علاء الدين حسين مكي خماس
15 – حزيران 2025
حين تتلاقى خطوط النار -إسرائيل تضرب إيران، وأوكرانيا تفاجئ روسيا... هل من خيط يربط الجبهتين؟
مع تصاعد التوتر الإقليمي إثر العملية الجوية الإسرائيلية الكبرى التي استهدفت إيران ليلة الجمعة/السبت 12 يونيو، ومع بقاء أصداء الهجوم الأوكراني الجريء على القواعد الجوية الروسية في شرق روسيا مطلع هذا الشهر، يبرز سؤال استراتيجي لا يمكن تجاهله: هل نحن أمام نمط عملياتي جديد باتت تستخدمه قوى غير متحالفة رسميًا ولكنها تتشارك أسلوبًا ومنهجًا؟ بل هل هناك صلة مباشرة بين إسرائيل وأوكرانيا في بعض هذه العمليات الدقيقة والمعقدة؟
إسرائيل تسبق بالصمت... وتضرب من الداخل
بحسب ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن العملية الإسرائيلية لم تبدأ من الأجواء، بل من الأرض الإيرانية ذاتها. إذ عمد جهاز الموساد الإسرائيلي، وعلى مدى أشهر، إلى تهريب أجزاء من طائرات مسيّرة انتحارية إلى الداخل الإيراني، وتجميعها لاحقًا في مواقع سرّية قرب أهداف استراتيجية، مثل مواقع إطلاق الصواريخ ومقرات القيادة، وحتى قرب مساكن ضباط في الحرس الثوري. وقد تمت هذه التهيئة قبل فترة طويلة من بدء القصف الجوي، وهو ما يفسّر كيف استطاعت الطائرات الإسرائيلية اختراق الدفاعات الإيرانية والوصول إلى العمق الحيوي لطهران ونطنز وتبريز، دون تصدٍّ يُذكر.
ما يُثير الانتباه هنا ليس مجرد قدرة إسرائيل على تنفيذ عملية بهذه الدقة والجرأة، بل المنهج المعتمد: عملية هجينة تعتمد على إدخال عناصر هجومية صامتة، زُرعت مسبقًا، ثم تم تفعيلها تزامنًا مع الضربات الجوية.
أوكرانيا تتعلم... وتُبدع بأسلوب مشابه
في الأول من يونيو، أقدمت أوكرانيا على تنفيذ واحدة من أجرأ عملياتها الجوية منذ بدء الحرب، حين استهدفت قواعد جوية ومخازن ذخيرة روسية في أقصى شرق روسيا باستخدام مسيّرات طويلة المدى. المفارقة أن العملية لم تُواجه بنجاح من قبل الدفاعات الروسية رغم تعقيدها الجغرافي، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى التساؤل: هل نفّذت كييف هذه الضربة بتخطيط محلي فقط؟ أم أن هناك دعمًا استخباراتيًا وتقنيًا من جهات خارجية؟
في هذا السياق، أرى – ككاتب ومتابع للشأن العسكري – أن العملية الأوكرانية تحمل في جوهرها توقيعًا غير مباشر لإسرائيل. ليس فقط بسبب التشابه في أنماط الإعداد (زرع أدوات هجومية مسبقة، اختيار توقيت مفاجئ، اعتماد على المسيّرات منخفضة البصمة)، بل لأن كييف نفسها قد اعترفت سابقًا بتعاونها مع جهات دولية، بعضها يُرجح أنه إسرائيلي. وقد أظهرت تقارير استخبارية متقاطعة أن إسرائيل، وإن لم تشارك عسكريًا بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية، إلا أنها قدّمت استشارات تقنية وخبرات سيبرانية – تمامًا في المجال الذي ميّز الضربة الأوكرانية الأخيرة.
تشابه لا يمكن تجاهله
العنصر المشترك في العمليتين هو القدرة على خلق مفاجأة استراتيجية لا عبر التفوق الجوي فحسب، بل عبر تفكيك منظومة الخصم من الداخل قبل بدء الضربة. فبينما ركّزت إسرائيل على تهيئة الأرض من خلال خلايا نائمة ومسيّرات محلية التخزين، استخدمت أوكرانيا أساليب غير تقليدية للوصول إلى أهداف داخل العمق الروسي، على ما يبدو بمساعدة فنية فائقة الدقة.
في الحالتين، لم يكن الهدف تدميرًا مباشرًا فقط، بل ضرب الهيبة العسكرية للخصم، وإظهار هشاشة المنظومة الدفاعية أمام التكنولوجيا الخفيفة والدقيقة، وفرض قواعد اشتباك جديدة.
هل نحن أمام عقيدة جديدة في حروب القرن؟
ما حدث في إيران وروسيا يكشف أن عصر الطائرات الثقيلة والأسلحة التقليدية لم ينتهِ، لكنه أصبح يعمل في ظل مظلة أوسع وأكثر خفة وذكاء. المسيّرات، التخطيط السيبراني، التشويش، والعمل الاستخباري طويل الأمد – جميعها باتت أساسًا جديدًا للعقيدة العملياتية في الجيل الجديد من الحروب. الأهم من كل ذلك أن هذه النماذج مرشّحة للتكرار: فما دام الخصم يملك بنية مكشوفة أو جبهة داخلية غير محصّنة، فإن المفاجأة ليست احتمالًا، بل حتمية مؤجلة.
خاتمة: أين يقف العرب من هذا التحول؟
في ظل ما يجري، يبدو أن المنطقة العربية مطالبة ليس فقط بالمراقبة، بل بإعادة النظر في منظوماتها الدفاعية والسيادية، وفي طبيعة العلاقة بين الاستخبارات، والتكنولوجيا، والعقيدة القتالية. فالعدو لم يعد يأتي من فوق وحده... بل قد يكون داخل الحدود منذ زمن.
1380 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع