
موجة صفراء وحصان أسود
العرب/أربيل (كردستان العراق)- مكّنت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العراق مؤخّرا الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني من إعادة تثبيت مكانته السياسية في العراق، ليس فقط كقائد رئيسي لسلطة الحكم الذاتي في إقليم كردستان، ولكن أيضا كطرف رئيسي في معادلة إعادة تشكيل مؤسسات السلطة الاتحادية ومن ضمنها الحكومة.
ومن شأن نتائج الانتخابات أن تجعل من أربيل، معقل الحزب، خلال الفترة القادمة قبلة لكبار القوى المتنافسة على الحصول على امتياز تشكيل الحكومة العراقية واختيار من يرأسها، وهو ما لاحت بوادره بالفعل مع الزيارة التي يبدأها رئيس الحكومة الحالية محمّد شياع السوداني مطلع الأسبوع إلى المدينة.
وحصل الحزب على سبعة وعشرين مقعدا من مجموع المقاعد الـ329 في البرلمان العراقي مدعّما إنجازه بتقدم كبير في الموصل مركز محافظة نينوى بشمال غرب العراق، والتي حصد فيها عددا من الأصوات فاق ما حصلت عليه القوى العربية السنية التي تعتبر المدينة أحد معاقلها الرئيسية.
وتقدّم الديمقراطي الكردستاني بهذه النتائج على منافسه وغريمه التقليدي حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي حافظ بدوره على حضوره في البرلمان الاتّحادي بحصوله على ثمانية عشر مقعدا، ما يجعله أيضا مهما لدى الشخصيات والأحزاب المتسابقة على تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي الجديد والتي تتيح لها تشكيل الحكومة.
وإذ يُعَد الاتحاد الذي يرأسه بافل طالباني مقرّبا من الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق وأكثر مسايرة لها في سياساتها وتوجّهاتها، فإنّ “ترويض” الحزب الديمقراطي أكثر صعوبة، إذ إن قيادته السياسية بزعامة المخضرم مسعود بارزاني ستكون أكثر صرامة في اختيار القوى التي ستتحالف معها تحت قبة البرلمان لتشكيل الكتلة الأكبر، وكذلك أشدّ تطلّبا في اشتراطاتها على تلك القوى.
وعمليا لا يحمل الحزب انطباعا جيدّا على حكومة السوداني المنتهية ولايتها والتي أخضعت إقليم كردستان العراق وحكومته برئاسة مسرور بارزاني لضغوط مالية واقتصادية شديدة أثّرت بشكل واضح على أوضاعه الاجتماعية، ووضعت شارعه في أكثر من مناسبة على شفا انتفاضة شعبية بسبب الاضطراب في دفع رواتب الموظفين والناتج عن تشدّد وزارة المالية في حكومة السوداني في تحويل المستحقات المالية للإقليم من الموازنة الاتحادية، فضلا عن قيام الحكومة ذاتها بوقف تصدير النفط المنتج في حقول كردستان عبر تركيا باستخدام خط أنابين كركوك – جيهان ما حرم الإقليم من عوائد مالية مجزية.
وتجعل مختلف هذه المعطيات حصول السوداني على دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني في سعيه لولاية ثانية على رأس الحكومة الاتحادية العراقية مسألة غير محسومة.
لكنّ الأمر لا يخلو من حيرة لأربيل بحدّ ذاتها والتي تعلم قيادتها السياسية أنّ مأتى ضغوط حكومة السوداني على الإقليم لم يكن قراره الشخصي، ولكن قرار الأحزاب والفصائل الشيعية الأكثر قربا من إيران والمشكلة للإطار التنسيقي والتي قد يسعى بعضها للتحالف مع الديمقراطي الكردستاني وباقي القوى الكردية لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر وبالتالي استبعاد السوداني من العودة مجدّدا إلى رئاسة الحكومة.
ولهذا السبب يرجّح أن يلجأ حزب بارزاني المعروف ببراغماتيته إلى اعتماد مبدأ أهون الأمْرين بالاصطفاف إلى جانب السوداني، ولكن باشتراطات واضحة وضمانات موثوقة هذه المرّة لعدم تكرار ما يعتبره الحزب خديعة تعرّض لها في المرّة الماضية من قبل الإطار التنسيقي الذي قدّم وعودا كبيرة لإقليم كردستان عندما احتاج إلى دعم أحزابه إثر الانتخابات البرلمانية الماضية لاستبعاد تيار مقتدى الصدر من تشكيل الحكومة، لكن تلك الوعود تبخّرت جميعها بمجرّد أن قبضت قوى الإطار على مقاليد السلطة.
ويرجّح أن يحل السوداني بإقليم كردستان في الزيارة التي تعتبر عاجلة واستباقية إذ جاءت أياما قليلة بعد إجراء الانتخابات البرلمانية، محمّلا بصفقة مغرية للحزب الديمقراطي وللكتلة الكردية على وجه العموم للحصول على دعمها لولايته الثانية.
وأفاد مصدر مطلع نقلت عنه وكالة شفق نيوز الإخبارية بأن السوداني سيشرع الاثنين في زيارة لأربيل يعقد خلالها اجتماعا مع رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني وعدد من مسؤولي حكومة الإقليم، قبل أن يتوجّه في اليوم التالي إلى مدينة دهوك، وهي بدورها معقل ثان للحزب الديمقراطي الكردستاني حيث سيشارك في فعالية خاصة لمؤتمر منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط “ميبس” الذي تنظمه الجامعة الأميركية بمشاركة خبراء دوليين وشخصيات سياسية وأكاديمية، ويخصص لمناقشة أبرز التحديات التي تواجه المنطقة في مرحلتها الجديدة.
وستكون هذه أول زيارة لمسؤول اتحادي رفيع إلى الإقليم بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة في العراق، وأول حضور لشخصية من الفائزين في الاستحقاق الانتخابي الأخير.
ويروّج أنصار السوداني لتحقيقه فوزا انتخابيا كبيرا، لكنّ الرجل لم يحصل من خلال ائتلاف الإعمار والتنمية الذي ترأسه سوى على خمسة وأربعين مقعدا من مقاعد البرلمان لا تخوّل له ضمان الولاية الثانية، وتبقي حظوظه في تحقيق هذا الهدف رهن التحالف مع طيف واسع من الكتل الأخرى للوصول إلى الكتلة البرلمانية الأكبر، وهو ما يفسّر تحرّكه العاجل صوب كرستان العراق في محاولة لضمان تعاون الكتلة الكردية معه والتي قوامها مجتمعة أكثر من خمسين مقعدا، وذلك باحتساب مقاعد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الجيل الجديد والاتحاد الإسلامي الكردستاني والجماعة الإسلامية.
ورغم ظهور نتائج الانتخابات فإن السوداني لا يزال مضطرا إلى الترويج لنفسه وتقديم الوعود أملا في العودة إلى رئاسة الحكومة، وهي مسألة خرجت من عهدة الناخبين وباتت بأيدي القوى السياسية التي من بينها خصوم له ومنافسون شرسون على الموقع الأهم في الدولة ينتمون مثله إلى الأسرة السياسية الشيعية.
وتعهد السوداني في هذا الإطار باستمرار مشروع الإعمار والتنمية في نهجه الإصلاحي من أجل تصحيح المسارات وتعزيز التنمية في مختلف الملفات والقطاعات لتلبية تطلعات العراقيين.
وقال خلال استقباله عددا من المرشحين الفائزين في الانتخابات ضمن الائتلاف الذي يرأسه بحضور رئيس مجلس الوزراء الأسبق إياد علاوي ووزير العمل أحمد الأسدي وعدد من الوجهاء والشخصيات من جماهير الائتلاف، إن الانتخابات التشريعية الأخيرة شهدت عودة الثقة بين الشعب والعملية السياسية من خلال المشاركة الواسعة غير المسبوقة منذ سنوات، وأن نسبة المشاركة في الانتخابات التي تجاوزت ستة وخمسين في المئة لم تكن متوقعة.
ويريد السوداني بذلك أن ينسب لحكومته إعادة الثقة الشعبية في العملية السياسية بعد أن راجت على نطاق واسع قبل الانتخابات توقعات كثيرة بفشل المناسبة جماهيريا من خلال عزوف انتخابي قياسي وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع.

923 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع