عباس العلوي
اطلالة نقديّة في شعر الدكتور محمد زاير :
حينما يتألق الطبيب في فن الصورة الشعريّة !
أمي واختي والصغار / وأنا وأطياف الدمار / غرباء في هذي الديار /
نخشى الهواجس يا طريق / نخشى وليس لنا صديق / إلا الرياح / تنوح في رعب عميق / فيضيع في أصادئها همس الكلام / والأخت يوحشها الظلام
أبداً تصيح !
والداء يعبث في بقاياها الهزيلة / متغلغلاً في جسدها المحطوم / كي يروي غليله/ ويظل يحفر في الفؤاد / وتظل عيناها تحدق في الظلام / من شهقة الأنفاس والداء المريع فلا تنام
أبداً تصيح
انا لن أموت
اريد البقاء مع الصغار
ـــــــــــــــــــــ
في رثاء اخته الراحلة نبيهه يوم [ 23 / 9 / 1952 ]
وأظل في يأس عنيد
ويظل الضابط المشدود يضحك في جنون
ويمطّ في شفتيه .. ثم يسأل من تكون ؟ ما ذا تريد ؟
أعفي .. وأسكت في خضوع
فتموج في جنبيه انفاس يصعدها الغرور
ويظل يحسب نفسه شيئاً له شأن كبير / ويقول في شبه ازدراءٍ / في كربياءٍ /
إمشي .. إنتظر / واذيب نفسي في انتظار / ويظل يأسي .. ينسج الآلام في صمت مريب /
وأظل ارقب بابه / وكأنها امل حبيب / وأظل والأيام تمضي في سكون / ماذا يكون ؟
ـــــــــــــــــــــ
من قصيدة < انتظار > الأعفاء من التدريب العسكري
حلمٌ سار بأنغام شجيّه / وتوارى في ظلال الأبديّه / حلمٌ حرّك ناي الشاعريّه /
فمضى يهمس لحن الخاطر
ومضى يعزف الحان الخيال / تارة يشكو تصاريف الليالي / أو يناجي تارة سرّ الجمال
إنه قلبي بحلم سائر / < آه ياقلبي > وكم رددتها / بين آلامي التي أوجدتها /
ولقد خلتك ان ودّعتها / كلها عادت لدنيا الحاضر
فتقلبت بآلامي ويأسي / وتعثرت بتشيع لنفسي
لجحيم لهبه يترع كأسي / فارتوت نفسي بسمّ قاهر
ـــــــــــــــــــــ
من قصيدة < يأس > نشرت في عقد الخمسينات / في مجلة اخبار الكلية الطبية ــ بغداد
قليلٌ من اصدقاء ومحبي الدكتور محمد زاير < طبيب العظام > من يعرف شيئاً عن موهبته الشعرية / كل ماهو جاري للعيان كتاباته الدورية التي تدلل على عشقه وحبّة للعراق رغم التغرب الذي قارب الستة عقود في البلاد الاسكندنافية / كتاباته شيقة جميلة وبالمعنى الدارج < ماركة مسجلة بأسمه > غير قابلة للتقليد .
وبطريقة النقد الأدبي النزيه / سأتناول اليوم جانب الصورة الشعرية التي برع فيها الطبيب الشاعر في أيام شبابه وهي واحدة من المواهب التي كان يملكها في ذلك الوقت كالتمثيل وكتابة النصوص المسرحية والأذاعية وغيرها .
ادرجنا في مقدمة البحث ثلاث نماذج من [ شعر جزيل الفظ قوي المعنى ] تجعل المتلقي يُسبغ النظر والتفكير في الصور الشعرية الجميلة المؤئرة التي رسمها بريشة الفنان الماهر المحترف
يمكن القول : ان الدكتور محمد زاير شاعر صورة !
ولكن الصورة في شعره تتجاوز لغة الأنطباع / وتتخطى قانون الأبعاد الثلاثة / لأنها تتساءل بقدر ما تصف / وتفسر بقدر ما تعبّر / فهي ليست الصورة الحسيّة المؤطرة بخصائص خارجيّة مسمّاة / بل هي الصورة النافذه التي تهيء القارئ لاستيعاب فترة او رؤية معينة / من الطبيعي ان تكون مهارة الشاعر الطبية وتجربته الطويلة مع الأنسان والحياة من اسباب جمال هذه الصورة / إذا ما أخذنا بالأعتبار / ان الدكتور زاير هو ربيب بلاد الشمس تدعوه السؤال في كل شيىء !
بمعنى اوضح : ليست الصورة الشعرية في ابداع زاير عملية التقاط / بل عملية خلق يصبّ بواسطتها المعاني في الأشياء / فتبدو الأخيرة وكأنها عالم جديد !
يقول عن صاحبة الصليب :
والشفاه / راجفات / في خيال الأمسيات
هذه هي الصورة الخلاقة / وأي خلق اصدق من هذا الدمج الحيوي بين الخيال والحس
فالشفاه حقيقة مادية / لكنها تتحول الى ملحمة في اعماق الجانب الغيبي من الزمن / فلا سبيل لذبولها أو موتها / بل هي شفاه خالدة تفيض بسحر الحياة لتغري الشاعر بأستمرار التفاعل مع الجسد الساحر / إذن لابد ان يستوحي الذراعين كي تواصل الصورة استكمال هويتها :
والأيادي / عاريات / عاريات كالأماني / بين امواج الأغاني ....
ذات النغمة المتلهفة الى أداء الدور المطلوب / الممازجة الساخنة بين الحضور والغياب / بين شهقة الذات وصحوة العاطفة / / بين الجسد والأمنيّة / فالأيادي ممدودة وتشغل حيّزها في الفضاء / والأمنيّة غيب / وموج الأغاني واسطة الجمع بين المنظور والمنتظر / فهي إذن ملحمة البحث عن معنى ينبسط على الجوارح ويعتمل القلب !
ويمثل [ النهد ] موقعه الصحيح من الصورة الشعرية في انتاج الدكتور محمد زاير ....
ليس لأنه مكمن التحدي بين ابعاد التكوين الجسدي للمرأة / لا لأنه رمز الأشارة إليها / بل لأنه السرّ الذي سيبقى مجهولاً / يختزن حقيقة ضخمة ولكنها غائبة على ساحة الأدراك / فهو معلوم الوجود مجهول الحقيقة / والمسافة بين المعلوم والمجهول / دائماً ما تشعل العواطف وتجبر الأنسان على التفكر المستمر / يقول الى الزميلة ذات النهود :
نهداك ماذا فيهما ؟ / وعلامَ يرتجفان ؟
وعَلامَ قلبك خافقاً / والثغر أحمر قان ؟
هل أن موجاً ساحراً / يطفو به النهدان ؟
أم أن صدرك من / نهودك فجّر البركان ؟
هذا هو السؤال الكبير الذي تحرك على لسان الشاعر / يريد أن يكتشف / يريد ان يعرف / كيف يؤدي صلاته في محراب الجمال على احسن وجه / والأرتجاف هنا إشارة الى هوية النهد الغائبة / الى شيىء لايشك في وجوده / النهد حقيقة مادية رائعة / والشاعر يجاهد في معرفة بهاء الحقيقة المغلقة / لذلك تعدد سؤاله / ولكن بلا جواب حاسم / لأن الجواب الحاسم يسدل على الحقيقة ستار الأهمال !
خلاصة البحث : ان الصورة في شعر الدكتور محمد زاير هي صورة باطنة / تتدفق من داخل الأشياء لترسم لها حلاً من الحضور في العالم الخارجي / وهو السر الكامن وراء غزارة المعاني وتزاحم الأيحاءات .
أطال الله في عمر طبيبنا الأديب الدكتور محمد زاير .
عباس العلوي
السويد في : 20/ 6 / 2017
1274 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع