بعيدا عن اوهام الوحدة العربية وسعى نحو بناء المجتمع العراقي واعمار مدنه واصلاح اراضيه الزراعية.
ان الجوانب التي كان الاعلام العربي الخاضع للدعاية المصرية يعتبرها من ضمن سلبيات المحكمة، هي تلك الطريقة التي كان المهداوي يحاكم فيها المتهمين فقد كان يلقي الطرائف والنكات والقصائد ويحكي القصص والامثال محاولا السخرية من المتهمين وسط هتافات الجمهور وصيحاته.

      

والمهداوي قاتل حتى اللحظات الاخيرة مع رفيقه عبد الكريم قاسم حيث التحق به في مقر الوزارة، بعدما كان خارجها اثناء وقوع الانقلاب (انقلاب 8 شباط عام 1963)، ولم ينسحب اثناء الليل مثلما فعل الكثير من الضباط بعد ان طلب منهم قاسم ذلك بل ثبت بإصرار الى ان قتل دون محاكمة، على يد الانقلابيين الذين كانوا يتذللون له بخضوع اثناء مثولهم امامه في محكمة الشعب، امثال عبد السلام عارف واحمد حسن البكر. تلك المحكمة التي اشتهرت باسمه، أكثر مما اشتهر هو باسمها. وهكذا شغل العقيد فاضل عباس المهداوي حيزّاً من تاريخ العراق السياسي وكان مثار نقاش وجدل بين اوساط السياسيين في العراق وخارجه، مثلما شغلت محكمته (محكمة الشعب) ذلك الحيّز، وما زال الجدل والانقسام يدور حولها الى الآن.

المصدر:المشرق

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

992 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع