ورحل بهنام أبو الصوف خسارة وطنية كبيرة... لاتُعوّض

                   
يبدو أن قدرنا أن نودع مبدعينا وعلمائنا واحداً تلو الآخر، في ديار الغربة القسرية، بعيداً عن الوطن، الذي أراد أعداء العراق تفريغه من رموزه وعلمائه، وها هي الأخبار تأتينا اليوم من عمان العاصمة الأردنية عن رحيل المؤرخ والآثاري العراقي الكبير بهنام ابو الصوف اثر ازمة قلبية عن عمر ناهز الثمانين عاما، امضى اكثر من ستين عاما منها مع الاثار والبحوث والحضارة العراقية التي وجد نفسه منجذبا اليها منذ ان تشكل وعيه الاول وكان يتباهى بها ويفتخر بعمله الذي كان يحرص ان يكون متقنا

أفنى عمره في خدمة الآثار العراقيةرحل عالم عراقي فذ آخر من بيننا، إنه العلامة الآثاري الدكتور بهنام أبو الصوف .. قضى الراحل الكبير حياته في خدمة تاريخ وحضارات وادي الرافدين، وأشرف على كثير من التنقيبات الآثارية في مواقع عراقية مختلفة، كما شارك في انجاز عدد كبير من البحوث العلمية وأشرف على إعداد بحوث أخرى.
وبذلك يكون العراق قد فقد واحدا من ابنائه الكبار المبجلين المخلصين البررة الذين يستحقون ان ينهمر الدمع عليهم مدراراً ويتشقق القلب ألماً على رحيله لانه رمز رافديني حضاري جليل عرف بتواضعه الجم وثراء مكنوناته المعرفية وعلو قامته وجلال وعيه، فقد ارتبطت حياته بالآثار العراقية، وعشقها خلال عقود من العمل والتنقيب،وحتى بعد خروجه من العراق بعد عام 2003 وإقامته في العاصمة الاردنية عمان، ما كان يقدم المحاضرات والندوات عن الاثار والحضارة، ويمكن عدّ نعي الراحل ابو الصوف نعيّ اهل المعرفة والعلوم في بلاد الرافدين والانسانية جمعاء.

نبذة عن حياة الراحل من موقعه الشخصي:

 http://www.abualsoof.com/ 

الدكتور بهنام أبو الصوف، عالم آثار عراقي مسيحي، من مواليد يوم 15 تموز 1931، في محلة ( سوق الشعارين ) القديمة بالموصل قرب جامع النبي جرجيس، نشأ في كنف أسرة أبو الصوف الموصلية المعروفة، وأسرة ابو الصوف من الأسر الموصلية العراقية التي سكنت محلة القلعة وهي من اقدم محلات الموصل التي تشغل أجزاء واسعة من تل الموصل الأثري القديم داخل أسوار الموصل، وكان والده تاجرا يأتي بالأخشاب من إطراف ديار بكر وجزيرة ابن عمر حيث كان سكن العائلة الأصلي كما كان يتاجر بالأصواف،أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية فيها، وفي عام 1951 التحق بقسم الاثار والحضارة في جامعة بغداد وتخرج منها عام 1955،وبعد خمسة اعوام أي في عام 1960 سافر الى بريطانيا بمنحة دراسية في جامعة كمبريدج التي حصل منها على درجة الدكتوراه بامتياز في موضوع "جذور الحضارة وعلم الأجناس البشرية"،في خريف 1966.
يؤكد الدكتور أبو الصوف انه نشأ في بيئة غنية بآثار الماضي، وقصص الأبطال، ربما كانت لها الأثر الكبير في توجهه إلى عالم الآثار، فيقول كنت في مرحلتي الطفولة والمراهقة مهتما بقراءة الاساطير وكتب التاريخ، كما كنت أمارس رياضة كمال الأجسام، والسباحة، وكنت احلم بوظيفة مليئة بالمخاطر والأسرار والبطولات، وأتطلع الى ان أصبح طياراً أو بحاراً، وهذا ما رفضته اسرتي بشدة.
 وعمل الراحل لسنوات عديدة في التنقيب عن الآثار في عدد من مواقع العراق الأثرية في وسط وشمال العراق، وكان مشرفا علميا على تنقيبات إنقاذية واسعة في حوضي سدي حمرين (في محافظة ديالى)، وأسكي الموصل على نهر دجلة في أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وكشف عن حضارة جديدة من مطلع العصر الحجري الحديث في وسط العراق في أواسط الستينات، بالتحديد في تل الصوان في سامراء حيث كشف عن بقايا قرية من العصر الحجري الحديث، تعود الى مطلع الألف السادس قبل الميلاد.
 
 كما ادى عمله في موقع قاينج آغا قرب قلعة اربيل الى الكشف عن مستوطن واسع من عصر الوركاء، مع معبدين قائمين وسط حي سكني مقام على مسطبة من اللبن تشكل بدايات الزقورات (الابراج المدرجة) في وادي الرافدين، كما انه حاضر لسنوات عديدة في مادة جذور الحضارة والآثار والتاريخ في عدد من جامعات العراق ومعهد التاريخ العربي للدراسات العليا، الذي مقره بغداد، كما أشرف على عدد من الرسائل الجامعية لطلبة عراقيين وعرب.
 
ويؤكد رحمه الله، انه مر بثلاث مراحل، فالخمسينات والستينات كانتا بالنسبة له مرحلة الدرس والتعليم والتدوين، ومرحلة السبعينات كرست للمسح الاثاري والاكتشافات والتوثيق والتأليف، ثم جاءت مرحلتا الثمانينات والتسعينات وهي مرحلة التنظير والتدريس والنضج الفعلي الاكاديمي والقدرة على تقديم المشورة والخبرة في ميدان الاثار، وتبوأ الراحل عددا من المناصب العلمية والإدارية في هيئة الآثار والتراث، وشارك في العديد من مؤتمرات الآثار، وفي حلقات دراسية داخل العراق وخارجه، كما دعي لإلقاء محاضرات في جامعات أميركية وأوربية في موضوع آثار العراق وحضارته وعن نتائج تنقيباته، ونشر بحوثا ودراسات، وتقارير علمية عن نتائج أعماله الميدانية ودراساته المقارنة في مجلات علمية عراقية وأجنبية.
 
 مؤلفاته ونتاجه العلمي:
 وله مؤلفات عدة منها:فخاريات عصر الوركاء...أصوله وانتشاره (بالإنكليزية)، ظلال الوادي العريق (بالعربية)، العراق: وحدة الأرض والحضارة والإنسان (بالعربية)، قراءات في الآثار والحضارة، تاريخ من باطن الأرض. ويضم الكتاب بين دفتية خبراته وتجاربه خلال ثلاثين عاما، وكان الراحل يؤكد أنه حقق الكثير مما كان يطمح اليه، ويعتز ويفتخر بإشرافه المباشر على تنقيبات إنقاذية واسعة في حوضي سدي حمرين في ديالى، وأسكي موصل في نينوى ابتداء من أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينات، مشيرا الى انه ما زال يتمنى تحقيق أمنيته في المساهمة بالعثور على مقبرة حمورابي ومدينة أكد
 
كارثة المتحف الوطني في 9 نيسان 2003
 وقال الدكتور ابو الصوف، أنه تألم كثيرا للتخريب، الذي لحق بالمتحف العراقي في عام 2003، لكن ما أفرحه هو قيام مجموعة من الشباب العراقيين الغيورين على آثار العراق وتاريخه، بإعادة قطع مهمة ونفيسة كانت تعرضت للنهب، الى المتحف، واشار أبو الصوف الى أن هناك دولا ربما فرحت بما أصاب المتحف العراقي، مشددا على انه حزين لفقد العراق مجموعة من أثاره، لكن أشد ما أحزنه ويحزنه هو قتل الإنسان العراقي، والتشتت والانقسام الذي يعاني منه المجتمع العراقي.


 تكريم الراحل المبدع بما يستحق
رحم الله بهنام ابو الصوف العراقي النبيل، ونتمنى ان تقوم المؤسسات العلمية والثقافية العراقية سواء في الجامعة أم في مؤسسات الآثار، بمنحه ما يستحق من التكريم الذي يجعله قدوة للاجيال المقبلة كونه علما عراقيا سيظل مرفرفا في سماء المبدعين وفي سماء الوطن، ونطالب بتسمية أحد الشوارع في بغداد أو الموصل باسمه، وتسمية إحدى القاعات بإسمه تخليدا لذكراه وعرفاناً بخدماته الجليلة للوطن
بهنام أبو الصوف عرفته عن كثب وكان مثالا في الخلق العلمي والأدب أدب العلماء وخسارته خسارة وطنية لاتعوض بل إنها خسارة للإنسانية كما كتب الأخ مصطفى كامل في مدونته ناعيا ابو الصوف

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

774 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع