النهج العنصري في السياسة التركية ضد الاقليات العرقية

                                          

                 المهندس هامبرسوم أغباشيان

النهج العنصري في السياسة التركية ضد الاقليات العرقية

نظرية التفوق العنصري هي من اقدم االنظريات المدمرة للحياة البشرية ويعتبر تطبيقها من اخطر الممارسات التي واجهت وتواجه العالم، فهي في جوهرها الادعاء بوجود اختلافات بين الأجناس البشرية من كافة النواحي، ويلجا منظروها للفرضيات العلمية من أجل إثبات تفوق عنصر بشري ما على عناصر آخرى، وتوظف هذه الفرضيات الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في دعم نظرية تصنيف البشر إلى أجناس مختلفة جذريا عن بعضها، وتفترض وجود مجموعة من الأجناس ذو تركيبة بيولوجية معينة متفوقة على مجاميع أخرى ذات تراكيب بيولوجية مختلفة وتعتبر نفسها أكثر رقيًا من غيرها، ونتيجة لذلك تشعر هذه المجموعات بانها متميزة وتعتقد بان من حقها ان تهيمن اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا على الاخرين. ان صفحات التاريخ القديم والحديث مليئة بمثل هه الممارسات، فالمستوطنون البيض في امريكا ابادوا السكان الاصليين ثم استعبدوا الافارقة السود، والهولنديون البيض مارسوا التمييز العنصري (الابارثايد) في جنوب افريقيا، ولم تكن ممارسات الامبراطورية البريطانية في الهند ومستعمراتها الاخرى ضد السكان الاصليين اقل ظلما منهم وكذلك ممارسات الدول الاوربية المستعمرة ضد شعوب البلدان التي استعمروها وغيرها. لقد خلّفت الصراعات بين الأجناس قدرًا هائلاً من الضرر للبشرية، واوقعت خسائر فادحة في الارواح والممتلكات والثروات وضياع الاوطان، وتسببت في معاناة لا توصف، ومع ذلك لم تتوقف هذه الممارسات لعدم وجود رادع قوي يمنع من استمرارها.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، افاقت الشعوب على المبادئ العنصرية المدمرة ، وبدأ التنديد بها على كاقة الاصعدة، وصدر عام 1950 بيان عن منظمة الامم المتحدة مناهضًا للعنصرية بعنوان "صراع الأجناس"، وتم فيه دحض نظريات صراع الأجناس، فحقيقة الاختلاف بين الأجناس ليست إلا ظاهرة بيولوجية وليست اختلافًا عقليًا، وقد أثبت علم الوراثة التطورية أن الاختلافات البيولوجية بين الأجناس تعد طفيفة ومتغيرة بتقدم الزمن، والا كيف تولى باراك اوباما وهو من اصل افريقي رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، وكيف تولى كارلوس منعم السوري رئاسة الارجنتين، وهناك بالتاكيد امثلة عديدة في هذا المجال.
ومع كل هذه التطورات نجد ان هناك دول وشعوب تمارس التمييز العنصري بكل اشكاله ضد الشعوب الاخرى. واحسن مثال على ذلك معاملة الحكومة التركية لمواطنيها من الاقليات. فتركيا لديها تاريخ طويل في الشعور بتفوق العنصر التركي الطوراني على العناصر الاخرى وبالتالي الحق في ممارسة التمييز العرقي ضد هذه العناصر. لقد تجذرت الافكار العنصرية في المجتمع التركي ولوثت افكار ابنائها والتزم القوميون الاتراك بهذه الافكار الهدامة بصورة مطلقة. فهذا الوباء منتشر لدى القوميون الاتراك وخصوصا النخب الحاكمة وذوى السلطة قبل ظهور النازية في المانيا والفاشستية في ايطاليا بزمن طويل. فأيديولوجية العنصرية وتفوق العنصر التركي الطوراني متاصلة لدى الاتراك ويتم تلقينها للاجيال الجديدة وهو ما يتعلمه التلاميذ في المدارس اليوم حيث يهتف كل تلميذ صباحا قبل بدء الدراسة مع زملائه (انا فخور باني تركي) وعلى ابناء الاقليات ترديد ذلك ايضا مع الطلبة الاتراك، علما بان هذه المارسة جديدة نسبيا فهي من افرازات الحكم الكمالي ولكن فكرة تفوق العنصر التركي الطوراني متجذر في التاريخ العثماني ولم يكن اتاتورك الا النسخة الجديدة من هذه العقلية الشوفينية المتعالية التي تم دعمها وتنفيذها بالكامل من قبل السلاطين العثمانيين ومن بعدهم حزب الاتحاد والترقي طوال تاريخهم الدموي واستمرت خلال فترة حكم مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة وعهد خلفاءة من الرؤساء الاتراك ومستمرة حاليا بشكل دموي وعنيف وغير انساني من قبل الساطان الحالم رجب طيب أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية.
ان التركي العنصري يعتبر نفسة (قبضاي) وهذه كلمة عربية ماخوذوة عن التركية (قبه دايي kabadayi) ومعناها العم او الخال الفظ ، ولديه شعور قوي في حقه في التسلط والهيمنة على العناصر الاخرى، ويعتبر نفسه ارقى واقوى من الاخرين وهذا بالضبط ما تعلمه من ادبيات اجداده . فلقد ذكر المفكر والسياسي والمربي التركي العثماني علي سوافي (1838–1878) في ستينيات القرن التاسع عشر بأن الأتراك يتفوقون على الأجناس الأخرى في المجال السياسي والجوانب العسكرية والثقافية، وان اللغة التركية تتفوق على اللغات الأوروبية في ثرائها وتميزها، ولقد اعتبره المفكرون الاتراك من دعائم فكرة تفوق القومية التركية الطورانية. هذا مثال واحد وهناك العديد من هذه النظريات في هذا المجال، علما بان اللغة التركية ليست لها ابجدية خاصة بها وكان العثمانيون يستعملون الابجدية العربية الى ان تم استبدالها بقرار من اتاتورك بابجدية مستقاة من الابجدية اللاتينية ، اما في الجوانب العسكرية فلم يمتد الحياة ب(علي سوافي) ليكون شاهدا على انهيار الامبراطورية العثمانية .
ومع كل ذلك هناك بالطبع نسبة ولو قليلة جدا من الاتراك المثقفين الواعين والمتطورين فكريا وانسانيا ينتقدون سياسات حكوماتهم المتتالية مثل أورهان باموك، وهو روائي تركي وأكاديمي ومتلقٍ لجائزة نوبل في الأدب لعام 2006 ، وفتحية جيتين وهي حقوقية وكاتبة وناشطة في مجال حقوق الانسان ، والبروفسور تانير أكجام ، وهو مؤرخ وعالم اجتماع تركي ، وحسن جمال وهو مفكر وكاتب وصحافي وناشر ، وهو حفيد جمال باشا السفاح واخرون غيرهم ، وهم بالتاكيد الطبقة التي يحاربها السلطان اردوغان، لذلك باءت جهودهم ومطالبتهم الحكومه الاعتراف بحقوق الأقليات والسماح لهم بالتعبير عن انتمائاتهم القومية والتمسك بهوياتهم القومية ، والاعتراف بالجرائم التي اقترفتها الامة التركية ضد الاقليات في حقب زمنية مختلفة وحرية الكلام وغيرها كلها باءت بالفشل. ويبدوا أن تقبل مثل هذه الافكار من قبل النخب الحاكمة في تركيا سيستغرق وقتًا طويلاً جدًا، حيث ان النور الذي اضاءه المفكرون الاتراك تم اطفاءه من قبل السلطان الحالم اردوغان وذلك بتصفية معارضية من المفكرين وزج الصحفيين المعارضين لسياساتة في السجون، وهروب البعض منهم الى الخارج . وقد استغل اردوغان الماده 301 من قانون العقوبات لاسكات معارضيه ومحاكمتهم بتهمة التعرض الى هيبة الدوله والحكومة ورئيس الدولة او الادعاء بالتخطيط للانفصال كما هو حال القياديين في حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للاكراد.
ان أحد الأسباب التي جعلت نظرية التفوق العنصري ايدلوجية قاتلة ومدمرة عبر التاريخ هو أن الممارسات العنصرية تؤدي في النهاية الى الإبادة الجماعية، وهذا ما حصل للارمن في الامبراطورية العثمانية عام 1915 والمحارق (الهولوكوست) النازية في المانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وما فعله الخمير الروج في كمبوديا عام 1975 وابادة قبائل التوتسي في راوندا من قبل قبائا الهوتو عام 1994 وابادة البوسنيين في تسعينيات القرن الماضي من قبل الصرب والابادة الجماعية في دارفور من قبل الحكومة السودانية ولا ننسى ما حصل ويحصل للفلسطينيين في وطنهم واخيرا ما يحصل الان للاكراد في تركيا والذي بدا بمراحل بدأ من اتاتورك والى السلطان الحالم اردوغان، حيث ان المطالبة بحقوقهم القوميه تعتبر خيانة وابسط صفة يلصق بصاحبها هي ارهابي او يتهم كونه عضوا في حزب العمال الكردستاني، ويتم ايجاد تبريرات بين الحين والاخر لشن حملات عسكرية على المناطق الكردية ويتم فيها حرق الاخضر واليابس وقتل الرجال والناس وحتى الاطفال وتهجير الباقين.
ويتصدر الاتراك قائمة الشعوب التي قامت بتنفيذ جرائم الابادة ضد العناصر الاقلية الاخرى ، فلقد قام الأتراك (العثمانيون) بتنفيذ أول عملية إبادة جماعية منظمة في التاريخ الحديث في عام 1915 خلال سنوات الحرب العالمية الأولى حيث قاموا بتهجير مليونين من ألارمن من أراض اجدادهم التاريخي في ارمينيا الغربية وتم إبادة مليون ونصف منهم ، وكذلك المذابح ضد الاقليات المسيحية الاخرى في نفس الفترة. ولان المجتمع الدولي لم يتخذ اي اجراء جدي ضد تركيا الحالية وريثة السلطنة العثمانية او يقوم بفرض العقوبات عليها كما فعلت مع المانيا بعد سقوط النازية وذلك لاسباب اقتصادية وسياسية ومحاباة للاتراك لابقائهم في المعسكر الغربي، فلقد ادى ذلك الى تشجيعها على الاستمرار بنهجها العنصري وقيامها بتصفيات عرقية جديدة وجاء الدور لمواطنيها الاكراد حيث يتم ابادتهم بمراحل وخطوات مدروسة وللاسف الشديد لا زال العالم المتمدن يخض النظر عن هذه الممارسات وعما يحدث في كردستان تركيا ويعتبر الاكراد المحاربين في سبيل الحرية والحياة الكريمة ارهابيين.

وبعد مرور اكثر من قرن على المجازر التي ارتكبها الاتراك اثناء الحرب العالمية الاولى واستمرارهم على نفس النهج اليوم يتسائل المر،
- كيف يؤثر التمييز العنصري على المجتمع التركي اليوم؟
- لماذا يستمر ذلك في تركيا اليوم؟
- هل التمييز العنصري سمة دائمة للمجتمع التركي؟
الجواب بالطبع نعم ،العنصرية متجذرة في المجتمع التركي وهي سمة دائمة لهذا المجتمع، والحكومات التركية المتعاقبة لم تبذل أي جهد لفهم وقبول الاخر، قبول أولئك الذين ليسوا أتراكا وان كانوا من مواطني تركيا ، وحتى الأكراد إخوانهم في الدين ، ولطالما استمرت البرامج التعليمية في تركيا في تعليم الجيل الجديد أنها دولة متفوقة ، وان العنصر التركي الطوراني متفوق على العناصر الاخرى وطالما ينكر الاتراك حقوق الأقليات ولا يعترفون بالصفحات السوداء في تاريخهم والجرائم التي نفذوها بحق مواطنيهم من القوميات الاخرى، فإن العنصرية ستستمر وتنموا في تركيا . والغريب في الامر ان الغرب الذي يدعى بالحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها ويحارب العنصرية والابادة بكافة اشكالها يقف مكتوف الايدى وصامتا تجاه ما يحصل اليوم في تركيا من ابادة للشعب الكردي الذي يتطلع الى حياة حرة كريمة مثل باقي الشعوب. والاسوأ من ذلك يصف الغرب المقاتل الكردي بالارهابي. انها المصالح الاقتصادية والنفاق السياسي للدول الكبرى.
ان البشرية في تطور مستمر وعلى تركيا ان تغير ثقافتها العنصرية وتواكب التطور الحاصل في الفكر الانساني لتصبح جزءا من المجتمع الدولي المتحضر. فالسياسة العنصرية مدمره وعواقبها وخيمة، وعلى السلطات التركية بذل الجهود لفهم ثقافات الشعوب الأخرى . ان تركيا تصارع اليوم تاريخها من خلال عدم الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن بسبب مخاوفها من العواقب السياسية والجغرافية والتعويضات المتعلقة بالموضوع ولكن عليها ان تضع الاحداث التاريخية في مسارها الصحيح وان تعترف بالاخطاء القديمة بحق الاقليات وتعترف بحقوقهم وان تبذل الجهود الصادقة لحل القضية الكردية وضمان الحقوق القوميه للاكراد لتجعل الجيل التركي القادم فخورًا باجداده ويتخلص من لعنة جرائم الابادة المقترفة بحق الشعوب. فباستمرار ممارسات التمييز العنصري والتعصب وخطاب الكراهية في وسائل الإعلام وجرائم الكراهية ومصادرة ممتلكات الأقليات واراضيهم والعديد من التدابير الأخرى سوف لن يكون بمقدور تركيا أن تكون جزءًا من المجتمع الدولي .

لوس انجيليس- كاليفورنيا- تشرين الثاني 2018
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع