الجزيرة/أميمة يونس-بغداد:"الجوع يقتلنا ولا يوجد من يكثرت لأمرنا" بهذه الكلمات بدأ الحاج أبو محمد (65 عاما) حديثه معنا، عبر أحد الوسطاء، عن الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد)، المحاصرة منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عليها في 2014.
وحسب مجلس محافظة الأنبار دفع الحصار ونفص المواد الغذائية والأدوية بعض سكان الفلوجة للانتحار، كما انتشرت حالات الإغماء والموت بسبب الجوع بين السكان.
وأضاف أبو محمد "لم أتخيل أنني سأرى وضعا مهينا كالذي أعيشه أنا وزوجتي المسنة، فالخدمات معدومة، ولا يتوفر الغذاء والدواء في المدينة التي أصبحت منكوبة بالجوع والحرمان".
ويقول الرجل إن غالبية أهل المدينة يعتمدون على العلف الحيواني من أجل تأمين وجبة غذاء واحدة، أما المياه فلا تصل إليهم إلا كل يوم اثنين ولساعة واحدة، وهي غير صالحة للشرب بسبب استهداف محطة المياه في المدينة بأحد البراميل المفخخة.
وأضاف "لقد بات الانتحار عاديا، فكل يوم نسمع بحادثة نقف أمامها عاجزين"، مشددا على أن عملية تجويع الفلوجة أمر مدبر، موضحا "الأميركان يمارسون عقابا جماعيا ضد المدينة التي قاومتهم خلال فترة غزوهم للبلاد".
وتعتبر الفلوجة التي تعرف بمدينة المآذن من أبرز معاقل المقاومة العراقية بعد الغزو الأميركي عام 2003، حيث قاومت القوات الأميركية في معركتين مشهورتين عام 2004، استخدمت خلالها القوات الغازية أسلحة محرمة دوليا للسيطرة على المدينة.
مدينة أشباح
من جانبه أكد الصحفي عمار أن الفلوجة أمست مدينة أشباح، فالحركة قليلة إلا من عناصر تنظيم الدولة الذين باتوا يفرضون قيودا على المدنيين الذين تحاصرهم قوات الأمن.
ولفت إلى أن عمليات الانتحار باتت تأخذ طابعا آخر، فقد "أقدم قبل أيام رب أسرة على تسميم عائلته بالكامل نتيجة الجوع والعوز الذي بات لا يحتمله الكثيرون".
واستغرب صمت الحكومة إزاء الجريمة التي تتعرض لها الفلوجة، متسائلا "لماذا لا يكون تحرك من أجل إنقاذ المدنيين كما جرى للإيزيديين في سهل نينوى، أو كما جرى في مدينة مضايا السورية التي سمح بإدخال المساعدات إليها".
وحسب مصادر في المدينة، شهدت أسعار المواد الغذائية في الفلوجة ارتفاعا كبيرا، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد لنخالة الطحين (17 ألف دينار عراقي)، فيما بلغ سعر الكيلوغرام للتمور المخصصة علفا للحيوان (15 ألف دينار عراقي)، أما سعر البيضة الواحدة فقد وصل إلى
(1500 دينار عراقي). (الدولار يقابل 1107 دينارات).
أما عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان مسرور أسود، فقد دعا إلى ضرورة التفريق بين عناصر تنظيم الدولة والمواطنين الأبرياء، خاصة أن اتفاقيات جنيف تؤكد على ضرورة حماية المدنيين وممتلكاتهم.
وأضاف "لقد خاطبنا الجهات الرسمية الحكومية من أجل اتخاذ خطوات حقيقية لتحرير العوائل أو إرسال مساعدات عاجلة، ولا سيما أن الأمور بدأت تأخذ منحى خطيرا على الأرض".
موت جماعي
بدوره رأى محافظ الأنبار صهيب الراوي أن مشكلة الفلوجة تكمن في محيطها الذي بدأت قوات الأمن وبمساعدة قوات التحالف الدولي بتحرير أجزاء عديدة منه، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية من شأنها أن تضيق الخناق على تنظيم الدولة.
وعن مصير المدنيين قال المحافظ "لقد وفرنا ممرات في منطقتي الفلاحات وعامرية الفلوجة، لكن تنظيم الدولة عمد إلى تفخيخها ليمنع العوائل من المغادرة".
من جانبه اعترف نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار فالح العيساوي بأن الوضع في مدينة الفلوجة مأساوي، معتبرا أن "المدينة على شفا موت جماعي"، خاصة بعد أن أقدم نحو 13 شخصا على الانتحار بسبب المجاعة والحصار، حسب قوله.
واتهم العيساوي تنظيم الدولة بأنه السبب وراء تدهور الأوضاع الإنسانية في الفلوجة، وأضاف "إذا لم نجد حلا خلال الأيام القليلة المقبلة فلا سبيل إلا باقتحام المدينة وإنقاذ الأهالي فيها".
وعن الأسباب التي تحول دون إلقاء المساعدات جوا، قال العيساوي "هذا ليس بالهين، خاصة أن عدد المواطنين المحاصرين داخل المدينة ما بين 50 ألفا و70 ألف شخص، وهو ما يحتاج إلى طلعات جوية مكثفة وهذا أشبه بالمستحيل".
974 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع