سوريا.. لا خيار غير الميدان

                      
«جيش العروبة يا بطل.. الله معك»، و«راجعين بقوة السلاح»، و«قصة المعتصم التاريخية»، وغيرها الكثير مما تغنى به شباب العروبة وشعراؤها، ثبت أنه إما كان خيالا، وإما حقيقة حولتها المرارات إلى «عويل» على أطلال. فوقائع المحنة السورية بصمت عارا ما بعده عار على جبين كل من يسهم في دمعة طفل «بفعل» أو «بتخاذل». ولست فقيها لأكفرهم، لكن من الواجب أن يقال لهؤلاء: أين إيمانكم إن كنتم مؤمنين؟!

لا حرج على العملاء والمرتجفين، ولا على المخدوعين بشعارات الممانعة والمقاومة، من خوفهم من اندحار جيش القمع في سوريا ومحاكمة قادته على ما ارتكبوا من جرائم يشهدها العالم يوميا، لكن الحرج على بعض القوى والشخصيات المثقفة التي تظهر قلقا وحسرة على مستقبل «الجيش العربي السوري»، فعن أي جيش وعن أي عروبة يتحدثون؟

قبل حرب سوريا العظمى التي تدور منذ عام تقريبا، لم يمس الجيش السوري بكلمة واحدة. أما بعد أن أصبح أداة قمعية مدمرة، فلم تبقِ الوقائع الدموية مجالا لذكر مواقف سابقة مغايرة. حيث انقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام، هي: منشقون التحقوا بالثورة ومعهم تسمية الجيش السوري «الحر»، وخائفون يرثى لحالهم ويستحقون الشفقة في أفضل حال، وأدوات قمع بيد السلطة، مصيرهم متروك لسير العمليات ولعدالة السماء والقضاء.

الجيوش العربية كلها بعيدة «من حيث الظاهر» عن الصراع، عدا الجيش العربي الأردني، الذي يعمل بكل شجاعة وحرص على حماية اللاجئين السوريين من قوات القمع على طول الحدود، والعناية بهم رغم صعوبة توفير الموارد. وهنا لا بد من الاعتراف بأن سوريا فتحت أبوابها أمام مئات آلاف اللاجئين، لكن السلطة الحكومية ألقت بهم على الشعب ليتحمل أعباءهم، من دون أن تصرف لهم ليرة واحدة! أما الحكومة الأردنية فتحملت تكاليف مباشرة لنحو 200 ألف لاجئ سوري رغم قلة الإمكانات وبخل المجتمع الدولي.

وإذا عدنا إلى التاريخ، فإن الجيش السوري خاض حربا واحدة تستحق الوقوف عندها، هي حرب أكتوبر 1973. اندفع في بدايتها إلى حافات بحيرة طبريا في ظروف خدمتها المباغتة، غير أنه تراجع إلى مشارف دمشق، بعد أن شنت القوات الإسرائيلية هجومها المقابل! ولولا تدفق القوات العراقية ووقف إطلاق النار لأصبحت دمشق في وضع لا تحسد عليه. واضطرت القوات المصرية إلى تطوير عملياتها في سيناء خارج مظلة الصواريخ، للتخفيف عن الجيش السوري، فحدث ما حدث خلافا لما خطط له. وهنا تطرح الأسئلة التالية: إذن أين كانت إرادة القتال التي يمارسونها الآن ضد المدنيين الأبرياء؟ ثم هل يجوز للدول العربية الاستماع إلى أقوال القلقين على «مستقبل الجيش العربي السوري»؟ أليس هو الجيش الذي لم يحرك ساكنا في حرب غزة؟!

هذا جيش سلطة فقدت الشرعية كاملة، ولم تعد حتى تسمية «النظام السوري» تنطبق عليها. أما الجيش الواجب الاهتمام به فهو الفصائل الثورية التي حملت السلاح من أجل حماية المدنيين، أطفالا ونساء وشيوخا وأيتاما ومشردين. ومن أجل حماية حضارة بنيت بسواعد من كافحوا في سبيل حياة كريمة لهم ولأجيال تلتهم. هذا هو الجيش الذي نبع من أرض أجداد مقاتليه، وكأنه نزل من السماء. الجيش الذي نصب قادته سرادقا تحت رصد طائرات العدوان، لتشكيل قيادة موحدة للمجالس العسكرية علنا، بلا دفاعات جوية تحميهم! غير دفاعات الإرادة الإلهية.

لقد أصبح التدخل العسكري الخارجي ضروريا وواجبا، بالدعم التسليحي أو بحظر الطيران في كل الأجواء السورية. والحل الأكثر قوة هو أن تشكل مجموعة دول تحالف أزمة تشارك فيه قوات جوية غربية وعربية، لتكون رادعا قويا تجاه احتمالات استخدام أسلحة دمار شامل. وعلى المعارضين المدنيين السوريين مساندة ثوار الداخل في هذا المطلب بلا تردد، ومن يقف في الضد منه يجعل نفسه شريكا بالعدوان على الأمة السورية. ويفترض ببعض المثقفين من العرب أن لا يخيفوا المجتمع الدولي الخائف أصلا من مفردة ماذا سيكون لو دمر جيش السلطة، وأن لا يفزعوا البسطاء من العروبيين على مستقبل أمتهم. فلا حرية ولا كرامة لأمة تسكت أمام قتل أطفالها وبكاء أيتامها. ومع كل التقدير لتأييد الرئيس مرسي للشعب السوري نظريا، فإن مصر مطالبة بخطوات كبيرة مدوية لها وقعها العملياتي على الأرض، فالميدان هو الخيار الوحيد المتبقي.{jacomment off}


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

636 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع