أيام زمان الجزء الثاني عشر - السَّقَّاءُ

   

      أيام زمان الجزء الثاني عشر-السَّقَّاءُ

     

السَّقَّاءُ أو بالتسمية الشعبية السقا، وفق تعريف المؤرخين، هو الشخص المسؤول عن نقل المياه من مصدرها الأنهار أو الآبار إلى المدارس والمنازل ودور العبادة، وذلك لعدم وجود إسالة الماء. وكان يتحمل الكثير من الصعاب من أجل توفير الماء للمحتاجين إليه، وكانت الأخلاق والأمانة هما رأس ماله.

    

ففي الماضي كانت البيوت تعتمد على السقا تماماً، إذ لم تكن قد ظهرت الإسالة وصهاريج المياه، فكان السقا هو مصدر نقل المياه الوحيد لكل بيت، يجلب لهم الماء من نهر دجلة إلى سكان المدن الواقعة على النهر، وكذلك المدن الواقعة على نهر فرات أو شط العرب بالنسبة لمدينة البصرة. ومن الآبار للمدن التي لم تقع على حافة النهر. انتشرت مهنة السقاية في المجتمع العراقي خلال العهود السابقة، وكانت معروفة لدى الجميع، وتعتبر من المهن والوظائف المهمة في عصر الخلفاء والولاة المسلمين في العراق منذ الفتح الإسلامي.

                          

ويعد السقا هو الشخص الوحيد الذي يدخل أي بيت، سواء كان أصحابه أغنياء أو فقراء، حيث كان يقوم بحمل قربته، ويضع فيها الماء البارد الذي يضيف إليه مادة “الشب” لينقي الماء من رواسب طمي النهر، ليصبح نظيفاً وصالحًا للشرب. وعن صفات السقَّاء وأخلاقه أن يكون أمينا عفيفا دينيا، فلا يترك الصلاة، وأن يحترم حرمة البيوت، لذلك يتعيَّن عليه إذا دخل البيت لسكب الماء أن يطرق برأسه إلى الأرض ولا ينظر في موضع من البيت إلا في موضع قدمه وفي موضع سكب الماء، لأنه قد أُمر بغض النظر في الطرقات، فما بالك به في البيوت وبها الناس غير مستترات خاصةً في الصيف.
أن عملية تفريغ الماء في البيوت والمحلات والمقاهي يحتاج الى توقيتات معينة فكانت غالبا ما تكون على ثلاث وجبات، في الصباح وعند الظهر وفي المساء هذا ما يكون عادة في فصل الصيف أما في فصل الشتاء فيكون الأمر اقل من ذلك فيتفق صاحب المحل أو المنزل مع السقاء على الوقت المعين ومن ثم على الكمية ويعطيه الأجور على ذلك، أما يوميا أو أسبوعيا وهي عادة ما تكون أجور بسيطة.

        

أشهر أدوات نقل الماء قديماً (القربة) وكانت تصنع من جلد الماعز أو الأغنام، حيث يستخدم الجلد كاملا دون الرأس بعد تنظيفه جيدا، ويتم استخدام مكان الرأس باب لها، ويتم تعبيتها وصب الماء منه وعند امتلائها يربط بإحكام. ويتم استخدام اليدين والقدمين لحمل القربة، ويتم تعليقها بقطعة خشبية بعد ربطها بحبل ليكون حملها سهلا، وتتميز قربة الماء بقدرتها على حفظ الماء المحفوظ داخلها باردا، ويرجع ذلك لمقاومة الجلد بدرجات الحرارة العالية.
اللافت للنظر أن السقاءين لم يكن يقتصر دورهم على حمل المياه وتوصيلها للمنازل، بل لعبوا دوراً كبيراً في إخماد الحرائق، إذ كانت تؤخذ عليهم التعهدات باستعدادهم للحضور، كلما دعت الحاجة إليهم ليلاً أو نهاراً. فكان هؤلاء السقاة يهرعون إلى إخماد نيران الحرائق، فإذا شب حريق في مكان ما، أسرعوا بقربهم وبراميلهم، وإعانتهم في ذلك كل من كان عنده وعاء يستحق الذكر.

          

ويقوم (السقا) بعملية رش الأسواق والأزقة الترابية، بغية تبريدها في فصل الصيف، ويعمل على توزيع الماء للعطشى من المارة مجاناً. إلى جانب حرفته التي تدر عليه ربحاً زهيداً. وكان دور السقا الحقيقي يبرز في المناسبات، فكان أهل الخير يمنحونه كسوة جديدة في الأفراح، ويقدمون له اللحوم في الأعياد.
هناك اختبار مبدئي يلزم العمل في مهنة السقا، وهو أن يتصف السقا ببعض المواصفات، أهمها يكون أميناً، وحريصاً على عدم تلوث المياه أثناء نقلها من الأنهر إلى المنازل وأن تكون القربة غير مصبوغة لكيلا تتلوث المياه باللون، ولا تكون بها أي ثقوب تنقص من كمية المياه. حيث حرص السقاءين على التواجد بالقرب من مصادر المياه والمتمثلة بالأنهر، وتجده دائما منحنى الظهر تظهر عليه علامات الزمن حافي القدمين تأخذ ملامحه البساطة ولون الشمس يحمل على ظهره قربة فيها الماء من النهر الى الديار دون كلل أو ملل.
فبالرغم من بساطة هذه المهنة إلا أنها في الوقت نفسه كانت تحتاج الى جهد عضلي كبير من قبل صاحبها حيث نزول السقاء الى الشواطئ وملئ الأواني أو القرب الكبيرة ومن ثم حملها يحتاج إلى قوة عضلية كبيرة ولهذا كان اغلب السقاءين يتمتعون بقوة عضلية مميزة وبصحة جيدة.
تصنع القرب من الجلود، وهناك خطوات عدة يمر بها الجلد قبل أن يدخل حيز الاستخدام، البداية في سلخ جلد الماعز أو الغنم بعد قطع رأسه، وتلك عملية مهمة وأساسية تتطلب عناية دقيقة ومهارة عالية للحفاظ على الجلد وضمان عدم تعرضه للتشققات أو الخدوش أو الثقوب.
وبعد عملية السلخ يتم تنظيف الجلد من بقايا اللحم والشوائب العالقة به، يضاف له الملح ودفنه تحت الرمال لمدة لا تقل عن يومين، كما يعمل بعض الأشخاص على ملئه بالماء والملح والتمر ودفنه تحت الرمال، حتى يصبح الجلد أكثر مرونة وقوة للاستخدام الطويل، ويسهل التخلص من بعض الشوائب والروائح العالقة فيه. بعد ذلك تأتي عملية دبغ الجلد، ويقصد بها استخدام بعض المواد زيوت بعض النباتات مثل العفص مع الملح لإتمام إزالة الشعر والشوائب العالقة في الجلد. كذلك تكمن أهمية هذه العملية في إنها تساعد على تماسك الجلد والحفاظ عليه لفترات طويلة، وبعد تنظيف الجلد وحصول تماسكه، تتم الخطوة الأخيرة وهي سد الفتحات الصغيرة بواسطة الخياطة، وتطويع شكله بحسب طريقة استخدامه، وبعد أن تنجز مراحله النهائية يتم ملئه بالماء بشكل متواصل حتى لا يجف ويتعرض للكسر مع مرور الوقت.

       

أما استخراج الماء من البئر بواسطة الدلو، وهو إناء جلدي يربط بحبل، يلقى في ماء البئر، لاستخراج (نشل) الماء للشرب وسقي الحيوانات، وري المزروعات. وكان يصنع من جلود الحيوانات قديمًا.
بعد وصول الماء إلى المنزل بواسطة السقا كان هناك خزنات لخزن الماء. ومنها زير الماء، لم يكن أي بيت يخلو من الزير (حب) الماء وهو معلم تراثي فلكلوري قديم تتم صناعته من الفخار على أيدي حرفيين، لهم محلات وأماكن خاصة ولكل منهم شهرته وخبرته العريقة في صناعة حباب الماء والحباب الصغيرة، التي توضع تحتها لالتقاط الماء الذي ينقط أو يرشح من أسفل الحب الكبير وهو ما يسمى الناقوط، والناقوط ماء بارد صافي وعذب يعد من أكثر المياه صلاحية للشرب لصفائه، وعذوبة طعمه وخلوه من الأملاح، فهو ماء يرشح عبر مسامات الطين المخفور المجفف.

                                   

والحب كان بمثابة ثلاجة ماء للبيت في الصيف، يوضع على محمل حديدي أو خشبي خاص، ينزل فيه الى منتصفه ليتوازن ويقف في الهواء، ثم يوضع فيه الماء ليقوم الهواء ومسامات الحب بتبريد الماء، وإعطائه طعماً ومذاقاً خاصين هما الأقرب الى العذوبة.
كانت ربات البيوت يعمدن الى تغطية سطح الحب بالشاش أو الأقمشة الشفافة، ضماناً لمنع الحشرات والأوساخ والغبار من الاختلاط بماء الحب، وضماناً لوصول الهواء ونفاذه عبر القماش، وكانت بعض الأمهات يستعين بالشربات أو جرار الماء الفخارية التي تملأ بالماء، لتوضع على الشرفات أو السطوح لتبريد الماء على وفق قاعدة عمل الحب ذاتها، وما زال كبار السن يرفضون شرب الماء إلا من فم الحب، لهذا ترى عيونهم تلتمع بالفرح كلما راوا حباً للماء في واجهة مقهى أو أمام محل، فيهرعون إليهم ليشربوا الماء بطاسات خاصة تتم صناعتها في أسواق الصفارين. أخيرا الحب الماء هو ثلاجة الأجداد وان الأشياء التراثية تظل تمتلك القدرة على مقاومة الزمن.
والجرة تتعدد أحجامها بتعدد استعمالاتها، فمنها الضخم الذي يوضع في البيت ومنها ما هو لنقل الماء.
أما جرة البيت فهي آنية فخارية ضخمة توضع في ركن البيت غالبا، وتغطى بغطاء عليه إناء لخزن الماء والشرب تتسع في وسطها وتضيق في قاعدتها، وتختلف الجرة عن الزير في حجمها الضخم، وهناك جرار صغيرة كانت تستخدم لنقل الماء من الينابيع إلى البيوت، وهذه جرة فخار شبه أسطوانية ولها رقبة وفوهة ضيقة. وكانت النساء يحملنها على رؤوسهن بعد أن تريحها بقطعة قماش دائرية سميكة.

     

وإبريق الفخار وهو آنية فخارية بيتية صغيرة متنقلة، تتسع لنحو لترين من الماء، في أحد جانبيها أنبوب من جنسها، وفي الجانب الآخر مقبض فخاري نصف دائري، وكان الحصادون يحملونها إلى حقولهم كي يبقى الماء باردا. والشربة وهي إبريق من الفخار لها رقبة طويلة وبلا مقبض، يتم الشرب من فمها. وهناك المزملي وعبارة عن حوض كبير من الحجر يستعمل لخزن الماء، وبعد اكتشاف السمنت استعمل بدل الحجر.

      

 وبقي الأهالي يشربون الماء هكذا في بغداد حتى سنة 1889 أيام الوالي (سري باشا) الذي أنشأ في ساحة (خان لاوند) حوضاً كبيراً للماء لإرواء الناس. فكانت نساء محلة الفضل وما جاورها يأتين ذلك الحوض ويأخذن منه الماء بواسطة إناء معدني يسمى (المشربة). وفي سنة 1907 أيام الوالي (حازم بك) أنشئتْ ماكينة لضخ الماء نصبت في شريعة الميدان، يتوزع الماء منها عن طريق أنابيب مقابل أجور شهرية مقدارها عشرة قروش صحيحة لكل دار ،وبذلك ارتاح الناس من عناء الإرواء والتي كانت تعتمد على السقا،

   

أما إرواء البساتين والحدائق المحيطة بمدينة بغداد فكانت تسقى بواسطة (النواعير) .
يتحدث بعض الرواة أن شخصا من صيادي السمك يدعى "حمود بن سلطان "كان في رحلة صيد سمك بمنطقة "العكاز" في خور عبد الله، ونفذ الماء الذي كان معهم فتوجهوا إلى شط العرب فأخذوا " يمزرون " الماء أي ينقلون الماء من الشط(شط العرب) إلى الخزان الماء الذي كان في الجالبوت والذي كان يمتلكه - الجالبوت هي سفينة صغيره كانت تستخدم للغوص وصيد الأسماك - فلما انتهوا من عملية الصيد عادوا إلى الكويت ومعهم كمية من ماء شط العرب التي جلبوها معهم، وصادف أن قيمة بيع سمك في ذلك اليوم كانت قليلة فقرر "حمود بن سلطان " أن يبيع الماء الذي في خزان "الجالبوت " حتى يتمكن من سد مصاريف رحلة الصيد، ووفق في بيع الماء حيث باع "قوطي الماي " صفيحة الماء بسعر بيزتين أي ما يعادل فلس واحد بسعر الوقت الحاضر ثم عاد مرة أخرى إلى شط العرب، وشحن شحنة جديدة من الماء وباعها واستمر فترة من الزمن وهو البائع الوحيد لماء الشط إلى أن قلده "السيد محمد اليعقوب " الذي انزل "تشالتة " إلى البحر في عام 1909 والتي صنعها خصيصاً لكي تكون ناقلة للماء من شط العرب إلى الكويت، حيث وضع بداخلها خزانات ماء أو حسب ما كانت تسمى "فنطاس "هذه الفناطيس كانت مصنوعة من الخشب، ثم سافر في هذه "التشالة " إلى شط العرب وأحضر الماء الذي باعه بربح وفير ، لم يكن يتوقعه هو شخصيا هذا الربح الجيد دعا الكثير من أصحاب السفن إلى تقليد "محمد اليعقوب "وتحويل سفنهم إلى سفن ناقلة للماء، أو بناء ناقلات جديدة لنقل الماء من شط العرب إلى الكويت، وحقق أصحاب السفن عوائد مالية وفيرة، ساعدت على إيجاد فرص عمل للكثير من للكويتيين العمال والبحارة العاطلين عن العمل في ذلك الوقت .
المصدر
مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع
ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
موقع عائلة المرزوق الكويت

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

657 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع