الصراع العربي الإسرائيلي حرب ١٩٦٧- ودور الجيش العراقي فيه – الجزء الرابع
الحرب العربية – الإسرائيلية الرابعة 1973
بـعد وفـاة الرئـيس المصـري (جمـال عبـد الناصر) في ( 28 أيلـول 1970) وحـلول نـائبه (محمد أنور السادات) في قيادة مصر بدلا عنه وقد كرس ذهنه وتفكيره في كيفية استرجاع الأراضي التي احتلت من ِقبل إسرائيل والرد على الهزيمة التي الحقتها بهم في حرب (1967) وسميت هذه الحرب من قِبل الجانب المصري والسوري بحرب (أكتوبر / تشرين) ومن الجانب الإسرائيلي بحرب (كيبور) أو حرب يوم الغفران وهي الحرب التي بدأت يوم السبت 6 تشرين الأول سنة 1973 وانتهت يوم الجمعة 26 تشرين الأول 1973 بين مصر وإسرائيل وكذلك بين سورية وإسرائيل بالتزامن على الجبهتين حيث بدأ المصريون عبور قناة السويس واجتياح تحصينات خط بارليف بينما كان السوريون يتقدمون بشكل سريع في الجولان،
السلف والخلف
أما عن كيفية اختيار هذا اليوم بالذات لبدء الهجوم على الجيش الإسرائيلي في جبهتي مصر وسوريا والقيام بأعقد عملية عبور مانع مائي وسد ترابي (خط بارليف) بالاعتماد على السوفييت الذين نصحوا الرئيس المصري (أنور السادات) باختيار السادس من تشرين الأول عام (1973) لبدأ الهجوم لكونه يصادف يوم (كيبور) أو يوم الغفران عند اليهود باعتباره افضل وقت للهجوم لتحقيق المفاجئة والنصيحة التي قدمها المستشار الروسي الجنرال (فاسيلو فيتش) اعتمدت على انه في هذا اليوم تتوقف الحياة بشكل شبه تام وفقا للتعاليم اليهودية المتبعة حيث يكون سكان إسرائيل في منازلهم يتأملون ويصومون وتظل أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة مغلقة. عنصر المفاجئة الذي حققته الجيوش المصرية والسورية في هذه الحرب كانت رداً على عنصر المفاجئة الذي حققته إسرائيل في هجومها على المطارات العسكرية المصرية صباح يوم (5 حزيران 1967) لقد أربكت هذه المفاجئة والمباغتة إسرائيل والتي لم تستطع الخروج من هولها والاستعداد للرد إلا بعد (9) أيام من بدأ العمليات، لقد استطاعت القوات المصرية من عبور قناة السويس الى الضفة الشرقية منها وفتح ثغرات عديدة في خط (بارليف) والاندفاع والتوغل مسافة (20) كيلومتراً شرقي قناة السويس،
خط بارليف
حرب تشرين 1973
أسرى الجيش الإسرائيلي في الجبهة السورية
كما تمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان ومما يجدر ذكره أن نشير الى صاحب فكرة فتح الساتر الترابي (خط بارليف) الذي كانت قد أقامته إسرائيل على طول الضفة الشرقية للقناة بعد استيلائها على سيناء عام (1967) وكانت الفكرة البسيطة المطروحة من قبل اللواء المهندس (باقي زكي يوسف) باستخدام خراطيم المياه ذات الضغط العالي في فتح هذا الساتر الترابي بقوة اندفاع المياه المسحوبة بواسطة المضخات من القناة والموجهة نحو الساتر لفتحه تمهيداً لعبور القوات المصرية الى سيناء وكانت لفكرته الأثر البالغ والأساسي في هذا الإنجاز العظيم الذي اعتبر مفتاح النصر للجيش المصري في مراحل الحرب الأولى ومن غيرها كان صعب اقتحام خط بارليف بالغ التحصين ولتكبّد الجيش المصري خسائر جسيمة في الأرواح ، والخط يبدأ من قناة السويس وحتى عمق (12كم) داخل شبه جزيرة سيناء على امتداد الضفة الشرقية للقناة ويتكون من خطين على طول قناة السويس لمسافة (170 كم) ويبلغ ارتفاعه من (20 الى 22 ) متراً وانحدار بزاوية (45 درجة) على الجانب المواجه للقناة وقد سُمِّيَّت بخط بارليف نسبة الى (حاييم بارليف) رئيس الأركان الإسرائيلي كلف بناؤه خمسة مليارات من الدولارات.
حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي
اللواء المهندس باقي زكي يوسف
الموقف الإسرائيلي بعد الإنجاز المصري والسوري
بدأ الإسرائيليون بتجميع جهدهم الحربي لصد الهجومين حيث عادت الإذاعة الإسرائيلية التي كانت متوقفة بمناسبة (كيبور) للعمل وبثت نشرات خاصة للتعبئة واستدعاء الجنود الاحتياط للخدمة وتوجيههم الى الوحدات العسكرية، القيادة الإسرائيلية كانت قد أصيبت بالإحباط جراء النتائج الأولية لهجوم الجيش المصري والسوري فقد اعلن (موشي دايان) وزير الدفاع بأن المعبد الثالث سينهار في إشارة الى الدولة الإسرائيلية كما امرت (جولدا مائير) رئيسة وزراء إسرائيل بوضع الأسلحة النووية على أهبة الاستعداد بتحميل قنابل نووية تكتيكية، ضغطت القيادة الإسرائيلية على (جولدا مائير) بالاستقالة واستقالت فعلا وذكرت في مذكراتها لاحقا(ليس اشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973 )
الجُندي المصري عبد الرحمن القاضي صاحب أشهر صورة في هذه الحرب
توقفت الحرب على الجبهة المصرية بعد أن تحقق لقيادة هذه الجبهة ما كانت قد خططت له ضمن هذه المرحلة بانتظار ما يستجد حيث بدأ هجوم الجيش الإسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية ففي الجبهة الأخيرة شنت إسرائيل هجوماً معاكساً في هضبة الجولان وساعدها على ذلك هدوء الجبهة المصرية نتيجة الوقفة التعبوية ولم تستطع القوات السورية مقاومة الهجوم الإسرائيلي واضطرت للانسحاب من هضبة الجولان وأصبحت في وضع ينذر بالخطر، دفع ذلك الحكومة السورية لمناشدة مصر في عدم التوقف وتطوير هجومها في الجبهة المصرية على القوات الإسرائيلية لتخفيف الضغط عليها.
جولدا مائير مع صدمة اختراق خط بارليف من قِبل القوات المصرية
صباح يوم (14 تشرين الأول 1973) قرر (محمد أنور السادات) تطوير الهجوم شرقا لدفع الجيش الإسرائيلي غرب الممرات الجبلية لتقييد حركته ولتخفيف الضغط على الجبهة السورية بالرغم من اعتراض رئيس الأركان المصري (سعد الدين الشاذلي) وشاركه في الاعتراض على هذا القرار اللواء (سعد مأمون) قائد الجيش الثاني واللواء (عبدالمنعم واصل) قائد الجيش الثالث الميداني، إلا أن اعتراضهم ذهب أدراج الرياح وانطلق الجيش المصري في هجومه شرقاً ليقع في كمين للجيش الإسرائيلي أدىٰ الى وقوع خسائر كبيرة في صفوفه ودارت أكبر معارك الدبابات شاركت فيها نحو (2000) دبابة إسرائيلية، اضطرت القوات المصرية للانسحاب وعادت الى رؤوس الكباري ومنيت خطة تطوير الهجوم بالفشل والتوقف عن القتال وكان الجيش الإسرائيلي قد تمكن في نفس ليلة (14 تشرين الأول 1973) من اجتياز قناة السويس الى ضفتها الغربية وبدأ بتطويق الجيش الثالث المصري مما ســـبب في حدوث ثغرة بين صفوف القوات المصرية (الجيش الثاني والثالث) عرفت باسم ثغرة الدفرسوار.
ثغرة الدفرسوار
مسببات ثغرة الدفرسوار كانت من نتائج أخطاء اقترفت من القيادة السورية والمصرية، فعندما أفاق الإسرائيليون من هول الصدمة واصبحوا في وضع يسمح لهم بالرد والمواجهة فقد اختاروا البدء من الجبهة السورية لصعوبة مواجهة الجبهتين في آن واحد ولكون هذه الجبهة الأخطر على أمن إسرائيل لقربها والأضعف من الجبهة المصرية لذا قرروا الإِسْراع في بدأ الهجوم منها وحسمها ومن ثم الانصراف الى الجبهة الرئيسية المصرية وكان للتقدم السريع الذي حققته القوات السورية مع بداية الهجوم واندفاعها وسيطرتها على هضبة الجولان التي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية منذ حرب (1967) وطرد الجيش الإسرائيلي منها وأسر العشرات من جنوده إلا أن الخطأ الفادح من جانب القوات السورية تمثل في اعتبار نهاية الهضبة هو خط الجبهة والتوقف عنده بينما كان الأجدر مواصلة التقدم واستغلال تداعيات المفاجئة على الجانب الإسرائيلي من تدني للمعنويات وعدم الاستعداد والصمود ومجابهة القوات السورية المندفعة، لقد تسبب هذا الخطأ في إعطاء الفرصة للإسرائيليين لكي يتقدموا ويستخدموا قواتهم البرية والجوية بعد إعدادها بكل حرية ويقتحموا هضبة الجولان ويزيحوا منها الجيش السوري بعد تدمير الدبابات المتمركزة فيه وانسحاب الجيش السوري بشكل غير منظم وأصبحت سوريا مفتوحة أمام القوات الإسرائيلية، هذا التطور الذي شهدته ساحة المعركة جعلت السوريين يصابون بالفزع والخوف ويلجأون الى مناشدة الرئيس المصري (محمد أنور السادات) كما اسلفنا لاتخاذ إجراء سريع من اجل الضغط على إسرائيل للتخفيف عن الجبهة السورية وهذا ما حصل عندما أمر الرئيس المصري بتطوير العمليات العسكرية من حدود توقفها عند بداية الهجوم والاندفاع شرقاً.
المشير احمد إسماعيل
بدأت إسرائيل في تطوير اندفاع قواتها الى الضفة الغربية من القناة فدفعت بها عبر البحيرات المرة وسيطرت على منطقة العبور بعد أن تكبدت خسائر كبيرة ونصبت جسراً على قناة السويس بمنطقة الدفرسوار لعبور الدبابات والتدفق من الثغرة وكان ذلك بتاريخ (17 تشرين الأول 1973) حيث عبرت (3) ثلاثة فرق إسرائيلية للجانب الغربي بقيادة الجنرال (إيريل شارون) وبعد عبورها اجتمعت القيادة المصرية بحضور الرئيس المصري (محمد أنور السادات) و حضور رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق (سعدالدين الشاذلي) ومجموعة من قيادات الجيش الذين طرحوا فكرة سحب الفرقتين المدرعتين (21 و 4) من شرق القناة لغرض القضاء على القوات الإسرائيلية التي عبرت غرب القناة إلا أن هذه الفكرة أثارت الرئيس المصري وطلب عدم طرح فكرة سحب القوات من شرق القناة وعدم تكرار ذلك مطلقاً مع غياب أية حلول لمعالجة الموقف،
موشي دايان وإيريل شارون في الجانب الغربي من القناة
وافق الرئيس المصري يوم (23 تشرين الأول 1973) على وقف اطلاق النار بين الجانبين المصري والإسرائيلي مع وجود قوات إسرائيلية غرب القناة والتي لم تلتزم بوقف اطلاق النار حيث قامت يوم (24 تشرين الأول 1973) باقتحام مدينة السويس بقصد احتلالها إلا إنها جوبهت بمقاومة شديدة من قبل أهالي المدينة اضطرتهم للتراجع والاكتفاء بمحاصرة المدينة لحين توقيع اتفاقية (فض الاشتباك الأول والثاني) عام (1974) وبعدها اتفاقية (كامب ديفيد) وفي موضوع ذو صلة يذكر الفريق (سعدالدين الشاذلي) رئيس أركان حرب القوات المسلحة في مذكراته إن المتسبب الأول في حدوث ثغرة الدفرسوار هو الرئيس المصري (أنور السادات) و وزير الحربية وقتها المشير (احمد إسماعيل).
عبور القوات الإسرائيلية قناة السويس الى الجهة الغربية
يذكر (الشاذلي) في كتاب مذكراته " كان قرار تطوير الهجوم هو أول غلطة ارتكبتها القيادة المصرية في حرب أكتوبر، ويضيف كان علينا يوم 14 أكتوبر أن نهاجم (900) دبابة إسرائيلية في المكان الذي يختاره العدو وتحت سيطرة جوية كاملة بقوة (400) دبابة مصرية فقط، ويتساءل (الشاذلي) هل كان القرار نتيجة الجهل أم المغامرة أم الخيانة؟ " يتابع (الشاذلي) " رفض السادات اقتراح بسحب الفرقة (4) مدرعة واللواء مدرع 25 من شرق القناة الى غربها يوم (16 أكتوبر) والنتائج أجبرته على أن يقبل وقف إطلاق النار يوم (23 أكتوبر) ونحن في موقف ضعيف لقد فقدنا المبادرة نهائياً، لو أخذ برأي أيام (13 و 15 و 16 و 20 أكتوبر) لما كنا في حاجة لوقف إطلاق النار، وكنا دمرنا العدو تماماً " هكذا يقول الشاذلي ونتيجة هذا الخطأ الاستراتيجي استطاعت إسرائيل أن تلتف على الجيش الثالث وحصاره وكاد أن يتحول النصر الى هزيمة للجيش المصري لولا تدخل القوىٰ الكبرىٰ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حيث ضغطتا في سبيل وقف اطلاق النار على كل الجبهات بينما كانت القوات الإسرائيلية تبعد أربعين كيلومتراً عن دمشق. على كل حال، انتهت الحرب وكانت خسائر الطرفين متساوية نسبيا في الأرواح والمعدات مع تحقيق الجانب المصري والسوري نجاحاً محدوداً فقد حررت مدينة القنيطرة وأراضي غرب السويس وسيطرة كاملة على قناة السويس ومن الناحية السياسية أثبتت هذه الحرب لإسرائيل بأنها لم تعد قوة لا تقهر بدلالة رفض إسرائيل للحل السلمي الذي عرضه (السادات) في عام (1971) وقبول مبادرة الحل بعد الحرب ونتائجها من قِبل إسرائيل وأخيراً نستطيع القول من إنه رغم الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب (1973) فإن التداعيات السلبية الهائلة التي خلفتها هزيمة (1967) لاتزال مؤثرة.
صورة غرفة العمليات
للراغبين الأطلاع على الجزء الثالث:
https://www.algardenia.com/ayamwathekreat/58421-2023-04-17-17-15-15.html
968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع