حين كان الماكياج عيباً

                                         

                          خالد القشطيني

الماكياج النسائي، بل والرجالي أيضا، دخل الآن مرحلة العولمة وأصبح شائعا في كل ربوع العالم وبين سائر الطبقات. والمعتاد أن نعتقد أنه انتقل إلينا من الغرب. وهذا غير صحيح. العكس في الواقع هو الصحيح.

تعلمت المرأة الغربية فنون الماكياج من المرأة الشرقية التي اعتادت على تزيين نفسها بالألوان والعطور منذ فجر التاريخ.
تعلمت الأوروبيات الكثير من ذلك، ولا سيما استعمال العطور، من المرأة العربية في الأندلس وفي الحروب الصليبية. شاع التزيين في الغرب شيوعا واسعا في القرن السابع عشر، وأثار ما يثيره بين كثير من رجالنا من الامتعاض منه واعتبروه تبرجا ممجوجا. انبرى كتّابهم وشعراؤهم وظرفاؤهم للسخرية منه، والتهكم على النساء «الممكيجات»، وربما نجد خير مثال على اعتراضاتهم فيما كتبه الدوق تشسترفيلد الرابع، وكان من الكتّاب المشهورين في عصره باسم دورمر ستانهوب. اعتادت المجلة الأدبية الرئيسية «كونيسور» على نشر مقالاته الساخرة، وكان من بينها قطعة يتهكم فيها من تبرج النساء في عهده بعنوان «ماكياج السيدات». وكان مما قاله فيها هذه السطور المحملة بالاستياء والنقد، مما نسمع مثله من بعض رجالنا اليوم. قال: «لقد بذلت جهودا كبيرة في تثقيف نفسي وتنويرها في موضوع هذه الجريمة الشائنة بين نسائنا في صبغ أنفسهن، ومدى انتشارها وتغلغلها في مجتمعنا. يؤسفني أن أقول إنها أصبحت وباء شائعا. تأخذ حالة هذا الوباء الراهنة بدرجاتها المختلفة هذا الشكل:
تسعى الطبقات السفلى من النساء إلى تقليد سيداتهن ومن هن أرقى منهن باستعمال هذا النوع من الغطاء الفظ الذي لا يتفوق بكثير عن الخشب والجص. ويتوفر بأسعار رخيصة جدا. ويمكن شراؤه بشيء قليل مما تتمكن هؤلاء النساء من توفيره من عملهن الليلي.
أما السيدات المحترمات من ذوات الموضة فيستعملن نوعا أرقى من التزويق الجصي الذي لا يتطلب تجديدا كل يوم. كل ما يحتجن إليه هو شيء من الإصلاح الطفيف من حين لآخر ليدوم على الوجه دوام طيات شعرهن المجعد. والواقع أن هذه الطبقة من مساحيق التزويق تستطيع أن تصمد وتقاوم أقسى الاصطدامات.
أما بالنسبة للبودرة السامية والخالدة التي يتم تثبيتها بشيء من الورنيش الباهر المرشوش فوقها، فلم تصبح بعد شائعة الاستعمال ويقتصر وجودها على وجوه النساء من سيدات الطبقة العليا من المجتمع وذوات الثروات الطائلة أيضا. البودرة مادة مكلفة جدا ولا يجرؤ عليها أي وجه كما ينبغي دون سند قوي.
لقد تحدثت في الأيام الأخيرة مع أحد أصدقائي بشأن هذا الموضوع، فعبر عن رأيه بأن المرأة التي تصبغ وجهها بالمسحوق الأبيض تريد أن تعطي الجمهور شعورا ببراءتها وطهرها، وذلك ببناء حائط من الجص على وجهها يضمن ردع أي رجل تسول له نفسه التوغل إلى وجهها والتسلق بأنامله على خدودها وجبينها وحنكها وأي جانب من جوانب وجهها»!
من الطريف أن نلاحظ كيف تغير الأمر بحيث أصبحت الصحف والمجلات تتسابق بمغازلة ماركات الماكياج وترويجها.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

932 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع