من هو العدو الاول للعراق وللأمة العربية: وكيف رد صدام حسين على هذا السؤال؟

                                               

                          د.سعد ناجي جواد

من هو العدو الاول للعراق وللأمة العربية: وكيف رد صدام حسين على هذا السؤال؟

سؤال قديم جديد يؤرق الفكر ويعود الى الذاكرة بين الفينة والأخرى، الا وهو هل ان ساسة الغرب وكتابه ومفكريه اذكى وأدهى من نظرائهم العرب بحيث انهم يستطيعون بسهولة ان يستقطبوا التأييد للخطط الغربية حتى وان كانت مشبوهة و في غير صالح الأمة والشعب العربي. كي نجد بالنتيجة ان العديد من المفكرين والكتاب والساسة العرب يضعون كل بيضهم في سلة أمريكا والغرب، ومهما اساء الغرب للأمة العربية. و سؤال آخر يدور في الذهن بين الفينة والأخرى وهو هل ان الأحزاب الجماهيرية العربية التي حركت الشارع العربي لعقود، كانت خدعة كبيرة بحيث ان قيادات شيوعية، مثل قيادة الحزب الشيوعي العراقي، هذا الحزب العريق ذو التاريخ النضالي الطويل، حزب الشهداء فهد وسلام عادل ورفاقهم والذين أعدموا باوامر وتوجيهات بريطانية أمريكية، تصطف مع القوى الإمبرالية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة وتصبح طوع بنانها؟ او ان تقوم بعض بقايا قيادات الحزب الوطني الديمقراطي، هذا الحزب الذي رفض قادته أمثال كامل الجادرجي وحسين جميل المهادنة فيما يخص الديمقراطية والنفوذ البريطاني، تقبل بالتعاون مع ادارة الاحتلال المقيتة؟ او ان بعض البعثيين الذين عملوا منذ نعومة أظفارهم في صفوف هذا الحزب، ينتقل قسم منهم للعمل مع الولايات المتحدة، بينما يظهر من بينهم من يعتقد انها المنقذ الوحيد للعراق الان؟ وهل ان النخب المتعلمة تمتلك ذاكرة ضعيفة الى الحد الذي تسمح لنفسها ان تعتقد بان الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا واسرائيل يمكن ان يضمروا خيرا للعرب وللمسلمين ولامتيهما؟ كل هذه الأسئلة كثيرا ما تعود للذهن كلما تنكأ ذكرى الاحتلال الجروح العميقة التي سببها، وكلما يتهاوى شاهد كنّا نحسبه قلعة صمود امام الاحتلال ومغرياته.

منذ ان وصل الرئيس ترامب الى الحكم بدأت ادارته تطبيق خطة، اعتبروها ذكية، وهي ليست كذلك، مفادها ان الخطر على الأمة العربية هو ايران، وان اسرائيل حليف يمكن ان يعتمد عليه للوقوف بوجه هذا الخطر!!! وبكل سهولة صَدَّقَ بعض العرب هذه الفكرة و اندفعوا للعمل بها، ونسوا في سرعة هرولتهم ما فعلته اسرائيل بالامة العربية منذ، بل و قبل قيامها على ارض فلسطين في عام ١٩٤٨، وما زالت تفعله حتى اليوم. نسوا الحروب العلنية والسرية والتصفيات الجسدية واغتيال العلماء والمثقفين و الطفولة ونسوا الدور الذي لعبته اسرائيل في تمزيق الأقطار العربية الواحدة تلو الاخرى، والمجاهرة بهذا الهدف دون خوف او وجل، علما ان هذه السياسات الإسرائيلية مستمرة حتى والمطبعين يتهافتون عليها و يزورونها بصورة سرية، او يستقبلون وفودا وأشخاصا مسؤولين منها. هذا طبعا لا يعني ان ايران هي ملاك المنطقة، وبالتاكيد لا يمكن ان يبرر او يغفر لها ما فعلته وتفعله بالعراق، الذي بالمناسبة لم يكن ليحصل لولا الاحتلال الامريكي-البريطاني – الاسرائيلي عام ٢٠٠٣، ولكن يجب ان يبقى هناك فارق ببن الاثنين، اسرائيل عدو تاريخي وحضاري وانساني، ويهدد مصير ومستقبل الأمة. وايران خصم او منافس سياسي إقليمي، يمكن ان تحل المشاكل معه بالدبلوماسية الهادئة والحوار. ولو كان في العراق سياسيون حقيقيون يحترمون العراق وتاريخه وشعبه، لوقفوا بوجه التغلغل الايراني بحزم وحولوا العلاقة الى علاقة متكافئة لا تابعة ذليلة. ولكن ان يظهر علينا الان ليقول لنا ان الولايات المتحدة، التي كانت السبب في كل ماسي العراق منذ بداية الاحتلال ولحد اليوم، ناهيك عن ما فعلته قبل ذلك، هي من (سيحرر العراق من الاحتلال الايراني)، يبقى موقفا ليس محيرا فقط، وإنما لايمكن اعتباره الا ساذجا او غير محسوب بطريقة صحيحة اذا احسنا النية، او مدفوع او مع الاسف طائفي بحت. ويمكن تفسير ذلك ببعض الملاحظات السريعة، اولا ان من أوصل العراق الى هذا المنحدر ليست احزاب من طائفة واحدة معينة، ولكن مجموعة احزاب وأشخاص من كافة الطوائف والقوميات، كلها شاركت في العمالة والانبطاح وتسليم مقاليد الامور لامريكا وايران واسرائيل، ولا تزال تفعل ذلك. ثانيا ان تبعة ومسؤولية كل ما جرى و يجري في العراق منذ عام ٢٠٠٣ تتحمله الولايات المتحدة وحلفائها الذين مكنوا لكل من هب ودب ان يتغلغل ويبث سموم نفوذه فيه، ثالثا ان الولايات المتحدة هي التي ارادت وخططت لكي توصل العراق الى هذه الحالة، وبالتالي فانه لا يمكن لعاقل ان يتصور، بعد كل هذه التجربة المريرة، انها ممكن ان تفعل اي شيء لكي يعود العراق الى ما كان عليه من خير وعزة ومنعة.
في حادثة لا يمكن ان تمحى من الذاكرة، جرت في ذروة الحرب العراقية-الإيرانية زار الرئيس الراحل صدام حسين احدى مدارس بغداد المتوسطة للبنين، وكما كانت العادة فان هذه الزيارة كانت تبث في كل نشرات الأخبار آنذاك. واثناء تفقده لأحد الصفوف سال الطلبة (من هو العدو الاول للعراق؟)، فهب كل الطلبة برد واحد (إيران إيران)، عندها رد عليهم قائلا (لا يا واولادي ايران دولة جارة، حكامها سيئون نعم، ولكنها تبقى دولة جارة، والعدو الاول للعراق وللأمة العربية هي اسرائيل )، ثم استرسل في توضيح فكرته. بالتأكيد لم تكن الزيارة اعتباطية، ولا عابرة وإنما مقصودة ومع صبية بهذه الإعمار والذين تفتحت عيونهم وإذهانهم على الحرب مع ايران واستمرارها، واراد ان يصحح ما قد يرسخ في ذهنهم من أفكار خاطئة.
ويبدو ان البعض من الراشدين والكبار في العمر بحاجة الى التذكير بهذه الحقائق. ان الاعتماد على فكرة ان عداء الولايات المتحدة لايران يمكن ان يَصْب في مصلحة العراق تفكير خاطئ، اثبت خطاءه في السابق وسيثبت خطاءه في المستقبل. واحتمال اتفاق ايران مع أمريكا امر وارد وهناك مؤشرات عليه، و تحرير العراق من اي نفوذ اجنبي مهما كان نوعه ولونه هو مسؤولية ابناء العراق فقط، وبكل مكوناتهم و اطيافهم من من لم تتلوث مسيرتهم بالتعاون مع الأجنبي، اي كانت جنسيته، ولم تتلوث أيديهم بالفساد او بدماء العراقيين الزكية. وان من يعتقد عكس ذلك، يرتكب خطاءا كبيرا ان لم نقل جريمة كالتي ارتكبها العملاء والمأجورون الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة وسهلوا و برروا احتلال العراق و تدميره.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1257 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع