"بطاقة الناخب أم شهادة وفاة الأمل؟" (قراءة نقدية في صمت الديمقراطية العراقية)

 د. أنور أبو بكر كريم الجاف*

"بطاقة الناخب أم شهادة وفاة الأمل؟"(قراءة نقدية في صمت الديمقراطية العراقية)

منذ أن خاض إقليم كوردستان تجربته الانتخابية الأولى عام 1992 ثم تلاه العراق بعد 2003 بوضع دستوره عام 2005 والمشهد الانتخابي يتكرر كطقس موسمي، تعدل فيه قانون الانتخاب و تُجدد فيه الوعود وتُختبر فيه ذاكرة الشعب وتُباع فيه آمال البسطاء في أسواق الشعارات.

ومع كل حملة بايومترية “تحديث بياناتك الحيوية في سجل الناخبين " تدعو الناخبين إلى تحديث بياناتهم، يعلو شعار: “لا تفقد حقك في الانتخاب .”
لكن السؤال الذي لم يُكتب بخط صغير تحت هذا الإعلان هو: وماذا بعد أن لا نفقده؟! ديمقراطية الورق وصناديق الرماد.

من بغداد إلى السليمانية توالت على العراق دوراتٌ انتخابية لا تُعدّ، وتعاقبت كابينات وزارية بأسماءٍ تتبدّل لكن بوجوهٍ لا ترحل. تغيّرت الشعارات وثبتت المصالح والنتيجة واحدة: فسادٌ مستمر وتحاصصٌ متجذر وحقوقٌ متهدّرة ومواطنٌ لا يُستدعى إلا كل أربع سنوات، لا بوصفه شريكًا في القرار بل رقماً انتخابيًّا يُستغلّ: يُغرَى، ويُضغط، ويُخدع، أو يُساوَم على صوته بخمسةٍ وعشرين ألف دينار، ليُمنح الزيفُ شرعيته وتُكرّس المهزلة باسم الديمقراطية.

فيا أيتّها الديمقراطية الباكرة كنّا نظنّك وعدًا، فإذا بك سرابُ وعودٍ في بطون القوانين، تتنازعك الأهواء ويغتالك صُنّاعُك!
أين حططتِ رحالك في هذا الشرق الجريح؟ وأيّ يدٍ امتدت إليكِ فحوّلتك من أملٍ إلى أداةٍ بيد أزلام السلطة وورثة الاحتلال؟!

لقد شَهِد العراق باعتراف فضائيات السلطة المتنفذة نفسها ذلك : -
تزويرًا ممنهجًا!
صناديق احترقت!
نتائج بُدلت!
أموات صوّتوا !
وأحياء لم يُحسبوا أصلاً.

يا أيها العراقيون والعراقيات، أتعلمون أن في كوردستان ظلًّا لا تشرق فيه الرواتب؟!
لقد صار خبر الراتب في الإقليم يُدرج ضمن الأخبار العاجلة، لا لشحّ المعلومة، بل لكثرة الترقّب.
ويا للأسف! كثيرٌ من إخوتنا العراقيين في الوسط والجنوب لا يدركون حجم هذا الألم، إذ لا يعرفون اللغة الكردية التي تُنشر بها بيانات الانتظار، مع أنّ الدستور واحد، والحقوق واحدة.
أيها الصديق العراقي، أيتها الأخت العراقية العزيزة، لقد قبضتم رواتبكم منذ ٣٠ من أيار، ونحن، في كوردستان، نكاد نبلغ منتصف حزيران، ولم نرَ من الراتب إلا اسمه. فمتى تُحسبون معنا، بالـ(ميّ) لا بالشعارات؟!

في كوردستان العراق، لا يختلف المشهد كثيرًا، بل هو في أحيان كثيرة أشدّ قسوة.
الموظف الكردي بات لا يعرف لرزقه موعدًا، ولا لراتبه وعدًا، يعيش على الانتظار المؤجّل، والوعود المعطّلة.
لا يثق بالحكومة الفدرالية التي غابت عنها الرقابة، ولا بحكومة الإقليم التي فُقِد فيها الحساب.
بين سلطتين تتبادلان الاتهامات، تضيع لقمة العيش، ويُرهن المواطن لسجالٍ لا ذنب له فيه.
كأنّ حقّه في الحياة بات مشروطًا بالولاء، أو مؤجّلًا بتفاهمٍ سياسيٍّ لا يصل إليه منه إلا الفُتات والخذلان.

فأيُّ ديمقراطيةٍ تلك التي تطلبُ منك صوتك، ثمّ تحرمك قوتك؟!
وأيُّ دستورٍ ذاك الذي يُساوي بين المواطنين في الواجبات، لكنه يتناسى الحقوق عند الصرف؟!

بطاقةُ انتخاب أم بطاقةُ تمويه؟
إنّ بطاقةَ الناخب لا تساوي شيئًا إن لم يُحترم صوتُ الناخب.
ولا قيمةَ للتحديثِ البايومتري إذا كان التزويرُ دائمَ التحديث.
وتغدو الدعوة إلى المشاركةِ سخريةً، حين تُوجَّهُ لشعبٍ أرهقته الطبقةُ السياسيةُ ذاتُها التي تتبادلُ الأدوارَ منذ عقود.

الحقوقُ لا تُستجدى من نُظم التزوير.
ولا يرتقي الوطنُ ببطاقةٍ، بل بإرادةٍ تُحترم.
ولا تقومُ العدالةُ بصندوقٍ يُخدع، بل بوعيٍ شعبيٍّ يرفضُ تدويرَ الفشل ويكفُّ عن تطبيعِ الفساد.

أبناءُ كوردستان والعراق لا يحتاجون إلى بطاقةِ انتخاب، بل إلى بطاقةِ وطنٍ لا يُخدع، ودستورٍ يُطبّق، ونظامٍ لا يُساوي بين اللصِّ والنزيه، ولا يُكافئ المتسلّطَ على حساب المواطن.

وصفوةُ القول:
إذا كانت السلطةُ قد عجزت عن صرفِ راتب،
وعن مراقبةِ انتخاب،
وعن محاسبةِ فاسد،
فهل يُعقل أن تُطلب من الشعب المشاركةُ مجددًا في “حق الانتخاب”؟!

أم أن الصمتَ بات لغةَ الناخب، لأن صوتَه لم يُسمع يومًا،
وبطاقتَه لم تكن إلا تذكرة عبورٍ إلى وهمِ السيادة؟

*الباحث الأكاديمي / إقليم كوردستان - العراق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع