صفعة القرن

                                                    

                             سعد ناجي جواد

صفعة القرن

بات واضحا الان ان الولايات المتحدة وإسرائيل تتأهبان لتوجيه صفعة القرن للعرب، و هذا ليس بالعجيب او المستغرب، لكن الامر المؤلم والذي يحز في النفس ان القادة العرب اما يلتزموا الصمت او يُبدونَ استعدادا كبيرا لقبول ذلك ، لا بل انهم يتهيأون لإعطاء أميركا واسرائيل الخد الاخر. ثم ان تكون هذه الصفقة بمثابة صفعة لا مثيل لها هو امر غير مستغرب، خاصة وانها تأتي من الولايات المتحدة التي أعلنت وطبقت انحيازها الكامل لإسرائيل منذ ان أُعلِنَ عن قيامها على الاراضي. الفلسطينية المغتصبة، ولا مستغرب ان يُظهِر قادة اسرائيل فرحا كبيرا بها، ولكن المستغرب ان تعلن إدارة الرئيس ترامب انها حصلت على موافقة قيادات عربية عليها، وان الرئيس عباس قد أُبلِغَ بها ولم يعلن رفضه القاطع لها. و تُزيد اسرائيل على ذلك بالقول ان العلاقات الإسرائيلية مع دول وقيادات عربية كثيرة وصلت الى مرحلة من التطور والايجابية لم يسبق ان وصلتها منذ قيام الكيان الاسرائيلي ولحد هذا اليوم. والامر الموسف الأكبر ان يصل الامر، او النجاحات الصهيونية، الى الحد الذي بدأت قنوات فضائية عربية تجاهر بحقوق إسرائيلية – صهيونية في ارض فلسطين. او من يَدَّعونَ بأنهم مسؤولين كبار من يتبجح بعلاقته بالكيان الاسرائيلي وبزياراته المتكررة للأرض المحتلة او بلقاءاته بمسؤولين اسرائيلين، في الوقت الذي كانت مثل هذه الأمور تتم بسرية كبيرة في السابق خشية الغضب الشعبي. وتزامن مع ذلك حملة شعواء منظمة لتشويه صورة الرموز العربية الكبيرة التي تصدت للمشاريع الصليبية والصهيونية، ابتداءا من البطل التاريخي صلاح الدين الأيوبي و وصولا الى خالد الذكر جمال عبد الناصر، بل وحتى الرئيس الراحل صدام حسين، حتى وان إختلف البعض معه في أمور عديدة، الا ان موقفه من القضية الفلسطينية لا يمكن لأحد ان يشوهه. ان هذا الانحطاط ليس جديدا في حياة الامم، فالتاريخ قد ثَبَّتَ في صفحاته (القيادات) الكثيرة التي تعاونت مع الصليبين، او حتى حرضتهم ضد صلاح الدين و مع اسرائيل ضد عبد الناصر، ولكن التاريخ ايضاً يخبرنا بان هؤلاء المتعاونيين ذهبوا في صفحات النسيان وبقي اسم صلاح الدين متلالا في اذهان العرب والمسلمين. وليس ادل على الموقف المخزي الذي تقفه بعض الأصوات المشككة بالرموز العربية الاسلامية ما قالته وسائل إعلام إسرائيلية بان مايقوله هؤلاء قدم ويقدم خدمة عظيمة و (مجانية؟؟) لاسرائيل.

لقد راهنت اسرائيل منذ قيامها على عدة أمور، نجحت في بعضها مثل تركيع بعض الأنظمة العربية، وفِي بعض حملاتها العسكرية آلتي اوحت للعرب من خلالها انها قوة لا تقهر، ولكنها فشلت في المحصلة النهائية في ان تجعل القضية الفلسطينية قضية منسية. وكذلك الامر مع مراهنتهاالمبنية على فكرة ان ان الجيل الاول من الفلسطينين الذين عاشوا نكبة ١٩٤٨ سيذهب، وان الأجيال التي ستأتي بعده، سواء تلك التي عاشت في الشتات او في الاراضي المحتلة ستنسى قضيتها وتوطن نفسها على الرضا بالأمر الواقع، وتقبل بحقيقة وجود الاحتلال و ديمومته. ولكن الذي حصل ان كل الأجيال الفلسطينية ظلت متمسكة بحقها وعلى ارضها. كما راهنت اسرائيل على بناء قوة عسكرية هائلة و متفوقة، تستطيع من خلالها كسر المقاومة بغطرستها واحتلالها، ولكن المقاومة اثبتت انها قادرة على التحدي، بل وهزمت القوة العسكرية الإسرائيلية واجبرت قادتها على الاعتراف بالعجز على إنهاء المقاومة، شعبية كانت ام عسكرية، وانقلبت موازين القوة وأصبحت متعادلة. وهذا الامر مستمر على أيدي اجيال جديدة في غالبيتها لم تشهد نكبة ١٩٤٨ او ١٩٦٧.
كثيرة هي المباديء العليا التي تربينا عليها منذ الصغر والتي جعلتنا نرددها و نفتخر بمن التزم بها لحد هذا اليوم. مباديء عربية إسلامية مؤثرة كمبدأ الثبات على الموقف حتى وان ساق هذا الموقف صاحبه الى حتفه. وكثيرة هي الأمثال على الرجال، وحتى النساء الذين صعدوا المشانق او ماتوا تحت التعذيب من اجل إيمانهم بمبادئهم، في الوقت الذي كان يمكن للكثير من هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم ان يتجنبوا هذا المصير بتنازلات ربما كانت بسيطة. والقيادات العربية، وخاصة الفلسطينية، مطالبة اليوم وأكثر من اي وقت مضى، بموقف رجولي مبدئي عربي واسلامي، اكراما لتاريخ الأمة قبل تاريخهم وما سيكتبه التاريخ عنهم. وكل ما مطلوب اليوم هو رفض هذه الصفقة، وخاصة من القيادات الفلسطينية، و بالذات من قبل الرئيس محمود عباس، الذي ليس لديه ما يخسره وهو في سن متقدمة ويعاني من مرض مميت كما ينشر.
ان تنجح الولايات المتحدة وإسرائيل في اعلان الصفقة الجديدة فهذا امر ممكن، ولكن الممكن ايضاً ان ترفضها القيادات الفلسطينية كي لا تتحول الى صفعة مهينة تمس كرامة الشعب الفلسطيني. لقد اثبت التاريخ القريب ان الولايات المتحدة لا تحمي احدا غير اسرائيل ولا تدافع عن احد غير اسرائيل ولا تراعي مصلحة احد غير مصلحة اسرائيل. وان هذه الصفقة المخزية، شانها شأن الصفقة التي عقدت في عامي ١٩٤٧-١٩٤٨ لن تمر بسهولة وسلام . وان الرفض والغضب الشعبي سيكون ردا أكيدا عليها وبالتالي فان رفضها ورفض القبول بها هو امر جوهري و مطلوب، وليُترَك الامر الى من اصدرها ليُرينا كيف سيطبقها، و ليتحمل وحده نتيجة فرضها وردة فعل المقاومة و الشعب الفلسطيني على إعلانها. وللتتذكر القيادة الفلسطينية اتفاقيات كامب ديفيد و اسلو ومدريد وماذا جنى الشعب الفلسطيني منها. ان تعلن أمريكا ان القدس عاصمة لاسرائيل لا يغير من حقيقة ان هذه المدينة المقدسة كانت وستبقى العاصمة الابدية لفلسطين و المسجد الأقصى فيها ثالث الحرمين و مسرى الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والسلام. وان حق تقرير المصير وحق العودة هما حقان كفلتهما الشرائع الدولية و منظمة الامم المتحدة، وهي تتعلق بحق شعب ولا يملك اي حاكم الحق في ان يتنازل عنهما، ولا توجد قوة يمكن ان تجبر اي حاكم على القبول بذلك الا اذا قاده تخاذله وضعفه للإذعان. لقد عُرِضت عبر التاريخ (صفقات) كثيرة مماثلة و على امّم عديدة، جزائر الثورة ومصر عبد الناصر وفيتنام و موخرا كوريا الشمالية وغيرهم كثير، وجاء الانتصار بعد رفض الصفقات المذلة. في حين ان الانحدار والتدهور بدا مع القبول بالصفقات المهينة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1284 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع