نقيب اشراف بغداد .. عبد الرحمن الگيلاني - اول رئيس وزراء في العراق الحديث

نقيب اشراف بغداد .. عبد الرحمن الگيلاني -اول رئيس وزراء في العراق الحديث

الاسرة الگيلانية
ظهرت في بغداد بل في العراق أسر عظيمة ، شريفة منها ما كان ظهورها بسبب علم أبنائها او لتوظيف رجالها او كان ظهورها وتميزها بثراء أحد افرادها أو بنبوغ شخص من بين ابنائها ..الى آخر هناك من أسباب الشخوص والبروز والتظاهر . ولكن قلما جمعت أسرة من هذه الاسر الشريفة بين جميع أسباب الظهور والتقدم غير هذه الاسرة القديمة في البلاد المعروفة بالاسرة الهاشمية الكيلانية او النقيبية القادرية.
إذ جمع والحق أن يقال متقدموا رجال هذا البيت بين جميع الصفات القويمة ،إذ ظهر فيهم السياسي المحنك والعالم والاديب والمقدام الجريء والآمر والامير ، وظهر فيهم الكريم الكبير والوطني الغيور فيهم والزاهد الورع وفيهم التقي الصالح ..الى آخر ما جاء وبرز من هذا البيت من الرجال المعلومي الاقدار والمشهوري المواقف.
كما برز من هذا البيت رجال في ميادين العلم والادب وضربوا في كل فن بسهم صائب .


نسبه
عبد الرحمن بن علي النقيب بن سلمان بن مصطفى القادري بن زين الدين الثاني بن محمد درويش بن حسام الدين الكيلاني النقيب بن نور الدين بن ولي الدين بن زين الدين القادري بن شرف الدين بن شمس الدين محمد بن نور الدين علي بن عز الدين حسين بن شمس الدين محمد الأكحل بن حسام الدين شرشيق بن جمال الدين محمد الهتاك بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الكيلاني بن موسى الثالث بن عبد الله الجيلي بن يحيى الزاهد بن محمد المدني بن داود أمير مكة بن موسى الثاني بن عبد الله الصالح بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي بن أبي طالب.

عبد الرحمن الكيلاني نقيب اشراف بغداد
عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب (1841 م - 1927 م) رئيس المجلس التّأسيسيّ الملكيّ العراقيّ ورئيس أوّل حكومة عراقيّة في العصر الحديث ونقيب أشراف بغداد.
سيرته
ولد في بغداد لعائلة صوفيّة حفيد زين الدين القادري من ذرّيّة عبد القادر الكيلانيّ، وكان نقيبا لبني هاشم من قبيلة قريش في بغداد. اختير كأوّل رئيس وزراء بعد سقوط الدّولة العثمانيّة في 1920 م وكانت من مهامّه تأسيس الدّوائر والوزارات العراقيّة وانتخاب ملك للعراق، حيث انتخب المجلس الأمير فيصل الأوّل ملكا على عرش العراق في 23 آب (أغسطس) 1921 م.
وتولّى النّقيب رئاسة الحكومة مرّتين بعدها أسندت للشّخصيّة الوطنيّة والسّياسيّ المخضرم عبد المحسن السّعدون عام 1922 م.
وكان عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب من أشدّ المتمسّكين بالدّولة العثمانيّة ومن المقرّبين للسّلطان العثمانيّ عبد الحميد الثّاني ولقد ناصره بشدّة في موضوع فلسطين وهذا مشهور ويحتسب له، وقد كمحه السلطان عبد الحميد من الرتب العالية الشأن ، رتبة كبار مدرسين ، ثم موالي ثم رتبة موالي مخرج ثم بلاد الخمس ثم رتبة الحرمين الشريفين ثم رتبة استنبول ومن الاوسمة الرفيعة وسام مجيدي عثماني – نسبة الى السلطان عبد المجيد - ووسام الجهاد. لكن بعد زوال العثمانيين واحتلال الإنجليز للبلدان الإسلاميّة أصبح الوضع معقّدا جدّا في العراق خصوصا بعد ثورة العشرين حيث تصرّف النّقيب بذكاء سياسيّ منقطع النّظير حيث رفض أن يكون ملكا على العراق زهدا بالملك. رغم الحاح المرحوم السيد طالب باشا النقيب غير انه رفض كل ما عرض عليه من هذا القبيل. ولكنّه وافق أن يكون رئيسا للوزراء حقنا لدماء المسلمين من الطّائفتين (السّنّة والشّيعة) وحرصا منه وهو الرّجل السّبعيني على بناء دولة القانون وتأسيس دولة عراقيّة حديثة وكان بإمكان الرّجل أن يكون ملكا على العراق لكنّه آثر مصلحة البلد على مصلحته، وأكدت عدد من الوثائق البريطانيّة المحفوظة بلندن وطنيّة النّقيب وإيثاره مصلحة الوطن على العكس ممّا يشاع ضدّه ، فالنّقيب عاش أغلب عمره عثمانيّا قلبا وقالبا لكنّه كان سياسيّا وتعلّم من أستاذه السّلطان عبد الحميد الثّاني ما هي السّياسة وفنونها وكيف تدار فليس عيبا أن يضع النّقيب بلاده نصب عينه ويتعامل مع الأعداء..

الحكومة الوطنيّة المؤقّتة حكومة عبد الرحمن الگيلاني النقيب
بعد أن عقد مؤتمر القاهرة عام 1920 م على أثر ثورة العشرين في العراق ضدّ الاحتلال البريطانيّ وضدّ سياسة تهنيد العراق، أصدر المندوب السّاميّ البريطانيّ بيرسي كوكس أوامره بتشكيل حكومة وطنيّة عراقيّة انتقاليّة برئاسة عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب وتشكيل المجلس التّأسيسيّ الّذي تولّى من ضمن العديد من المهام انتخاب ملك على عرش العراق، وتشكيل الوزارات والمؤسّسات والدّوائر العراقيّة، واختيار السّاسة العراقيّين لتولّي المهامّ الحكوميّة.
كما تمّ وضع مستشار إنجليزي بجانب كلّ وزير وأعلنت بريطانيا عن رغبتها في إقامة ملكيّة عراقيّة،

حيث رشّح العراقيّون من خلال مجلسهم التّأسيسيّ الأمير فيصل بن الشّريف حسين ملكا على العراق، في 23 آب (أغسطس) 1921 م بعد إجراء الانتخابات في المجلس كانت نتيجتها 96% لفيصل. وأجبرت بريطانيا فيصل على توقيع معاهدة معها في 10 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1922 م، تضمّنت بعض أسس الانتداب البريطانيّ.

أهمّ أعمال حكومته
من أهمّ أعمال حكومة عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب:
تقسيم العراق إلى وحدات إداريّة: ألوية وأقضية ونواح (نواحي).
اتّخاذ قرار إطلاق سراح الوطنيّين المبعدين إلى الهند وإصدار عفو عام.
استدعاء الضّبّاط العراقيّين الّذين عملوا في الحجاز وسوريا خلال الثّورة العربيّة الكبرى 1916 م.
إنشاء الدّوّاوين والوزارات والدّوائر الرّسميّة.
ربط العراق بمنظومة حسن جوار للدّول المجاورة قائمة على احترام العراق كبلد مستقلّ.
المجلس التّأسيسيّ العراقيّ
صدرت الإرادة الملكية في 19 تشرين الأوّل (أكتوبر) 1922 م بتشكيل المجلس التّأسيسيّ ليقرّ تأسيس الوزارات والمؤسّسات الحكوميّة وصياغة دستور المملكة، وقانون انتخاب مجلس النّوّاب، والمعاهدة العراقيّة البريطانيّة. واختير عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب أوّل رئيس وزراء في المملكة العراقيّة،

ثمّ خلفه الشّخصيّة الوطنيّة عبد المحسن السّعدون، كما سمح الملك فيصل بإنشاء الأحزاب السّياسيّة على النّمط الأوروبّي في عام 1922 م. وفي عام 1924 م تمّ التّصديق على معاهدة 1922 م الّتي تؤمّن استقلال العراق ودخوله عصبة الأمم وحسم مشكلة الموصل.

وقد تشكّل المجلس من الشّخصيّات البارزة والفاعلة من مدنيّين وعسكريّين على السّاحة الوطنيّة، والّذين لعبوا دورا في استقلال العراق وتأسيس دولته، منهم عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب وعبد المحسن السّعدون الّذي أصبح لاحقا رئيسا للوزراء وبكر صدقي الّذي قاد أوّل انقلاب عسكريّ في المنطقة عام 1936 م ورشيد عالي الكيلانيّ الّذي أصبح عام 1941 م، رئيسا لوزراء حكومة الإنقاذ بعد دخول العراق في الحرب العالميّة الثّانية

والفريق نوري السّعيد والفريق جعفر العسكريّ الّذي تولّى وزارة الدّفاع، وعبد الوهّاب بيك النّعيمي الّذي كان ناشطا في الجمعيّات السّرّيّة الّتي تدعو لاستقلال العراق، والّذي جمع ودوّن المراسلات والمداولات الّتي سمّيت «مراسلات تأسيس العراق» والّتي تتضمّن الحقائق والأحداث وراء الكواليس الّتي لعبت دورا في تأسيس المجلس التّأسيسيّ والدّولة العراقيّة عام 1921 م.
أسرته
عرفت أسرة عبد الرّحمن النّقيب منذ القدم بأصولها العلميّة ومجالسها، وكان عبد الرّحمن النّقيب من العلماء الأعلام، حيث أخذ العلم ونهل من مناهل الأدب على نخبة ممتازة من علماء عصره، منهم العلّامة عيسى البندنيجي، والشّيخ عبد السّلام مدرّس الحضرة الكيلانيّة، وغيرهم من مشائخ وعلماء بغداد، فكان يرجع إليه في النّوائب والمهمّات وكان يتردّد على مجلسه في الحضرة الكيلانيّة أو في قصره الواقع على نهر دجلة في محلّة السنك ببغداد مختلف طبقات النّاس، ومن سائر الملل والنّحل، وكان مجلسه أشبه بمجمّع علميّ تبحث فيه مشكلات العلوم وتكشف غوامض أسرار البلد السّياسيّة، فكان محفلا سياسيّا وكلّ ذلك بفضل ما كان يتمتّع به شخص عبد الرّحمن النّقيب من أخلاق فاضلة، وله كتاب «المجالس في المواعظ» حيث كان يلقيه على طلّابه في شهر رمضان في الحضرة القادريّة، وله تفصيل طويل في كتاب نقباء بغداد لمؤلّفه إبراهيم عبد الغنيّ الدّروبيّ.

مواقفه السّياسيّة

عارض عبد الرّحمن النّقيب الوجود البريطانيّ في العراق بفتوى شرعيّة هي عدم حقّهم في حكم العراق، وعندما وقف خطيبا أمام (غيرترود بيل) الّتي عرفت بين العراقيّين بـ«مس بيل» ليقول لها: «خاتون، إنّ أمّتكم ثرّيّة وقويّة، فأين قوّتنا نحن؟ إنّني أعترف بانتصاراتكم، وأنتم الحكّام وأنا المحكوم، ولكنّ ذلك لن يدوم وحين أسأل عن رأيي في استمرار الحكم البريطانيّ، أجيب بأنّني من رعايا المنتصر، إنّكم يا خاتون تفهمون صناعة الحكم ولكن لا تفهمون إرادة الشّعوب الكارهة لكم وغدا لناظره قريب".
وقال لها: «إنّكم بذلتم الأموال والنّفوس في سبيل ذلك، ولكم الحقّ في أن تنعموا بما بذلتم ولنا الحقّ في الثّورة ضدّكم» وأضاف: أنّه منع أفراد أسرته من التّدخّل فيما لا يعنيهم، لكنّ الكثيرين من النّاس جاءوا يطلبون مشورته، فأجابهم أنّ الإنجليز فتحوا هذه البلاد وأراقوا دماءهم في تربتها وبذلوا أموالهم من أجلها، فلا بدّ لهم من التّمتّع بما فازوا به شأن الفاتحين الآخرين، ولكن من حقّ العراقيّين أن ينتفضوا ضدّ الاحتلال ويجب استخدام كلّ شيء في سبيل الحرّيّة والحرب خدعة.

وعندما احتلّت بريطانيا العراق، وكلّفت حكومتها السّير أرنولد ويلسون وكيل الحاكم المدنيّ العامّ في العراق في آخر تشرين الثّاني (نوفمبر) 1918 م باستفتاء العراقيّين في شكل الدّولة الّتي يريدون إقامتها والرّئيس الّذي يختارونه لها، ولمّا ظهرت النّتائج قرّر أرنولد ويلسون إيفاد بيل إلى لندن لكي تشرح للمسؤولين وضع العراق ونتائج الاستفتاء، وزارت بيل السّيّد عبد الرّحمن النّقيب في داره في شباط (فبراير) 1919 م قبيل سفرها إلى لندن، فقال لها: «إنّ الاستفتاء حماقة وسبب للاضطراب والقلاقل»، وأضاف: «لو أن السّير بيرسي كوكس موجود لما كانت هناك حاجة لاستفتاء النّاس عن رأيهم في مستقبل البلاد لأنّ النّاس بصراحة كارهون لكم ومن يقبل بالهوان يا خاتون. الشّعب العراقيّ غيّور على نفسه وناسه»، ولام النّقيب الحكومة البريطانيّة على تعيينها بيرسي كوكس سفيرا لها في طهران، معتبرا أنّ هناك ألف ومائة رجل بوسعهم أنّ يشغلوا منصب السّفارة في طهران، ولكن لا يليق بالعراق سوى بيرسي كوكس الرّجل الّذي حنّكته الأيّام والمعروف والمحبوب وموضع ثقة أهل العراق على حدّ رأيه لأنّه يعرف قوّة العراقيّين وسعيهم للاستقلال، (يذكر أنّ النّقيب كان يكره أنّ يرى أحد أنجال الشّريف حسين حاكما في العراق لأنّه كان متعصّبا للعراق والعراقيّين ولكن شاءت الظّروف أن يحكم أنجال الشّريف حسين ولم يمانع).
وكان عبد الرّحمن النّقيب يطالب بقيام حكومة عربيّة ويعتبر أنّ بحث الاستقلال العربيّ أمر يستحقّ الاهتمام، وكان يرغب في أن يرى العراق تحت أيد عراقيّة بحتة لا إدارة بريطانيّة يسندها جيش احتلال لا يقلّ تعداده عن 40 ألفا، وكان يخشى من انتعاش الجمعيّات السّياسية غير الدّينية وفي كتاب «تاريخ الأسر العلميّة» لمحمّد سعيد الرّاوي الّذي حقّقه الدّكتور عماد عبد السّلام رؤوف: «إنّ السّيّد النّقيب كان يميل إلى النّظام الجمهوريّ منذ وقت مبكّر".».
عندما شنّ بعض البريطانيّين في صحافتهم وفي مجلس العموم|مجلس عموم المملكة المتحدة،مجلس العمومّ واللّوردات حملة على الحكومة البريطانيّة لإجبارها على سحب قوّاتها من العراق قال النّقيب: «إنّه لا يفهم كيف تسمح الحكومة البريطانيّة باستمرار هذا الكلام المزعج»، لأنّه يريد أفعالا لا أقوالا وهذا هو سرّ نجاحه في إدارة الدّولة الأولى، وحين حدّد مسؤول إنجليزي بقاء الاحتلال سنتين قبل أن يتقرّر مصير «الإمارة» قال النّقيب: «لتكن مصلحة العراق فوق الجميع والاحتلال زائل لا محالة"..
ولقد ذيّل النّقيب توقيعه على الاتّفاقيّة بالعبارة التّالية: «صاحب السّماحة والفخامة السّير السّيّد عبد الرّحمن أفندي (جي بي أي) رئيس الوزراء ونقيب أشراف بغداد»، ربّما لإعطاء الاتّفاقّيّة مسحة دينية وقدسيّة خاصة تحول دون تجرّؤ أحد من البريطانيّين من نقضها والالتفاف على استقلال العراق والاعتراض عليها. ومن الجدير بالذكر إنّ إدارة أوقاف الحضرة القادريّة تمتلك عشرات الوثائق الخاصّة بالسّيّد النّقيب الّتي تدلّ على أنّه كان وطنيّا من الطّراز الأوّل.

من مؤلّفات عبد الرّحمن الكيلانيّ النّقيب
كتاب «الفتح المبين» وهو كتاب في ترجمة جدّه الشّيخ عبد القادر الكيلانيّ، ولحفيده الدّاعية عفيف الدّين الكيلانيّ تعليقات مهمّة، فيها معلومات وثائقية عنه وعن أولاده وطريقته الصّوفيّة والرّد على مخالفيه، وحقق الكتاب جمال الدّين فالح الكيلانيّ.
خدم عبد الرحمن الكيلاني الامة بعلومه وامواله ونفسه بما في ذلك توطيد اركان الحكومة العراقية . الامر الذي جلب إرضاء الامم الاخرى واوجب تقدير ملك حكومة بريطانيا العظمى الذي قدره على ما قام به من جليل الاعمال في سبيل تشكيل الحكومة وتذليله الصعاب بإنعامه عليه برتبة (سير) من الدرجة الاولى .
وكان عبد الرحمن الكيلاني قد بعث برسالة الى المعتمد البريطاني (السير بيرسي كوك في اليوم الثالث والعشرين من آب/اغسطس 1921 ) جاء فيها:
بناءاً على تبوء جلالة الملك فيصل المعظم في هذا اليوم المبارك عرش العراق ، قد أنهت اعمال الحكومة المؤقتة ، ولهذا قد إنسحبتُ مع رفاقي الوزراء عن مباشرة اعمال مجلس الوزراء لاقتضاء الحكم الدستوري ، وسارعتتُ بعرض الكيفية على فخامتكم . وفي الختام أسدي الشكر الجزيل لما رأيته من فخامتكم من المعونة والمعاضدة اثناء قيام الحكومة المؤقتة بالاعمال التي عهدت اليها وإنتظام أمرها بسياستكم الرشيدة وحكمتكم الرصينة.
الامضاء: رئيس الوزراء عبد الرحمن
وقد رد المندوب السامي الى سماحة رئيس مجلس الوزراء ونقيب اشراف بغداد بكتاب برقم س.د . 2081 والمؤرخ في 24/23 آب سنة 1921 جاء فيه:
جناب صاحب السمو والفخامة الحسيب النسيب السيد عبد الرحمن افندي نقيب اشراف بغداد ورئيس مجلس الامة المفخم.
يا صاحب السماحة
تلقيتُ بيد الاحترام كتاب سماحتكم بتاريخ اليوم والذي تفيدوني انه طبقاً لعرف الحكم الدستوري قد رأيتم سماحتكم وزملاؤكم اصحاب المعالي الوزراء أن اعمالكم قد إنتهت بمناسبة جلوس سمو الامير فيصل على عرش العراق وتشكيل حكومة دائمية.
وقد تلقيتُ رسالتكم هذه بسرور يمازحه الاسف
اولا- ان هذا ا المأتى السامي الذي أتيتموه سماحتكم ومجلسكم بعزمكم على إنتهاج هذا المنهج قد صادف تحبيذي وان الحادث السعيد الذي كان السبب في ذلك لهو حادث تاريخي يدعو الى إبتهاج جميع العراقيين واصدقائهم إبتهاجاً عظيماً . هذا من الجهة الواحدة ،أما من الجهة الاخرى فاني قد شعرتُ بأسف شديد عندما تحقق لي إنتهاء مدة إنتهاء مدة التكاتف والتعاون بيني وبين مجلس الامة.
ثانيا -اني اشكركم جدزيل الشكر على عبارات التقدير التي اشرتم بها الى معاضدتي . اني عبرّتُ لسموكم تكراراً عن تقديري الشخصي لما ابديتموه من تضحية النفس والغيرة على المصلحة العامة بإجاباتكم دعوتي اليكم لمساعدتي في مهمة تشكيل حكومة مؤقتة ، والآن إسمحوا لي أن اكرر عبارات تقديري هذا مرة اخرى باشد التعابير القلبية ولولا تلك المعاضدة الفعّالة لما كان لي ادنى أمل بالنجاح.
أما فيما يتعلق بأعمال مجلس الامة - المقصود مجلس الوزراء – برئاستكم الحكيمة مع زملائكم اصحاب المعالي الوزراء ، فإني أقدم لكم اشد التهاني والتشكرات القلبية وكل ما يوسعني أن اقوله هو أنه بحسب رأيي أن اعمال المجلس من حيث الكفاءة والمقدرة قد كانت ولا تزال موضوع إعجابي العظيم. وأن المجلس لم يقتصر على معالجة ما عرض عليه من المسائل بأحسن الطرق السليمة والحنكة والسياسة الرشيدة ، بل وجدت دائماً أنه عند ما كانوا يجدون داعياً للاختلاف معي على نقطة ما أو لتأجيلها لزيادة البحث ، كان دائماً يوجد اسباب صحيحة لعملكم . واني متأكد بأنهم يدركون كما ادرك أنا كم نحن مدينون لارشاداتكم السديدة فارجو من سماحتكم أن تتفضلوا وتقدموا لهم جملة وأفراداً تشكراتي القلبية على خدماتكم الثمينة
وفي الختام لي الشرف والسرور العظيم بأن ابلغ سماحتكم بأن صاحب الجلالة الامبراطورية الملك جورج يسره بأن ينعم عليكم تقديرا لخدماتكم الجليلة بوسام الامبراطورية البريطانية السامي من الدرجة الاولى.
ولي الشرف يا صاحب السماحة بأن اكون
خادمكم الامين
المندوب السامي في العراق

كرمه

أما كرم الشيخ الكيلاني فحدث ولا حرج إذ فاق كل كريم ولا أكن مبالغاً فيه لانه يظهر من ضخامة الوليمة التي أمر بها لصاحب الجلالة ملك العراق المعظم ، وكان قد نشرتها ( جريدة العراق) يوم السبت المصادف الثالث من ذي القعدة سنة 1339 هجرية المصادف يوم الثامن من تموز 1921تحت عنوان( مأدبة فخامة نقيب أشراف بغداد رئيس مجلس الوزراء لسمو الامير فيصل المعظم). . وتبادل فيها كبار الشعراء والادباء الخطب
وجاء في الخبر:أدب فخامة نقيب أشراف بغداد، رئيس مجلس الوزراء ليلة الجمعة الماضية مأدبة عبقرية لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل المعظم . ودعا اليها الوزراء ونخبة أشراف بغداد وعلمائها وأدبائها وفخامة المندوب السامي ، وحضره القائد العام ،؟ وحضرة الخاتون ( المس بل) الكريمة ، ونفر من موظقي الحكومة البريطانية .ولما أزفت الساعة الموعودة تهافت المدعوون الى دار فخامته بباب الشيخ ، فكان الديوان المعد لهذه المأدبة الفخمة مفروشاً بأنواع السجاد الثمين وسماؤه زاهرة بالمصابيح الكهربائية ، وكان يرى الداخل تحت أرجله نقوشاً من مصنوعات الشرق النفيسة وفوق رأسه أضواء مبدعات الغرب العجيبة حتى يخال أنه في روضة غناء ترسل نجوم سمائها الصافية اليها أشعتها عن كثب فيهتز بهجة وسروراً. وكان أنجال فخامة النقيب وذووه يستقبلون المدعوين بغاية الاكرام ولاسيما سمو الامير.
وبعد أن إستقر هذا المكان العلي بالمدعوين هنية ، دعو الى منضدة الطعام فقُدِمَ ما عزّ وندر وطاب ولذ من انواع المأكول والمشروب . وفي منتصف الطعام القى حضرة شاعر العصر المبدع وأديبه الكبير( معروف افندي الرصافي) خطبة بليغة كان لها وقع حسن على نفوس الحاضرين وهذه بنصها الشائق.
يد الله مع الجماعة
أيها السادة ، كنتُ البارحة أحادث رجلاً من ذوي النفوس الكبيرة ، فقال لي في عرض كلامه ما معناه " كلما كان المرء منفرداً في منازعه كان أحط أخلاقاًَ ، وكلما كان مجتمعاً في مقاصده كان أرقى أخلاقاً".
ولعمري لقد وقع هذا الكلام مني موقعاً أحسستُ منه برداً على كبدي وإطمئناناً في نفسي ، ولقد هاج فيّ من الشعور ما تقصر عنه العبارو".
وما كل مشعور به في نفوسنا قدير على إيضاحه المنطق الحر
ففي النفس ها عيا العبارة كشفه وقصر عن تبيانه النظم والنثر

ولكنني في هذه الليلة أقول :
أما وقد طلع الرجا يشع أنوار السرور
في دار مولانا النقيب بوجه مولانا الأمير
فاذهب لشأنك أيها اليأس المخيم في الصدور
ماذا يريد المرجفون بكل بهتان وزور
من بعد ما بدت المنى للقوم باسمة الثغور
في دار مولانا النقيب بوجه ملانا الأمير
ماذا يخاف القوم من ميل الوعانف للنفور
بعد إقتران النيرين الساطعين بكل نور
من وجه مولانا النقيب ووجه مولانا الامير
مدّ النقيب الى الامير يد المعاضد والنصير
فليخز كل مشاغب في القوم يلهج بالشرور
وليحيى مولانا النقيب حياة مولانا الأمير
أنا ايها السادة لا اعلم رجلاً أجدر من مولانا النقيب بأن يمثل في أفعاله أهل العراق كافة ، كيف لا وهو من قتل الدهر خبراً بتجاربه وإرتدى العز ضيافا بعلمه وأدبه وإرتقى سماء السؤدد بنسبه ونشبه.
فيا ايها الامير يا صاحب السمو الملكي ،إنما تصافحك من مولانا النقيب يد العراقيين كلهم ، وإنما تضمك في هذه الليلة من هذه الدار العامرة بلاد العراق كلها.
مرض الكيلاني ووفاته
وقد اعتراه مرض شديد ما انفك عنه حتى فارقت روحه جسمه الشريف وذلك سنة 1345 هجرية المصادف 1926 ميلادية . فشيع جثمانه على عربة مدفع حتى تربة في حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني ، ومشى في جنازته صاحب الجلالة الملك علي وصاحب السمو الامير غازي والمعتمد السامي وجميع كبار رجال الحكومة البريطانية ورجال الحكومة العربية وسائر الجاليات الاجنبية والعلماء والاشراف على إختلاف الملل والنحل . ومشى أيضا وراء الجنازة الجليلة اصحاب الفخامة والمعالي رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون والاعيان والنواب والرؤساءالروحيون وجمع غفير من العلماء والاشراف والموظفين وجميع طبقات الشعب.واقيمت مراسم العزاء في جميع انحاء العراق.
.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع