من شرفة الفندق سيسطع الحق

                                                 

على الناحية الأخرى من بيته وعلى بعد أمتار قليلة اقتطع جزء من الحديقة. لكن ما أدهشني كان شيئاً آخر. فعلى صفين من الرخام امتدا بعيداً وجدت أقداماً مطبوعة محفورة بعناد في الصخر. وبجانب كل قدم مطبوع اسم وتاريخ. بين ما يزيد عن مائة اسم كان اسمه. وطابع قدميه.

وضعت قدمي عليهما فكان أن اكتشفت تواضعي. كنت في حضرة «مارتن لوثر كنج». أبتعد بعيني أمتاراً على اليسار فأرى منزله الصغير البسيط ذا الطابقين الذي احتفظ بحالته وفتح للجمهور. وعلى اليمين أجد الكنيسة التي سمعت صوته قبل أن يتردد صوته في كل الأرض. وما بين الكنيسة البسيطة التي احتفظت بمقاعدها الخشبية وجدرانها العارية القديمة اقتطعوا من الحديقة العامة الصغيرة ركناً وبنى عليه متحفاً لمارتن لوثر كنج. في المتحف سمعت الخطبة الأخيرة له. كانت أقوى من أن تحتملها الحياة. فقذفت الرصاصة التي اغتالته. بعد أسبوعين ستفتتح أمام الجمهور شرفة الفندق في ممفيس (جنوب الولايات المتحدة) التي كان مارتن لوثر كينج يلقي خطابه منها في الرابع من أبريل من العام 1968، عندما جرى اغتياله، ستفتح للمرة الأولى شرفة الغرفة رقم 306 التي قتل فيها الزعيم الأسود الذي اقتنص حق الانتخاب والتصويت للأميركان الأفارقة، ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأميركان ذوي الأصول الإفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب إثر صرخته الشهيرة أعطونا حق الانتخاب».
ولدى افتتاح الفندق الذي تحول إلى متحف إثر مقتل مارتن لوثر كنج ستكون الولايات المتحدة الأميركية قد بدأت ولاية جديدة برئاسة الفائز في السباق. ستفتح غرفة لوثر كنج في ولاية أوباما الذي أحبط المتطلعين إلى الحرية. أو في عهد رومني الذي لم يخف عداوته للفقراء وولائه للأثرياء وللكبار. فهو من فصيل من الساسة يؤمنون بأن البقاء للأقوى. وقد بقت أميركا وفية لعهدها فلم تساند إلا الأقوياء ولم تخش إلا الأقوياء ولم تمنح إلا الأقوياء. والآن تحول عينها عن أوروبا وتلتف للعملاق الصاعد في الصين. لذلك فقبل أن يتحرك مارتن لوثر لمواجهة التمييز الذي ألجم طاقة الأفارقة الأميركان عقوداً. استجمع قوة هائلة استمدها من الغضب ومن رفض الظلم. جانب من قوة لوثر كانت في رفضه للعنف وإدانته له على طول الخط. يبقى درسه حياً طالما أن الظلم حي.
أورطتني ابنتي في الخجل وأنا أطلب منها الهدوء لأتابع أنباء الانتخابات الأميركية وسألتني: «ومتى سيتابع الأميركان أخبار انتخاباتنا؟!»
لم يكن للأفارقة السود مكان أو حضور. كانوا غياباً في الأرض الأميركية وفي الشوارع وفي أماكن العمل. كانوا هم القوة العاملة والكتلة المهملة المقصية. لكنهم وفي لحظة اليقظة أدركوا حجم قوتهم. وفى لحظة أن قرروا مقاطعة الحافلات التي تخصص المقاعد الخلفية للسود. وأدرك الاقتصاد قوة الأفارقة فاعتدل. يدرك الآخرون قوتنا حين ندركها أولاً. حين نؤمن بها ونوقظها من نومها ونفعلها. كما حاول الثائر الإفريقي الذي أضاف إليه الموت قوة ومنح أهله وأبناء جلدته طاقة حتى بعد غيابه.
في أرضنا العربية وفي الصحراء الواسعة اختبأت قوتنا واختفت. ترفع رأسها تناورنا، فنصنع ثورة وننتفض للوطن ثم تختفي. تذكرنا بالتاريخ وبما نملك من موارد ومن بشر ومن آمال. ثم تجدنا ما زلنا نتقاتل وتجد أن الأرض ما زالت مقسمة بأيدي المحتل القديم، وأن الشام تمزقت إلى دول كما تمزق غيرها. والأهم أن المصالح تشتت وتاه الهدف. ما زالت القوة ساكنة خلف الجبل البعيد أو ربما عادت إلى حضن المحيط تنتظر. هي قادرة على العودة حين نشاء وحين نعلم في أي طريق سنزرعها. ودون ذلك ستبقى قيد العزلة والتأمل. ونظل نتابع الانتخابات الأميركية للدولة القوية فنشعر بضعف أشد وغيرة وغضب. فتضرب بداخلنا المشاعر أو نستسلم لليأس. لكني وللحق لم أعد أظن أن العربي سيستسلم لليأس، فما صنعناه كان انقلاباً. كما أن شرفة مارتن لوثر كنج ستفتح وستظل الأظرف مفتوحة وستخرج روحه وتهدينا الكثير.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع