بعد تهديد ترامب باخلاء طهران … ما دور الدول العربية والاسلاميه والصديقة لايران من ذلك

الدكتور عبدالعزيز المفتي

١٧/٦/٢٠٢٥

 بعد تهديد ترامب باخلاء طهران … ما دور الدول العربية والاسلاميه والصديقة لايران من ذلك

مقدمة:

يشهد العالم اليوم منعطفاً خطيراً إثر التصعيد العسكري غير المسبوق بين إسرائيل وإيران، والذي تجاوز الحروب بالوكالة والاشتباك غير المباشر إلى مواجهة مباشرة، علنية، واسعة النطاق. ومع دعم الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل، وتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإخلاء طهران، بات المشهد الإقليمي والدولي مرشحاً للتصعيد الأوسع.

وفي هذا السياق، يتساءل الجميع عن موقع الدول العربية والإسلامية من هذا الصراع المتفجر، خاصة أن أمن المنطقة واستقرارها بات مهدداً في العمق، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية والسياسية والإنسانية على الشعوب العربية. كما يُطرح سؤال جوهري حول دور الحلفاء الدوليين “الهادئين” مثل الصين وروسيا: هل سيكتفون بالبيانات، أم يتدخلون لحماية توازن القوة العالمي؟

سوف نتناول هذا السؤال عبر المحاور التالية:
• مواقف الدول العربية والإسلامية من الصراع الإيراني - الإسرائيلي
• العوامل المؤثرة في سلوك هذه الدول
• أدوار محتملة للدول العربية: بين الحياد والتورط والموازنة
• موقف الصين وروسيا: مصالح كبرى ومعضلة التوازن
• السيناريوهات المستقبلية لدور هذه الأطراف

أولاً: مواقف الدول العربية والإسلامية من الصراع الإيراني – الإسرائيلي

المواقف المعلنة حتى الآن من معظم الدول العربية والإسلامية تتسم بالتوجس والارتباك، وهي تندرج ضمن أربع مجموعات رئيسية:
1. الدول التي تعارض إيران استراتيجياً

مثل السعودية، الإمارات، البحرين، الأردن، والمغرب. هذه الدول تعتبر إيران تهديداً للأمن القومي العربي بسبب تدخلاتها الإقليمية في اليمن، سوريا، العراق ولبنان، ودعمها لحركات مسلحة مثل الحوثيين وحزب الله. ومع ذلك، فإن هذه الدول لم تعلن دعمها المباشر لإسرائيل في هذه الحرب، لكنها ربما ترى في ضرب إيران فرصة لتقليص نفوذها الإقليمي.
2. الدول التي تحتفظ بعلاقات مع إيران ولكنها لا ترغب في التصعيد

مثل العراق، قطر، سلطنة عمان، الجزائر. هذه الدول تحاول أن تلعب دوراً تهدويّاً، وترفض الحسم العسكري في العلاقات الدولية، خصوصاً إذا كان على حساب دولة مسلمة كبرى كإيران.
3. الدول التي تتبنّى موقفاً معادياً لإسرائيل تقليدياً

مثل سوريا ولبنان (حكومة وحزب الله). هذه الدول تقف مع إيران، وترى فيها حليفاً استراتيجياً في ما يُسمى بـ”محور المقاومة”. وقد تنخرط بعض هذه الأطراف فعلياً في المواجهة مع إسرائيل من خلال إطلاق صواريخ أو تفعيل جبهات حدودية.
4. تركيا

تركيا تتخذ موقفاً مركباً ومعقداً. فهي دولة عضو في الناتو، وتحتفظ بعلاقات قوية مع الغرب، لكنها أيضاً ترفض أي عمل عسكري غير مشروع ضد دولة إسلامية. موقفها سيكون متأرجحاً بين الدعوة إلى ضبط النفس، واستثمار الأزمة لتعزيز دورها الإقليمي.

ثانياً: العوامل المؤثرة في سلوك الدول العربية
1. الأمن الداخلي والاستقرار السياسي

كثير من الدول العربية تواجه تحديات داخلية، وبالتالي لن تُغامر بالانخراط في صراع خارجي قد يجلب لها تبعات أمنية واقتصادية وسياسية، خصوصاً إذا انزلقت المنطقة إلى مواجهة أوسع.
2. الاقتصاد والعلاقات الدولية

الدول العربية مرتبطة بعلاقات اقتصادية عميقة مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وفي الوقت ذاته، مع الصين وروسيا. هذا التوازن يجعلها تحجم عن اتخاذ مواقف حادّة، وتميل إلى “الحياد الديناميكي”.
3. المصالح النفطية وأمن الملاحة

أي تصعيد في الخليج قد يُهدد تدفّق النفط والغاز، وهو ما يضرّ مباشرة بمصالح السعودية، الإمارات، الكويت وقطر، لذلك تميل هذه الدول للضغط نحو التهدئة.
4. الموقف الشعبي العربي والإسلامي

رغم الخلافات الرسمية مع إيران، فإن الشعوب العربية لا تقبل بسهولة الدعم الإسرائيلي أو الانحياز للغرب ضد دولة مسلمة. ومن هنا تحاول الأنظمة العربية تجنب الظهور كمؤيدة للهجمات الإسرائيلية.

ثالثاً: السيناريوهات الممكنة للدول العربية
1. السيناريو الأول: حياد رسمي ومساعدة إنسانية

معظم الدول العربية ستتخذ موقفاً حيادياً في الصراع المباشر، لكنها قد تسهم في تقديم مساعدات إنسانية للمتضررين، وتدعو إلى وقف القتال، وربما تدعم جهود التهدئة في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.
2. السيناريو الثاني: وساطة إقليمية

دول مثل قطر، عمان، وربما تركيا والعراق، قد تلعب دور الوسيط لإعادة فتح قنوات التفاوض، خصوصاً إذا حصلت على ضوء أخضر أميركي أو روسي.
3. السيناريو الثالث: انخراط غير مباشر

في حال توسّعت الحرب إلى العراق أو لبنان أو اليمن، فإن بعض الدول العربية قد تُضطر لدعم الحلفاء المحليين (مثل دعم الحكومة العراقية لضبط المليشيات، أو منع الحوثيين من مهاجمة السعودية والإمارات).
4. السيناريو الرابع: دعم عسكري غير مباشر لإسرائيل (احتمال ضعيف)

لا يُستبعد – نظرياً – أن تسمح بعض الدول الخليجية لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي أو تقديم تسهيلات لوجستية محدودة، خاصة إن كانت العملية تستهدف برنامجاً نووياً إيرانياً. لكن هذا السيناريو محفوف بمخاطر سياسية داخلية وعربية كبيرة.

رابعاً: موقف الصين وروسيا
1. الصين: البراغماتية فوق كل شيء

• الصين تملك علاقات وثيقة مع إيران، ووقعت معها اتفاقيات استراتيجية لمدة 25 سنة تشمل الاستثمار والنفط.
• لكنها في الوقت نفسه تُصدّر إلى إسرائيل التكنولوجيا والرقائق، وهي شريك تجاري أساسي للولايات المتحدة.
• ستُدين الحرب لفظياً، وتدعو للتهدئة، لكنها لن تنخرط عسكرياً أو تفرض عقوبات على إسرائيل.

2. روسيا: الموازنة في لحظة ضعف

• روسيا تعتبر إيران حليفاً في مواجهة النفوذ الأميركي، خاصة في سوريا وأفغانستان.
• لكنها الآن مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وعلاقتها مع إسرائيل معقّدة (بسبب دورها في سوريا).
• لن تتدخل عسكرياً لمساعدة إيران، لكنها قد تزودها بمعلومات أو أنظمة دفاع إلكتروني سرّية.

خامساً: ما يمكن أن تفعله الصين وروسيا حقاً
• عرقلة قرارات أميركية في مجلس الأمن تبرّر مزيداً من القصف على إيران.
• دعم تحرك عربي أو تركي للوساطة.
• تزويد إيران بأنظمة تشويش أو مراقبة إلكترونية (إذا طال أمد الحرب).
• تقديم مبادرة دولية مشتركة لتجميد الأعمال العدائية مقابل العودة إلى الاتفاق النووي.
خلاصة أعلاه :
بناءً على المعطيات الحالية، فإن دور الدول العربية والإسلامية سيكون أقرب إلى “الحياد الضاغط”، مع بعض المبادرات للوساطة والاحتواء، دون الانخراط المباشر في النزاع. أما الصين وروسيا، فستمارسان لعبة التوازن المعقدة، ولن تتخذا مواقف حاسمة لصالح إيران، لعدم رغبتهما في التصعيد مع الغرب حالياً.

ومع ذلك، فإن أي تصعيد إسرائيلي واسع النطاق يهدد بإسقاط النظام الإيراني أو توسيع الحرب إلى دول الجوار، قد يدفع بعض هذه القوى (خصوصاً روسيا) لتقديم دعم أكثر حسماً – وإن بقي تحت الطاولة.

إن الصراع بين إسرائيل وإيران لن يبقى شأناً محلياً، وكل تأخير في إطفاء شرارته الأولى يزيد من احتمالية انجرار المنطقة بأسرها إلى عاصفة جيوسياسية لا أحد يعرف متى ولا كيف تنتهي.



  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

880 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع