عباس العلوي
بحث تأريخي :الديوانية / الدملج السياحي الكبير وسلة الغذاء العامرة
الرماحية والحسكة ثم الديوانية ومابعـدها القـادسية : اربعة أسماء لمحافظة عراقية عربية الأصول / بداياتها الأولى كانت في مطلع القرن الثـاني عشر الهجري / أما جذورهـا التأريخية فهي ضاربة في القـِدَم قبل آلاف السنين !!
الديوانية : في < أصل إسمها > تعود الى عشيرة الخزاعل العربية المعروفـة / فكان يُـقال( ديوانية الخزاعل ) وقد جُرّد الأسم لاحقـا من الأضافة فأطلق عليها < الديوانية > اختصارا لشيوع الأسم بين القبائل بعد أن أصبحت مدينة عامرة !
وتفاصيل الحكاية كما أوردها المؤرخون :
كانت منطقة الفرات الأوسط خلال السيطرة العثمانية [ 1534 لغاية 1916 م ] غير مستقرة امنياً شهدت سلسلة من النزاعات المسلحة فيما بينها تارة وفي أخرى ضد السلطة / كان اطراف هذا النزاع عشائر الخزاعل والأقرع ضد قبيلتي عفك وحلبجة / وحينما بلغ القتال اشده أنشأت قبيلة الأقرع قلعة على الجانب الأيسر من نهر الفرات < شط الحلة > ممّا دعى شيخ عشيرة الخزاعل الشيخ حمد آل حمود / ان يبني هو الآخر قلعة على الجانب الأيمن من نهر الديوانية لتكون بمثابة المكان المحصن لهم / وأمر ان يسكن حولها جماعة من اتباعه وشيد لهم مضيفاً من القصب والبردي يجتمع فيه رؤساء عشائر الخزاعل / وأقام فيه وكيل عام لجباية الضرائب / وهكذا اطلق على دار الضيافة الخزاعية اسم [ الديوانية ] أيام مشيخة حمد آل حمود < 1610 ـ 1847 م > فعرفت فيما بعد بديوانية خزاعة / ويذكر المؤرخ وداي العطية ان الديوانية < الحالية > تأسست عام 1747 م واختفى اسمها القديم < الحسكة > .
في مطلع الاحتلال العثماني كانت الديوانية تابعة للواء الحلة, وكان السبب الرئيس لاستقلالها عن الحلة / موقعها الجغرافي الذي يتوسط مراكز التجمع العشائري في الدغارة والشامية والسماوة, لتتمكن الإدارة العثمانية من تثبيت سيطرتها المركزية على تلك المناطق/ إذ كانت عشائر الديوانية والدغارة وآل بدير والشامية والسماوة تمتنع عن دفع الضرائب والرسوم والانخراط في التجنيد الإجباري , وأصبح قرب الإدارة الحكومية من تجمع السكان أمراً ضرورياً / وقد اختلفت الآراء في تحديد تاريخ دقيق لفرز قضاء الديوانية عن مدينة الحلة, البعض يرى عام1891 والآخر في عام 1893م
مدينة التـاريخ والجغرافيا المدهشة التي وهبتها السماء / يعجز الأنسان عن الوصف / فمدن الحمزة الشرقي والدغارة العامرة بغـابات النخيل والأنهار والجداول الجميلة الرائعة تخطف الأبصار/ و " الشامية " التي يخترقها < فرع > شط الحلة مؤسسا ً لأهوار شاسعة تعوم فيهـا الأسماك وتحلق في سمائها فصل الربيع اسراب الطيور المهاجرة ذات الألوان الجميلة الزاهية قادمة من اقاصي بقاع العالم في مكوث مؤقت ترسم من خلال طيرانها نقوشا فنية رائعة المنظر بألوانها الجميلة / الطبيعة الساحرة الخلابة بالأمكان ان تكون من أجمل المنتجعـات السياحية في العـالم لو تم الأهتمـام بها بشكل صحيح / وأكثر من ذلك نقول :
هي الدملج السياحي الكبير الجاذب للعملات الصعبة !!
في ذات الوقت / هي بلد الشلب والزراعة المثمرة التي تكفي أن تكون < سلة غذاء > محافظات الفرات الأوسط والجنوب العراقي بحكم ماتجود أرضها الطيبة بأفضل أنواع : القمح والرز والشعير والكجرات والبطيخ والرقي فضلا عن أصناف التمور وغيرها كثير .
ومثلمـا تحكمهـا الجغرافيا المدهشة فالتأريخ العـريق مازال شاهداً فيهـا / خبراء الآثـار عندنا يؤكدون فيها أكثر من < 300 > موقعـا أثريا / تتعرض كل يوم ليد العابثين بسبب عدم توفر الحماية الأمنية اللازمة لها .
أما المدن الآثارية التي لانستطيع في هذه العجالة الخوض في تفاصيلها هي :
نفر < نيبور > وهي أكبر مركز ديني في العـالم القديم في العهدين البابلي والسومري ـــ الدريهيمية ـــ أبو الصلاييخ ــ زبيلات ــ بسماية ــ فارة < شروباكية > ــــ أبو حطب البحيرات ــ أيسن / كما تم مؤخرا إكتشاف مدينة أثرية جديدة كبيرة غرب مدينة الشامية تضم وحدات إدارية وأبنية ذات طبيعة هندسية متطورة تعود الى زمن العصر البابلي الحديث .
وكما انها بلاد سومر وبابل وأكد / هي ايضاً ارض المقدسات فيها :
مرقد النبي ايوب ومرقد النبي شعيب والنبي مديَن / ومقامات الأنبياء يونس وعمران / والعشرات من قبور اولاد وبنات أئمة اهل البيت < ع > يتبرك الزائرون بها كل يوم .
فرخ البط عوّام!
الديوانية كانت ومازالت مدينة الشعر والعلم والادب والفن والفكر والابداع / أنجبت رجالاً ساهموا في بناء الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية للعراق المعاصر
في العلوم الاسلامية : كاظم الحسيني الياسري < فقيه وخطيب > / محمد حسين راضي
< فقيه واديب وداعية إسلامي > / المحقق عبد الزهراء الياسري.
في السياسة : رابح العطية [عضو البرلمان التأسيسي في العهد الملكي عام 1925 ] / حسين الشعلان < عضو البرلمان العراقي السابق > / علوان الياسري / محسن أبو طبيخ / غسان العطية < دبلوماسي ومحلل سياسي > .
عسكريون : الفريق توفيق الياسري / الفريق احمد الزيدي
تربويون متميزون : ميثم الجنابي < أستاذ علوم فلسفية > / كاظم نوير الزبيدي / محمد حسين نصر الله / جبار غزوان
مؤرخون : وداي العطية / نبيل عبد الأمير الربيعي / جواد علي
تشكيليون كبار : بشير مهدي .
في الشعر والادب والفكر : كريم عبد / سلام إبراهيم / ثامر الحاج امين البياتي / زعيم الطائي / نصير عواد / كزار حنتوش الكرعاوي / زهير كاظم عبود
أخيرا : الدكتور عناد غزوان اسماعيل < 1934 ـ 2004 >
استاذ متمرس ومربي قدير قلما يجود الزمن بمثله / اديب كبير وشاعر مفلق وباحث موسوعي / من ابرز النقاد العرب وأحد مؤسسي النقد العربي الحديث في العراق / مترجم ذو طرز فريد اخرج هذا الفن من اطاره التقليدي وجعله همزة الوصل الفاعلة بين الادبين العربي والغربي وله في ذلك مؤلفات رائعة / عَلَم من اعلام الثقافة العراقية سجّل بصماته المؤثرة في كل مرافقها / رجل متعدد الابعاد / واسع الآفاق / عميق المدى / تفخر لغة الضاد بعطائه الثر بأكثر من 25 كتابا تأليفا وترجمة / تتلمذ على يد كبار عمالقة العراق في الادب / كالدكتور مصطفى جواد والدكتور محمد مهدي البصير والدكتور عبد الرزاق محي الدين والدكتور صفاء خلوصي والدكتورعلي الهاشمي والدكتور علي جواد الطاهر وآخرين / تخرج على يديه المئات من الاساتذة والادباء والباحثين / اشرف صاحب المدرسة الفريدة في < السهل الممتنع > على العشرات من الرسائل الجامعية المتميّزة لطلبة الماجستير والدكتوراه / حرص ان يتعلم تلميذه كل شيىء ليبرع في كل شيىء / لايستطيع أحدُ بلوغ ابعاد موهبته كان [ كالبحر الدرّ في احشائه كامن ] !
في قاعة الدرس تتراقص حروف اللغة العربية بين شفتيه لتدخل القلوب دون استئذان / استرساله في الحديث يشبه النوته الموسيقية التي يعزفها بتهوفن / يشد فيه الاسماع ويصرف اليه العقول / جمع بين جنبيه فصل الخطاب وجوامع الكَلم / حباه الله بصوت جهوري وابتسامة جميلة ولباقة نادرة / أثار اعجاب كل من التقاه بكرم أخلاقه الطيبة / كاريزما رائعة مقرونة بهيبة ووقار اجبرت خصومه وحسّاده على احترامه / علمه الغزير زاد من تواضعه الجم / بقدر ماهو جاد وجريء تراه ظريفاً ساخرا يرسم على محيّاك ابتسامة مشرقه / ثقته بالنفس عالية / طود أشم لا يعرف الأسفاف والتملق أوالتزلف < لطرف ما > رغم المحن وطرائق الزمن / نجم ساطع ازدانت به المناصب الادارية وآخرها رئاسة اتحاد الادباء العراقي دون ان يطرق بابها او يسأل عنها / احبّ ابن الديوانية العراق وعشق ترابه وودع الحياة فيه / رحمك الله يا أبا معتز .
من طرائف الديوانية
استضاف رجل جمعاً من جيرانه في البيت وأخذ يحدثهم بقصص غريبة منها : كان ايام زمان يملك بزون طول ذيله من الديوانية الى البصرة ! في اللحظة التي تعجب فيها الحضور من هذا الخبر حدث خسف مفاجئ في سقف بيته تسبب بذعر وهروب الضيوف / سألهم بخوف :
يرحم أبوكم ليش هاي الشريده ؟ اجابوه
مو الجذبْ مالك طيّح الشيلمان على روسنا !!
عباس العلوي
السويد في : 9/ 6 / 2017
1166 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع