خالد القشطيني
بصعود حزب العمال وتعاظم قوته في العشرينات والثلاثينات، بدأ نجم حزب الأحرار في الهبوط. وهذا أدى إلى أفول نجم ذلك السياسي الظريف الذي كتبت عنه كثيرًا، لويد جورج. سقطت حكومته وبقي هو خارج الحكم. ولكنه عاد ليلعب دورًا في النزاع بين ألمانيا النازية وبريطانيا. وكان أن وقف ضد فكرة خوض حرب بين القوتين الرئيسيتين. دعا للتفاهم مع هتلر. بيد أن كتلة الحرب سيطرت على الساحة وأعلنت بريطانيا الحرب ضد ألمانيا عام 1939.
كان حزب المحافظين في الحكم برئاسة نيفل تشمبرلين. ولم يرتق هذا إلى مستوى الحرب وكان في الواقع ينتمي إلى معسكر السلام. أثبتت حكومته تلكؤًا واضطرابًا وفشلاً في مواجهة هتلر. انبرى أحد النواب من حزب العمال فخاطب حكومة المحافظين وكرر ما قاله أوليفر كرومويل لنواب البرلمان في كلمته التاريخية «لقد جلستم هنا طويلاً وفوق ما يمكن أن تؤدوه من أي فائدة. اخرجوا من هنا. أقول لكم اخرجوا ودعونا نتخلص منكم بحق السماء. اذهبوا»!
وواصل النائب كلامه فتساءل: من منا في هذا المجلس أصدقاء للحكومة؟ كانت كلمات جارحة. أهابت بلويد جورج أن يرفع يده إيذانًا بالكلام حتى أذن له رئيس المجلس بذلك فصوب كل نواب البرلمان أعينهم نحو هذا السياسي العجوز توقعًا لما سيفجره من قنابل. وقف وألقى هذه الكلمات التاريخية:
«إن المسألة ليست من هم أصدقاء رئيس الوزراء هنا. إنها مسألة أكبر من ذلك بكثير. لقد ناشدنا رئيس الحكومة بالتضحية. إن شعبنا على استعداد لأن يضحي بكل شيء، شريطة أن تكون هناك قيادة على رأسه وأن تكون الحكومة على بينة فيما تعتزم عليه، وأن تكون البلاد واثقة بأن من يقودونها يبذلون قصارى جهدهم. غير أنني أقول بكل صراحة إن على رئيس الوزراء أن يقدم مثالاً على هذه التضحية، فما من شيء سيساهم في كسب النصر في هذه الحرب أكثر من قيامه هو بتقديم التضحية بأن يسلم أختام منصبه لغيره».
هكذا كانت فرصة مواتية ليفجر فيها لويد جورج، زعيم المعارضة، براعته الخطابية. لم يكن مجرد سياسي ظريف وأديب ساخر وزعيم ماكر، بل كان أيضًا خطيبًا مؤثرًا كما تجلى في هذه المناسبة.
يذكر المؤرخون والمعلقون أن هذه الكلمات زعزعت مكانة رئيس الحكومة بما أدى إلى امتناع الكثيرين من زملائه في الحزب وفي المجلس من إعطاء أصواتهم في جانبه عند الاقتراع؛ فلم يفز بالتصويت بغير أقلية ضئيلة. ولكن ظل خطاب لويد جورج يتداول على ألسنة أولي الشأن ويفتت معنوية نيفل تشمبرلين في التشبث بالحكم، حتى لم يجد في آخر المطاف غير أن يفعل ما طلبه منه زعيم الأحرار من تضحية بتقديم استقالته وتسليم أختام منصبه لمن هو أكثر مضاء وقدرة في مواصلة الحرب وكسب النصر، ألا وهو ونستون تشرشل. وأصبح اسم نيفل تشمبرلين قصاصة تافهة ألقت بها في سلة المهملات كلمات لويد جورج الجارحة. وكانت ذلك من براعة سخرية هذا السياسي الظريف وبلاغته.
728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع