لهذا السبب يبقى العراق موحدا...لكنه مريض ذليل تتناهشه ثلاثة اقطاب!

                     

لهذا السبب يبقى العراق موحدا...لكنه مريض ذليل تتناهشه ثلاثة اقطاب!

                   
سليم مطر ـ جنيف
تشرين الثاني 2012
http://www.salim.mesopot.com/

ان اختلاف الادوار الحضارية بين اوطان العالم، مرتبط باختلاف الظروف الجغرافية والطبيعية التي تميز كل منها.
ان سر عظمة العراق التاريخية وعبقريته الحضارية يكمن في موقعه الاستراتيجي في وسط منطقة الشرق الاوسط التي تمتد من ايران الى مصر ومن تركيا الى الجزيرة العربية، وتعتبر من اخطر واعرق واهم واغنى مناطق العالم، منذ فجر التاريخ وحتى الابد.
ان الظروف شاءت ان يكون العراق، طبيعيا وجغرافيا وسكانيا، في مركز هذه المنطقة الخطيرة التي قامت فيها اولى واعرق الحضارات. فهو واد سهلي يجري فيه اوفر نهرين (دجلة والفرات)، يجعلاه وطنا خصيبا ومفتوح الحدود محاط من كل ناحية بأوطان كبيرة وفعالة تتشكل من الجبال والهضاب والبوادي شبه الجافة والصعبة: ايران والاناضول والشام والجزيرة العربية.
 لقد ظل العراق طيلة تاريخه سهلا خصيبا مفتوحا ووطن استقبال وتمازج شعوب المنطقة، التي ظلت تأتيه سلما وغزوا. ان هذا الدور المركزي والاستقبالي هو الذي منح العراق هذه القدرة العجيبة على الانفتاح والابداع الحضاري، لكن ايضا جعله دائم التوتر والانتكاس بسبب تكالب الطامعين والمغامرين والمحتلين عليه.
ان هذه الثنائية التناقضية الحادة، بين خصب وسهلية ارض العراق وقسوة الهضاب والجبال والبوادي المحيطة، هي التي دفعت العراقيين وفرضت عليهم الكفاح والابداع من اجل السيطرة على النهرين وتنظيم الري وبناء السدود للسيطرة على الفيضانات الموسمية، والاستعداد لفترات الجفاف والملوحة والقحط، بالاضافة الى مواجهة الجماعات الجبلية والصحراوية الطامعة. ومن هذا الواقع الطبيعي الجغرافي تكون العراق والعراقيون ونشأ معهم تاريخهم وارثهم الحضاري منذ فجر التاريخ وحتى الآن.
يمكن تسجيل اهم الانجازات والميزات التاريخية والحضارية:
 ـ ان العراق، مع الشام ومصر، اولى بلدان المعمورة التي نشأت فيها اولى معالم التمدن والحضارة. قبل اثني عشر الف سنة بدأوا بتشييد السدود وانظمة الري والمدن. ومن اشهر اعجوبات العراق المعمارية: الزقروات والجنائن المعلقة وبرج بابل.
ـ ان العراق وحسب التورات، موطن البشرية وفيه جنة عدن. بعد خراب (برج بابل) تفرعت الشعوب و(تبلبلت) اللغات. وفي (اور)  ولد ونشأ النبي ابراهيم أبو اليهود والسريان والعرب.
ـ اخترعت فيه قبل خمسة آلاف عام الكتابة (المسمارية) التي هي اول كتابة في تاريخ البشرية، وسبقت الكتابة المصرية(الهيروغلفية) ببضعة قرون.
 ـ فيه اكتشفت وسائل حساب الزمن وأسست الرياضيات المعاصرة. وفيما بعد درس (فيثاغورس) اليوناني  في بابل ومصر، وانشأ نظريته وفلسفته الحسابية الرمزية.
ـ فيه نشأت أولى الشرائع المكتوبة والتي تحمي الضعيف والأرملة واليتيم والعبد، وبلغت الذروة في (شريعة حمورابي).
 ـ فيه كتبت اولى وأعظم ما عرفه العالم من شعر وتاريخ وملاحم. وتعتبر (ملحمة كلكامش) من اولى وارقى هذه الملاحم الدينية والانسانية.
ـ فيه أسس علم الفلك، وان ما يسمى بـ(علم الابراج) هو بالحقيقة دين العراقيين القائم على تقديس الكواكب وابراجها الاثنى عشر. ومن ارض النهرين اتى الملوك(الامراء) الثلاثة الذين تابعوا النجمة التي هدتهم الى بيت لحم، حيث ولد السيد المسيح.
ـ في بابل كتب اليهود توراتهم وتلمودهم، قبل الميلاد ببضعة قرون، ومن تراث العراق الديني استلهموا دينهم. وفيه مراقد غالبية انبياء اليهود، مثل: يونس ودانيل وعزرا وحنينة ويوشع.
ـ انه من اولى البلدان(مع الشام) الذي انتشرت فيه المسيحية والثقافة السريانية(الآرامية) منذ القرن الاول م. واصبحت مدينة(المدائن ـ جنوب بغداد)عاصمة للمذهب النسطوري العراقي ومركزا لكنيسة وطنية وعالمية انشأت لها فروعا في الجزيرة العربية وعموم آسيا.
ــ فيه نشأت واحدة من اهم الديانات العالمية: (الديانة المانوية) على يد النبي(ماني البابلي ـ القرن الرابع م)، واصبحت ايضا(المدائن) عاصمة للكنيسة المانوية العالمية التي امتدت فروعها الى الصين جنوبا وبلاد الغال(فرنسا)شمالا.
ـ فيه نشأت واستمرت حتى الآن الديانة(الصابئية ـ المندائية) وهي من الديانات(السماوية) التي ذكرها القرآن.
ـ أنه يكاد ان يكون البلد الوحيد في العالم الذي احتوى هذا الكم من العواصم الامبراطورية والحضارية العالمية: اكد وبابل ونينوى، ثم سلوقيا والمدائن، ثم بغداد وسامراء.
 ـ في العراق اصبحت (بغداد) وابتداءا من القرن الثامن حتى القرن 13 عاصمة اكبر امبراطورية عالمية(الدولة العباسية)، وموطنا لازهى حضارة اسلامية وانسانية. وانشأت اولى الجامعات وبرز علماء ومبدعون كبار في الطب والرياضيات والفلسفة والفقه والنثر والشعر. بحيث يصح القول بان اكثر من نصف مبدعي الحضارة العربية ـ الاسلامية واعلامها، هم من العراقيين او من الذين نشأوا وتعلموا وابدعوا في العراق: بغداد والكوفة والبصرة.
ـ في العراق تطور الدين الاسلامي واتخذ ابعاده الابداعية والتطبيقية، حيث نشأت غالبية المذاهب الفقهية وتيارات التصوف في الاسلام، مثل: التشيع الجعفري والمذهب الحنفي والمالكي والمعتزلة واخوان الصفا والاسماعيلية والاباضية والعلوية والقادرية والرفاعية.. وغيرها الكثير.
ـ في بغداد تم ابداع اجمل واغنى ملحمة قصصية خالدة، الا وهي(حكايات الف ليلة وليلة) التي جمعت فيها خلاصة التراث الحكائي لشعوب الامبراطورية العباسية.
ـ فيه الكثير من العتبات الدينية الاسلامية المهمة جدا، سنية وشيعية: مدينة(النجف)المقدسة(المجاورة لبابل القديمة) وهي العاصمة الدينية لجميع شيعة العالم. بالاضافة الى غالبية العتبات والمراقد الدينية الشيعية مثل كربلاء وسامراء والكاظم. كذلك فيه مراقد الكثير من أئمة التصوف والمذاهب السنية، مثل الامام الاعظم(ابو حنيفة) والشيخ(عبد القادر الكيلاني)و(الشيخ الرفاعي)و(الشيخ السهروردي).
ـ هو من البلدان القليلة التي تحتوي على هذا التنوع في الطوائف الدينية المتميزة والخاصة، مثل الكاكائية واليزيدية.
ـ بسبب هذا الموقع المركزي والاستقبالي، اصبح العراق من البلدان القليلة في العالم التي تحتوي على هذا التنوع القومي(عرب واكراد وتركمان وسريان..)، والديني(مسلمين، مع مسيح وصابئة ويزيدية)، والمذهبي(سنة وشيعة). أن المشكلة الكبرى والمستعصية للعراق الحديث التي لم تحلها حتى الآن النخب العراقية: التعصب القومي(العروبي والكردوي) والتعصب الطائفي(الشيعي والسني).
نعم يصح القول ودون اية مبالغة، ان تاريخ العراق ومنجزاته الحضارية والسياسية تعادل بل تتجاوز في كميتها ونوعيتها عدة بلدان حضارية كبرى مجتمعة، مثل: الصين واليونان وايران وايطاليا..
ولهذا السبب بالذات تصر القوة الشيطانية العالمية والاقليمية على الابقاء على العراق في  حالة توازن جهنمي بين الموت والحياة: ان يبقى موحدا لان تفتيته سوف يفتت المنطقة كلها..
لكنه ايضا يجب ان يبقى مريضا ضعيفا بقيادة مشتتة بين ثلاثة اقطاب متناحرة: شيعية وكردية وسنية.
لان قوة العراق وتعافيه تعني قوة منطقة الشرق الاوسط وتعافيها وعودتها الى لعب دورها الحضاري القيادي للعالم اجمع.
ولهذا يتحتم علينا نحن ابناء النخب العراقية الدينية والسياسية والثقافية، ان نعي حقيقة الدور التاريخي الحضاري المركزي لبلادنا. وان الجغرافيا والتاريخ فرضت علينا دورا مركزيا اقليميا وعالميا. وقد بينت لنا التجارب الاخيرة بانه ليس امام العراق والعراقيين غير واحد من الخيارين:
اما التناحر والخراب والمذلة والتبعية للخارج، كما هو حاصل الآن ومنذ اجيال واجيال.
اما التوحد والبناء لتصبح بلادنا مركزا للسلام والتحضر لبلدان الشرق الاوسط والعالم اجمع.
نعم آن الاوان ان نتخلص من عنعناتنا الصبيانية الطائفية والقومية والحزبية، وننتمي حقا للعراق اجمعه ولتاريخه وارضه وشعبه، لنكون بمستوى هذه المهمة المصيرية التي فرضها علينا رب الكون.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع