المولد النبوي الشريف.. اختلاف الطقوس وإجماع على استلهام القيم

     

مشاركة فرق تراثية مغربية خلال فعالية المغرب في أبوظبي في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، عبر لوحات متنوعة قدمت خلالها مدائح وأذكارا مغربية، مثلت فرصة متعددة الأهداف، فهي من ناحية أولى عرفت بترف الاحتفال المغربي بالمولد النبوي الشريف، وقدمت أيضا للحاضرين إسهاما فنيا وتقليديا مكن من تمثل أوجه الشبه والاختلاف في طرق الاحتفال لدى الشعوب العربية المسلمة بهذه المناسبة.

العرب/أبوظبي- الفرق المغربية التي حضرت فعالية “المغرب في أبوظبي” قدمت لوحات غنائية تليق بهذه المناسبة العظيمة، أي المولد النبوي الشريف، اقتصرت على الإنشاد والمديح بالشمائل المحمدية ما يعكس تخليد هذه الذكرى عند المغاربة. وتتنوع الفرق المشاركة في هذه الاحتفالية بين الفرقة النسوية التي تسمى “الحضارات” حيث ترتدي المشاركات الأزياء الشفشاونية التقليدية، وفرقة الفن الحساني التي تقودها الفنانة المغربية بتول الميرواني، وغيرهما من الفرق الموسيقية.

وأكد الموسيقي ياسر الشرقي أن أجواء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لها طقوس مغربية خاصة تبدأ من الصباح بإفطار جماعي يشمل كل أفراد الأسرة لتستمر بعده الاحتفالات بالأذكار والأناشيد والمدائح والمقامات المتنوعة الخاصة بذكرى المولد النبوي ومعجزاته. وفي سياق الاحتفال بالمولد النبوي لهذا العام نظمت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي احتفالية كبيرة بمناسبة المولد النبوي الشريف في إطـار احتفالات الدولـة بهذه المناسبة المباركة.

الشيخ أحمد عبدالعزيز الحداد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء والمدير التنفيذي لقطاع الشؤون الإسلامية بالإنابة ألقى كلمة أشار فيها إلى أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم تجديد لمعاني الحب في الإنسانية وانسياب في السير على منهجه في التعامل مع الله تعالى ومع النفس ومع الآخر، وفيه من معاني تنشئة الأجيال على ذلك المنهج القويم وكلها داخلة في توقيره وحفظ مكانته والحرص على ما جاء به من معاني التوحيد والاتحاد والرغبة في الخير للإنسانية.

الاختلاف العربي في طرق الاحتفال بالمولد النبوي، لا يحجب وجود اتفاق على تأكيد القيم المحيلة على الرسول الأكرم، وهي قيم تحرص كل الشعوب العربية على ترسيخها وتأصيلها من خلال الأغاني والأذكار والأناشيد الدينية التي تغنى في المناسبة. الاختلاف في تفاصيل وطرق الاحتفال، والاتفاق على القيم المركزية، أبعاد تحيل إلى أن الشعوب العربية تسترشد بالسيرة النبوية في المستوى الديني والقيمي، لكن كل شعب يختط لنفسه طرقا خاصة بالاحتفال، وهو تنوع يعود إلى اختلاف العادات الثقافية والغذائية والفنية والشعبية، ويؤكد أن كل شعب طوع منطلقاته التاريخية والجغرافية لخدمة استلهامه لقيم الرسول.

الملاحظ أن كل الشعوب العربية الإسلامية تحرص على استحضار بعدين أساسيين في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؛ البعد الأول روحي ديني تعبدي، ويتمثل في سلسلة الاحتفالات الدينية التي تقوم على الصلاة والأناشيد والأذكار والأغاني التي تحتفي بالقيم النبوية، أما البعد الثاني فينهض على إضفاء خصوصية على هذا اليوم من خلال إعداد قائمة خاصة من الأكلات قد تختلف من قطر إلى آخر إلا أن الثابت أن ذلك يحصل أيضا بغية إطعام أكثر ما يمكن من الفقراء وكذا الأقارب والجيران، ولأجل ذلك كان لكل قطر عربي مجموعة أكلات وحلويات تعد خصيصا في يوم المولد.

الحلوى المصرية، وهي عبارة عن السمسمية والفولية والحمصية والجوزية والبسيمة والملبن المحشو بالمكسرات علاوة على عروسة المولد الشهيرة والحصان وغيرها، هي حلويات تبدأ العائلة المصرية في إعدادها قبل المولد بشهر أو شهرين وتخصص لها ميزانية خاصة، ولا تأبه العائلات أحيانا للعبء المالي الذي قد يمثله إعداد هذه الحلويات لأن المهم هو عدم التأخر عن عادة طبعت الوجدان الشعبي المصري.

تحتفل ليبيا مثل كل دول العالم العربي الإسلامي بذكرى المولد النبوي حيث تقوم العائلات الليبية بإعداد العصيدة التي تقدم مع الرب أو العسل احتفالا واحتفاء بهذه المناسبة. والعصيدة طبق لا يغيب عن الموائد التونسية في هذه المنسبة إلا أنه يختلف في طرق الإعداد حيث تتميز أغلب العائلات التونسية بإعداد عصيدة الزقوقو (عصيدة تعد من حبوب الصنوبر الحلبي)، غير أن العائلات التونسية الجنوبية مازالت تواظب على الاحتفال بإعداد العصيدة البيضاء بالزيت. في المغرب تحرص معظم العائلات على إعداد الكسكس والدجاج والعصيدة المغربية بالمكسرات أو الميلودية كما تسمى في المغرب، استحضارا لذكرى الرسول الأكرم وميلاده.

وفي سلطنة عمان، تستمر الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف أكثر من أسبوع في حلقات تردد خلالها الأناشيد الدينية ومدح الرسول. وينتشر في عمان فن “الهوامة” ويتم فيه إنشاد نصوص مختارة من الشعر الصوفي، لأشهر شعراء التصوف المعروفين في عالمنا العربي والإسلامي الذين اشتهروا بعشقهم وهُيامهم الشديد للخالق جلّ وعلا، وبتضرّعاتهم وابتهالاتهم لله سبحانه وتعالى، وبمدح وحب الرسول صلى الله عليه وسلم والتغزّل بمناقبه وبصفاته، فيما يُعرف بشعر المديح النبوي أو القصائد المحمدية، وهي عبارة عن قصائد طويلة تُعرف باسم “المناظيم” وهو الاسم الأكثر شيوعاً وتداولاً بينهم فيقال هذه منظومة البرعي أو منظومة ابن الفارض أو الجيلاني. والملاحظ أن هذا الفن منتشر في أغلب أقطار الخليج العربي.

الملاحظ أيضا أن الشعوب العربية تحرص على تذكر مولد الرسول الأكرم، واستذكار قيمه وخصاله، وهو حرص لم تحل دونه بعض الأصوات التي حرمت العادة والاحتفال، تحريما لم يكن وليد ظروف ولادة داعش بل كان سابقا لوجود التنظيم المتطرف، ولو أن منسوبه زاد بوجود هذا التنظيم، ويكفي الاطلاع على قائمة الشيوخ الذين أجازوا الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وإلقاء نظرة على الذين حرموا الاحتفال لتبين المسافة الفاصلة بين الخطاب الديني المعتدل المتسامح والخطاب المتطرف المتشنج. فالعادة أجازها الشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ جامع الزيتونة، والشيخ محمد الفاضل بن عاشور، وعبدالملك السعدي المفتي العام الأسبق في العراق، في حين حرمها ابن تيمية. ولا شك أن امتناع بعض الشعوب العربية مؤخرا عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف نابع من منع تنظيم داعش وسواه من الانحرافات الدينية الاحتفال للمولد، حيث كان تنظيم داعش يمنع في الموصل وأجزاء من نينوى بالعراق جميع أنواع الاحتفالات بمناسبة يوم المولد النبوي. وبرر تنظيم داعش منعه الاحتفال بذكرى المولد بأن “الاحتفال من البدع المحرفة التي دخلت الإسلام”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

795 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع